كان رئيس الاتحاد السوفيتي ليونيد بريجنيف يكره كثيرا رئيس جهاز المخابرات الروسية «الكي بي جي»، لكنه لم يستطع إزاحته لتغلغل الجهاز الاستخباراتي في إدارة الدولة والحزب الشيوعي . وذات يوم اتصل برئيس الاستخبارات «الكي بي جي» بصوت منزعج مخبرا إياه ؛ بأنه أضاع ساعته الذهبية الثمينة المرصعة بالجواهر المهداة له من ملك إيران الشاه ، وبعد ساعات عاود الرئيس الاتصال ، فاخبره رئيس الاستخبارات بحماسة وفخر بأنهم اكتشفوا المؤامرة كلها وفككوا خطوطها، وتم القبض على زعيم العصابة الذي اعترف بسرقة الساعة ، وكان يعتزم زرع جهاز تنصت متطور لمراقبة رأس الدولة ، واخبر الرئيس بان العمل جار على قدم وساق لمطاردة باقي أعضاء الشبكة في كل ربوع الاتحاد السوفيتي .
فشكرهم الرئيس على جهودهم ، واخبر رئيس الاستخبارات بأنه أراد ان يعتذر له عن سوء الفهم ، وبأنه وجد ساعته الثمينة التي لم تغادر جيب معطفه الدافئ . ولم تمر ساعات حتى أعلن رئيس الاستخبارات استقالته .إذا أُسقطت هذه القصة على أجهزة الأمن في الدول العربية ستجدها تنطبق تماما على ثقافة الأجهزة الأمنية القائمة على شعار اعترف المتهم بجريرته الغاشمة ، ويتم هذا الاعتراف طبعا بممارسة العنف والتعذيب وانتهاك آدمية الإنسان وحقوقه . أجهزة أمنية متعددة وترتدي أزياء متضاربة ومنوعة في اليمن السعيد ، قلما تنبأت بحادثة أو اكتشفت جريمة أو عالجت واقعاً امنياً أو اجتماعي .
شرطة سكتلانديار البريطانية يبلغ تعدادها ستين ألفا ، وتحبط ما بين ستة إلى سبعة ملايين جريمة في السنة . لا يعرف عدد وعديد الأجهزة الأمنية في اليمن إلا الله عالم الإسرار ، فكم من الجرائم تكتشفها أجهزتنا المبجلة ؟! .تذكرنا قصة الاستخبارات الروسية بما تردده وسائل الإعلام في غمار الحملات والاعتداءات على السفارات الأمريكية في دول الربيع العربي ، وفي بعضها تم رفع علم القاعدة الأسود .
العجيب والمثير للسخرية والضحك تصريح رئيس الوزراء المصري هشام قنديل بان حكومته اكتشفت مؤامرة مدفوعة الثمن لتحريض الشباب لحرق السفارة الأمريكية في مصر ، وأردفت وسائل الإعلام عن قيادة ليبيا الجديدة بأنهم أعلنوا بفخر واعتزاز عن تحديد هوية خمسين شخصا وراء الاعتداء على السفارة وقتل السفير ومرافقيه ، وان اختلفت جهة الجاني ، فالبعض ألبس التهمة بالقاعدة ، وآخرون اتهموا نظام القذافي ومناصريه .التساؤل كيف استطاعت هذه الدول وأجهزتها الأمنية التي مرت بهزات كبيرة سببها تداعيات الربيع العربي ، وأثرت على أدائها وكفاءتها أن تصل بهذه السرعة الخرافية والفلكية إلى المتهم وتحديد هويته ودوافعه السياسية والاجتماعية ؟، هل هو على طريقة اعترف المتهم ، وأقر بجريمته ؟! ؛ علما بان هذه الأجهزة الطرزانية الخارقة إلى الآن لم تكتشف كثير من الجرائم الكبرى مثل حادثة بور سعيد في مصر التي ذهب ضحيتها عشرات الأبرياء ، وكذلك مقتل العميد عبد الفتاح يونس العبيدي في ليبيا.
والملاحظ أن المعادلة القديمة الجديدة للأجهزة الأمنية، وثقافة التعامل مع الجرائم والأحداث، تسارع بالاعتراف وإلقاء القبض على الجاني، ولو كانت الجريمة معقدة وصعبة، وطبعا يتم هذا الإجراء إذا كان المستهدف هدفا أجنبيا أو مصلحة أمريكية أو سائحا غربيا، أما إذا كانت الجريمة والحادثة تعرض لها مواطن عربي مسحوق، فان التخريجة الإعلامية تكون كالآتي : تم تشكيل لجنة للتحقيق ومحاسبة الجاني، ويعقبها سكوت إعلامي وسبات امني ، فمئات آلاف القضايا محبوسة في سجلات الأجهزة الأمنية، وكثير منها سيسقط بالتقادم.
والذاكرة الشعبية متعودة على النسيان والتناسي .
ساعة ذهبية مفقودة
أخبار متعلقة