قبل سنوات قليلة كنت وزميل لي نسير في شارع أبي الحسن الهمداني (شارع حدة بالعاصمة) فقابلنا رجلا صافحه زميلي بحرارة ثم التفت نحوي يقول: هذا محمد بن عبد الله المهدي. وفهمت أن المهدي هو لقب أسرة الرجل، لكنه صحح لي وقال بل “المهدي المنتظر محمد بن عبد الله” الذي ذكر في حديث الرسول قلت له: قل بغيرها.. قال: أنا هو المهدي.. قلت متى أظهرك الله: قال منذ سنوات.. قلت : وما تفعل؟ قال: أدعو هذه الأمة إلى نفسي.. ثم سب هذه الأمة سبا مقذعا لأنها لا تصدقه ولا تتبعه، ثم استدرك: هذه الأمة تريد صبرا.. وبعد أن تركناه قلت لزميلي: ماله هذا.. مجنون أو أهبل أو ممازح؟ قال: ولا واحدة منهن، الرجل جاد. قلت: أيش من مهدي هذا، قامته قصيرة وثيابه متسخة وما يعرف يتكلم حتى، ويشتي يكون مهدي منتظر..
بعد ذلك رجعت إلى كتب مختلفة أقرأ المزيد عن المهدي المنتظر، ووجدت أن كل المسلمين يؤمنون بالمهدي المنتظر ويختلفون فقط في تعيين من هو وما وظيفته ومتى سيظهر، فعند الشيعة هو الإمام الثاني عشر محمد بن حسن العسكري الذي غاب غيبة صغرى ثم كبرى ولا يزالون في انتظاره(عجل الله فرجه)، وعند السنة هو رجل - لم يسم - سيأتي مع نزول المسيح من السماء، ومسمى في بعض الأحاديث المنسوبة للرسول مثل حديث “لا تقوم الساعة حتى يلي رجل من أهل بيتي يوافق اسمه اسمي”.. والظاهر أن عقيدة المهدي المنتظر موجودة في كل الديانات. أو بالأصح صنعت من قبل أتباع تلك الديانات، ويرجع سبب ذلك إلى أن كل أمة أو قبيلة أو فئة متسيدة إذا لحقت بها هزيمة تلجأ عادة إلى التمسك بالأمل لاستعادة سلطتها، ويسعفها موروثها في تخيل المنقذ، الغائب، صاحب الزمان..
في التراث والأساطير القديمة للجماعات المختلفة المهزومة هناك دائما بطل سترسله السماء في الوقت المناسب لنصرة المغلوب وإقامة العدل لكنها لم تفعل ولو مرة واحدة، مثل عقيدة “الفادي” أو “المخلص” عند قدامى الفرس، والتي انتقلت إلى اليهود ثم إلى النصارى، ثم المهدي المنتظر عند السنة والهادوية من الشيعة الزيدية، والإمام الغائب المهدي المنتظر محمد بن الحسن العسكري عند الشيعة..الذين فقدوا الإمام علي وقالوا إنه لم يقتل وإن ابن ملجم قتل شيطانا في هيئة الإمام، أما الإمام نفسه فقد رفعه الله إليه وسيأتي مجددا..
وحتى داخل الأسرة الواحدة الحاكمة إذا انهزم طرف فيها يكون له مهديه الخاص، فعندما انتقل الملك في بيت بني أمية من فرع بني سفيان إلى بني مروان بتولية مروان بن الحكم الخلافة بدلا من خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، لجأ خالد إلى صناعة “السفياني” الذي سيأتي به الله لكي يرجع لبني سفيان حقهم الإلهي. وكذلك حكاية “الفاطمي” التي ظهرت بعد سقوط الدولة الفاطمية و”القحطاني” اليمني و”التميمي” في مضر، و”الكلبي” الذي انتظرته قبيلته دون جدوى! وأنا أعجب من عقيدة المهدي المنتظر لدى المسلمين الذين تقرر عقيدتهم أن محمدا آخر الأنبياء والمرسلين وأنه ترك لهم القرآن وهديه يسترشدون بهما فما حاجتهم لمهدي منتظر؟
وأعجب خاصة من اعتقاد السنيين بالمهدي وهم المتسيدون عبر التاريخ الإسلامي الذين لم يتعرضوا فيه للاستضعاف إلا نادرا.. لكن يبدو أن الأساطير تفعل فعلها مثل الدين الحقيقي.
هوامش على المهدية.. مرة ثانية
أخبار متعلقة