لا اكون مبتهجة عندما اقارن الحاضر بما كان ( زمان )، يضايقني ان أصف ما يحدث الآن وأعيشه بسلبياته وفي تعاملي معه بمقارنة دائمة لما كان زمان، بحسب ما عرفته ان زمان يحوي على الاقل 33 عاماً اي ما يساوي جيلاً، ولا تجرى المقارنة بين الحاضر وزمان الا عندما يكون ذلك الزمان مكتملاً أو شبه مكتمل حياتياً، كأن تطرأ عليك مشكلة ما تجعلك تنتبه بانك (زمان) لم تكن تعاني من تلك المشكلة، وان يطرأ عليك نقص ما في حاجة من احتياجاتك الحياتية، هو مايجعلك تنتبه انك (زمان) لم تعان من هذا النقص ..
تعلقنا بزمان بات في ارتفاع يومي، بتنا نعيش اضطراب الحاضر بمتغيراته السلبية السياسية والاقتصادية والواقعة علينا بحيثياتها التي يعلمها الجميع في صراع دائم بين (التقشف والصبر ) حتى نئن ونتأوه على ( زمان ) وننظر الى صورة (زمان) المعلقة على حائط الذكريات ونشكو للزمان ونسأله ان يعود لنخبره بما فعل الحاضر بنا، بت ايقن اننا الجنوب عامة وعدن خاصة وخاصة جداً اصبحنا شعباً أواهاً، آهاتنا مختلفة في النوعية عن آهة خليل الله ابراهيم النبي، ولكنها لا تختلف عنها في الالم والوجع، ، ولا يعني هذا اننا نبكي على اطلالنا( فزماننا ) لم يمر عليه سوى 20 عاماً ونيف ولا يمكننا ان نعده اطلالاً بعد، فلا يزال من الزمان بقايا، بقايا علم، بقايا آثار، بقاية هوية لم تندثر بعد، و لكن الدمار الذي عاث فيه والايادي التي قامت بالعبث به جعله يتقهقر قليلاً الى الوراء وهناك من يسعى من شبابنا المؤمن جاهداً لدفع زماننا إلى الامام حتى يعود الى ما كان عليه وأفضل.
من لوحات زمان القديمة المعلقة على جدار الذكريات تلك الملائكة التي تمشي على الارض، زمان كان وجه الممرضة لطيفاً وكان الطبيب مبتسماً، يربت على كتفيك ان رآك قلقاً، يعطيك حقنة مهدئة عندما يباشر بتنظيف جرح في جسمك، طبيب اليوم شيء آخر، قليل الصبر، يقلقك بتردده في التشخيص، لا وجه مبتسم يخفف قلقك كمريض ولا احترام للإنسانية في طابور الانتظار، يقابلك الطبيب بتعالٍ وقساوة تكملان قساوة غرفة الكشف الفارغة من الرحمة، اسئلة جافة واجابات مختصرة مبهمة، الماده فقط هي المتحكمة في تلك اللحظة، فحوصات طبية، اشعة، تحاليل، حتى اعمال السمسرة قرعت باب الاطباء، تجد الطبيب يرسل مريضه الى زميله الطبيب الآخر لعمل اشعة او لاجراء فحوصات معينة، نظام (كسبني واكسبك).
اما في المستشفى فحدث ولا حرج ولا ابالغ عندما اقول اني في زيارتي لاحدى القريبات اشتممت رائحة الدم تغزو احد اقسام المستشفى وكأنه مسلخة وليس مستشفى ! اصبحت رائحة المعقم وادوات النظافة من ( الزمان ) الجميل، وجوه الاطباء والممرضات عابسة قاسية لا يكترثون لك، يظل المريض راكضاً بين الطابق والآخر، بين الطبيب والآخر يترجى هذا ويبتسم لذاك، ليجد نفسه وحيداً في تلك الممرات الطويلة كتلك الشبيهة بأفلام الرعب الامريكية، يخيم عليه الظلم والذل واوراق وتشخيصات من اطباء عدة بأمراض عدة تنتهي كلها بالسرطان وكأن المريض لم يكتف بذل حكومتنا له فزاده طبيب اليوم ذلاً لأجل وصفة دواء .
ربما قد يكون ما وصل اليه الكثير من الاطباء اليوم هو نتاج ما آل اليه يمننا الجنوبي بعد الوحدة، وقد تكون الحالة الاقتصادية المتردية هي سبب هذه الانتكاسة الانسانية فامام حجم الراتب الذي يتسلمه الاطباء قد يجبرون على اللجوء لأعمال السمسرة لزيادة دخلهم ومواكبة متطلبات الحياة القاسية، ولكن تظل الرحمة هي الرحمة ويظل الانسان هو الانسان .. ويظل الأطباء مهما بلغ بهم الهم مبلغه هم جنود الله وملائكة الرحمة التي تمشي على الأرض .. فرفقاً بنا طبيب اليوم وسلام على من لزم الانسانية والرحمة منهم .
ملائكة الرحمة..رفقاً بنا !!
أخبار متعلقة