القضية اليقينية التي يلتقي عندها الجميع - وإن لم يكن فالأغلبية من الناس - هي ضرورة الجلوس إلى طاولة الحوار بعيداً عن الأحقاد والضغائن والمكايدات السياسية التي لم تعد تجدي نفعاً في زمن علا فيه صوت الشعب وزمجر وأطاح بعنفوان إرادته أعتى الأنظمة، بل وأشدها التصاقا وتشبثاً بالسلطة القهرية والظلامية التي استطاعت بسنوات بقائها في الحكم أن تنشب أضفارها في كل المفاصل الحياتية للأرض والإنسان لتحولها إلى إقطاعية صغيرة لها ولأفراد أسرتها ، وهذا ما يجب أن يدركه سياسيو اليوم الذين لم يزالوا يراوحون أمكنتهم وما برحوا يعلكون نفس تلك المصطلحات السياسية التي في ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب ، وهؤلاءِ أجلهم من الأحزاب السياسية التي ترى أن خروجها من دوائر اللعب المباشر مع خصوم ذاتيين بشخوصهم وليسّ مع خصوم سياسيين بمواقفهم ، وهنا يكمن الغباء الشخصي أو السياسي أو يكونان معاً في هذه القيادات، التي ليس في جوهر وجودها على الساحة السياسية غير ممارسة لعبة القط والفار ، وتفضل أن تتقمص وتجسد دور القط في كل مراحل الفيد السياسي الهمجي الذي مل منه المواطن ولم يعد يضحك أحداً من الناس, عدا أولئك المقربين من دهاليز المكر والخبث “اللاّ سياسي” و “ اللاّ منطقي”!!؟
اليوم نحن شعب ووطن في مرحلة جد خطيرة ليس في هامشها أي مساحة ولو بسيطة للعب فيها وإن بأوهن الأوراق والخطط والأدوار التي جميعنا يعلمها من كثر ارتدادها وسلبيتها على رؤوسنا نحن أبنا، هذا الوطن الذي ينتظر القشة التي تقعده ، وهذا لن يكون البتة ولن نسمح به ما دامت الدماء تجري في عروقنا ، وهذا الأمر يجب أن تفهمه المصفوفة السياسية اليمنية العاقلة وغير العاقلة من أحزاب سياسية وقوى وشخصيات و...و...الخ، من الناس الذين يؤكدون دوماً لنا وبأغلب مواقفهم أنهم يتحركون بمعطيات بالية أكل الدهر عليها وشرب وكأن هؤلاء المتعاطون بغير علم أو منطق بالأحداث قد أُغلقت رؤوسهم في زمن بعينه ولم تعد لهم القدرة على إدخال معطيات جديدة لعقولهم، وإن وجدنا البعض منهم يقترب بحديثه من فكرة الحوار والاتفاق والسلم والديمقراطية والبناء والتحديث وغير ذلك من المصطلحات السياسية إلاّ أن الواقع العملي المتصل بمساحتهم ودوائرهم يظل شغوفاَ وظمآنا وملهوفاً لتلك المصطلحات التي تتضح بعد “الافتضاح” أن كل ما يقال وما يردد ما هو إلاّ أحرف غريبة ينطق بها لسان غريب ومن فم منفرج الكل يلقمه بما يريدون وليس بما يريد صاحب ذلك الفم،ما علينا نسأل الله لهم الهداية لأن الزمن سيلفظهم إلى ما يذهبون إليه أشتاتاً .. نحن في الواقع لا نريد أن نكون أشبه بالقواقع ولا بأصحاب الفراقع ونظل نتمنطق بالمصطلحات والرؤى والأفكار دون أن نشعر بالواقع السياسي والاجتماعي وحتى الجيوبليتيكي لليمن وننطلق منه ومن خلاله .. اليوم نحن لا نستطيع أن نغير بعض الأحزاب السياسية العتيقة والبليدة وحتى قياداتها بعضهم نفعيون والبعض الآخر متذبذبون بين الحق والباطل وما أوضح الحق وأجلى الباطل.. هؤلاء لم تمكنهم تجربتهم لأكثر من عقدين من الزمان في المعترك السياسي من الاستفادة من حالة العمى والضبابية والتشظي والفرقة التي أسهمت بشكل مباشر وغير مباشر في تغييب العقل والحكمة من الحياة السياسية طوال تلك الفترة.
لا سبيل لجميع الأطراف في هذا الواقع الصعب والمعقد الذي يعيشه الوطن اليمني إلاّ أن تتجرد من سلبيات الماضي وعفن المماحكات وعبثية الاختلافات الدونية التي سادت بهزليتها السنوات الماضية ، فكان أن فاض الكيل لدى الشعب لينفض عن نفسه ممارسات العبث السياسي والفوضى التي تصدرت بمفرداتها المأساوية مجمل الحياة.. واليوم لم يعد بمقدور أي طرف التمرد على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة بمجمل مصفوفاتها التي وقعت عليها الأحزاب التي يعمل بعض منها اليوم على عدم تطبيقها أكان سراً أو جهراً من خلال الممارسات الفوضوية محاولة بذلك إعادة عجلة التطور والتغيير إلى الوراء بوضع العراقيل أمام أي خطوة حقيقية تسعى إلى ترسيخ الأمن والاستقرار بل وإعادته إلى الحياة اليمنية.
ولذلك فمن المعيب على القوى السياسية اليمنية أحزاباً ومفكرين وأكاديميين وكل القوى الفاعلة البقاء خارج دائرة الفعل السياسي والمجتمعي الهادف إلى إخراج البلد من حالة الركود إن لم يكن الانحدار إلى هاوية التفتت والاقتتال وهي مسئولية مناطة بالجميع وليس على رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي أو رئيس الحكومة محمد سالم باسندوة والذين هم مطالبون أيضاً بالحكمة ، خاصة في مواجهة أعداء الحياة ومروجي الفتن الذين يعيشون اليوم في معمعة من التوهان والتخبط، وباتوا أقرب إلى الاندثار منه إلى البروز في ظل موجة الوعي والإدراك المتنامي يوماً عن يوم لدى غالبية شرائح وأطياف المجتمع اليمني.
ثقوا جيداً أن الانقسامات والتهرب من أمنيات الشعب اليمني ومتطلباته المستقبلية لن تجدي نفعاً أو تؤول إلى الفراغ والفوضى، كون الوقت الذي يعيشه المواطن صار ملزماً له بالوقوف بحزم وإصرار للخروج من هذه المعمعة وذاك التخبط والاختلاف إلى واقع أفضل وحياة آمنة وهادئة ، فهل يعي أولئك المتشنجون للماضي وهلوسته هذه الحقائق؟ ومن ثم فنحن مازلنا كشعب يمني ننتظر أن يعودوا إلى رشدهم نأمل ذلك..!!
المتشنجون للماضي وهلوسته
أخبار متعلقة