هلت علينا الأخبار عن توافقات وتقارب في وجهات النظر بين مكونات الحراك الجنوبي واتجه الأمر نحو الهدوء النسبي مما كان يسمع عن تراشقات واتهامات وتخوين وعمالة وكثير مما يرتبط بنظرية المؤامرة.استبشر المواطنون خيراً بما يحدث ويحسب في الاتجاه الصحيح وفجأة ينقلب الحال لتعود الأمور إلى ما كانت عليه وزاد الطين بلة الإعلام السياسي الموجه لتعميق الهوة وزيادة الشرخ بين المكونات الجنوبية باعتبار أن أي تقارب وتفاهم جنوبي جنوبي ليس في مصلحة قوى النفوذ القبلي والعسكري في المناطق الشمالية المتهمين بغزوة صيف 1994م التي أفتى أصحابها بتكفير الجنوب وأبنائه وأحلوا الدماء والنهب (الفيد) وعاثوا في أرض الجنوب فساداً بنهب الثروة والمال العام وأقصوا الكثير من الكوادر والكفاءات مدنية وعسكرية من أعمالهم وأحالوهم قسراً إلى التقاعد الاجباري فكانت الكثير من المفاسد تظهر بصورة سافرة من أبسط جندي مدعوم بنفوذ قوة القبيلة أو العسكر وكانت عدن مزاراً يومياً للإخوان القادمين نحو مصلحة أراضي وعقارات الدولة حاملين تعليمات وتوجيهات بصرف أراض من العيار الثقيل وفي المواقع الإستراتيجية الحساسة، وأخذوا ما لذ وطاب من الأراضي .
المهم عندما بلغ السيل الزبى تحركت طلائع المتقاعدين العسكريين في 7 / 7 / 2007م ولحق بهم المتقاعدون المدنيون واتسعت دائرة الاحتجاجات والمطالبات الحقوقية وعندما شعر الناس أن السلطات (ضربت لهم السقال) وأعطتهم أذناً من طين وأذناً من عجين وتعرضت المظاهرات الاحتجاجية السلمية لمواجهات مسلحة من قبل قوات الأمن وسقط العديد من الضحايا ما بين قتلى وجرحى واستمر الحال بصورة تصاعدية متوالية إلى أن وصل الأمر لدى قيادات الحراك الشعبي السلمي إلى رفع سقف المطالب وتنويع الوسائل والأساليب النضالية التصعيدية للضغط على السلطة أكثر فأكثر .. وكان ذلك يسير في الاتجاه الضاغط الذي يحقق المصالح المراد لها أن تتحقق إلا أن رفع سقف المطالب في الشارع وارتفاع عدد الضحايا بين قتلى و جرحى وصمت الشارع الشعبي والسياسي في المناطق الشمالية لما له من مصالح خاصة لا تتوافق مع المطالب السياسية الجديدة للحراك الشعبي السلمي الجنوبي الذي دعا إلى الانفصال حيناً وفك الارتباك حيناً آخر وهي المطالب التي إثارت غضب التيار الإسلامي على وجه الخصوص في أحزاب اللقاء المشترك وعبر صراحة عن رفضه وإدانته لمثل هكذا مطالب خارجة على الثوابت الدينية والدستورية ، وهو طبعاً نفس التيار الذي شارك في غزوة صيف 1994م وأفتى بالتكفير وأحل القتل والنهب .. الأمر الذي زاد من تعنت الحراك الشعبي السلمي الجنوبي وتشدده في التمسك بالمطالب التي اعتبرها مشروعة في ظل السلوك العنجهي وطغيان سطوة السلطة والبلطجة والفساد الذي ليس له أول ولا آخر وقهر وأذل الناس في الجنوب وأهان وامتهن الكرامات الإنسانية.
الحراك الجنوبي الذي بدأ موحداً قوياً ومع دخول أطراف لها مصلحة في إضعاف قوة الحراك السلمي الجنوبي عن طريق سياسة (فرق تسد) ظهرت في الآونة الأخيرة تكتلات ومجاميع حراكية متنوعة ومتعددة يصعب على المتابع للأحداث معرفة هذا الاتجاه من ذاك سياسياً وفكرياً حيث اختلط الحابل بالنابل والكل أمامك في الشارع باسم الحراك والأخطر في الأمر ظهور مسلحين في وسط الحراك السلمي الجنوبي لغرض الإساءة وتشويه المسيرة السمية للحراك الجنوبي ومع مرور الوقت أصبح هناك حراك فيدرالي وحراك مطلبي وحراك انفصالي وحراك فك الارتباط وحراك مرتبط بقيادات الخارج فرع بريطانيا وحراك مؤتمر القاهرة وحراك مؤتمر بيروت وأخيراً ما يسميه معارضوه بحراك مسلح جنوبي إيراني .. وتتطلع الناس وبأمل كبير إلى أن تتوحد صفوف الحراك السلمي الجنوبي من خلال حوار جنوبي جنوبي يخرج برؤية موحدة يشارك بها في مؤتمر الحوار الوطني والشامل المزمع انعقاده في نوفمبر القادم.
والمشاركة أصبحت ضرورية بعد أن اتضحت الكثير من الرؤى والمواقف المحلية والإقليمية والدولية المشددة على العمل بشكل موحد وجاد لحل الأزمة اليمنية ووضع الحلول والمعالجات المناسبة من خلال مشاركة كافة القوى السياسية والشخصيات الاجتماعية في مؤتمر الحوار الوطني الشامل مع التأكيد على أهمية الحفاظ على أمن واستقرار اليمن ووحدته الوطنية وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي الأخيرة والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة التي أغلقت الأبواب على تأييد أي دعوت للانفصال أو فك الارتباط على أقل تقدير في الوقت الرهن لما يلبي الرغبات الإقليمية والدولية .
والتعامل مع فن المكن في السياسة يتطلب التفاعل الإيجابي والعمل على استيعاب حاجات ومتطلبات المرحلة ومستجداتها الحالية والاندماج فيها بصورة عقلانية ومنطقية تلبي الأهداف والغايات الإستراتيجية للنضال السلمي الجنوبي الذي يمكنه من تحقيق تقدم في مسار العملية السياسية و إحداث نقلة نوعية تجعله جاذباً للشارع الشعبي والسياسي في المناطق الشمالية إن امتلك مقومات الخلق والإبداع القيادي في التعامل الواعي والعقلاني مع الواقع وتصحيح الفهم المغلوط الذي سجل عنه من خلال بدائل تدحض ما هو في إطار التضليل والافتراءات الإعلامية والسياسية وإثبات العكس لكسب ود ورضا الجماهير بصحة وسلامة توجهاته في السياسية والاقتصاد اللذين هما عصب الحياة بعيداً عن الضجيج والتوترات والتأزيم وإثارة الفتن المناطقية والصراعات الداخلية كون الجنوب قد عانى الكثير من الآلام والويلات وفي ظل التغييرات الجديدة أصبحت قوى الجنوب أمام خيارات مفتوحة فهل ترتقي القيادات الجنوبية في الداخل والخارج إلى مستوى البحث عما هو أفضل وآمن للوطن والمواطن ، فالشعب والوطن وقيادات الحراك أصبحوا اليوم على المحك وعليها إثبات قدراتهم في هذا الزمن الصعب واختيار ذاتهم من حيث إمكانية استعدادها لأن تكون أو لا تكون بعيداً عن نظرية المؤامرة بالانفتاح على الآخر والقبول به وإمكانية التعامل معه وفقاً لما هو عليه ووفقاً لقواعد وشروط الشفافية والحكم الرشيد والتبادل السلمي للسلطة على أساس منظومة القواعد والنظم الجديدة التي تؤسس لبناء يمن حر ديمقراطي جديد مدني وحضاري حديث الأمر الذي يفوت على تجار السلاح والحروب فرصة جر البلد والعباد إلى أتون حروب أهلية لا تحمد عقباها حيث بدأت بعض النوايا لقرع طبول الحرب تلوح في الأفق من خلال إثارة الفتن القبلية والمذهبية والطائفية والمناطقية بين أبناء الوطن الواحد بأحاديث عن الحرب والوصايه والحفاظ و... الخ وهي أحاديث مرسلة لا تعني شيئاً سوى كونها صادرة ممن لا يملك حق الوصاية على شؤون وآراء الآخرين ففي الأول والأخير هي مجرد آراء تعبر عن وجهات نظر أصحابها وغير ملزمة للآخر وهي وجهات نظر جوفاء تعبر عن قلق وخوف أصحابها من مصيرهم ومصالحهم الخاصة الأنانية الضيقة في ظل الدولة المدنية الحديثة التي فيها يتحرر الإنسان وينتصر لحلمه في الحياة الحرة والآمنة.
خيارات مفتوحة
أخبار متعلقة