منح قانون السلطة المحلية محافظي المحافظات صلاحيات واسعة عززت من الدور المنشود من السلطات المحلية في إحداث طفرة تنموية وخدمية في المحافظات على اعتبار أن نظام السلطة المحلية قضى على المركزية وأبدلها بنظام اللامركزية الذي أتاح الفرصة للشعب بأن يحكم نفسه بنفسه، وعلى الرغم من بعض الممارسات غير القانونية التي ترتكب من حين لآخر من قبل بعض الوزراء والمسؤولين في الحكومة والتي تخالف قانون السلطة المحلية وتواصل تكريس مبدأ المركزية المقيتة إلا أن هذه الممارسات تظل محدودة وفردية وهو ما يتطلب إدارة أكثر حزماً في المحافظات تضمن عام إفساح المجال أمام الآخرين للتدخل في شؤونها.
والمتأمل اليوم لمستوى أداء غالبية المحافظين ( يستوي في ذلك المنتخبون والمعينون ) يصاب بالإحباط ويسارع إلى الحكم بالفشل على تجربة الحكم المحلي ويبصم بالبنان العشر على أن انتخاب المحافظين من قبل المواطنين أو من يمثلهم في المجالس المحلية من اللعنات التي حلت على أحفاد سبأ وحمير.
فما أكثر المحافظين الذين فهموا وظيفتهم بأنها تقتصر على الحفاظ على أنفسهم وعلى مصالحهم ومصالح ذوي القربي والحاشية وعملوا على ما يخدم ذلك من خلال مواقعهم القيادية، فهذا محافظ أدمن على الاجتماعات التي تكون على حساب مصالح المواطنين الذين يعج بهم مكتبه في انتظار أن يفرغ نفسه ولو ليوم واحد للاستماع إلى شكاوى المواطنين وتلمس همومهم ومشاكلهم، وكأن وظيفته هي الاجتماعات وليت هذه الاجتماعات تسمن أو تغني من جوع، ولكنها لاتحرك ساكنا، وتكاد تكون عبارة عن وسيلة للظهور عبر شاشة الفضائية في سياق الاخبار المحلية ومن اجل أن يقال عنه إنه محافظ نشيط وعملي، ومحافظ آخر اعتكف في منزله ليواصل هوايته المعتادة وهي ( النوم ) في حين يتكفل مدير مكتبه بجمع كافة الأوراق والمراسلات في بريده الخاص ليطلع معاليه عليها بعد العصر أو في المساء وهكذا درجت العادة عنده، ولكنه يتخلص منها بسرعة فور سماعه بزيارة مسؤول رفيع للمحافظة حيث يكون في مقدمة الصفوف وبكل ( بجاحة ) يقوم بمخاطبة مكتب الخدمة المدنية برفع الغياب في المكاتب متناسياً أنه ( قدوتهم) على الدوام إلا فيما ندر، ومحافظ آخر يمارس دور السندباد يقضي أغلب أيام السنة في سفريات من دولة لأخرى تارة للعلاج وأخرى لتبادل الخبرات والإطلاع على تجارب الآخرين، وتارة لبحث سبل الشراكة ومن النادر السفر في مهمة رسمية ذات مردود إيجابي، وما أكثر سفريات الاستثمار وتنمية الأموال والمدخرات الخاصة التي كانت عامة حتى تم تعيينه أو انتخابه لقيادة المحافظة، وكلما وجه له الآخرون اللوم والعتاب على ذلك، يرد ببرودة ( هناك أمين عام ووكلاء المحافظة مش معصوبة في راسي ) ودائماً تذهب نسبة كبيرة من إيرادات المحافظة لتغطية قيمة التذاكر وبدل السفر، ومع ذلك يعتبر نفسه من المحافظين الأكثر تميزاً.
ومحافظ آخر دائم الإقامة في العاصمة ويدير المحافظة عبر تحويلة المنزل ويتقاطر عليه المقاولون وأمناء الصناديق وذلك للسلام على معاليه ومنحه حق ابن هادي المعلوم وليته يستغل زيارته وإقامته شبه الدائمة في العاصمة في متابعة المشاريع المركزية والقضايا المتعلقة بالمحافظة، ومحافظ آخر عدمه مثل وجوده، فهو لا يقدم ولا يؤخر ويفتقر لقوة الشخصية وهو ما جعله فريسة سهلة للنافذين والوجهاء الذين يملون عليه الأوامر والتوجيهات ويلزمونه بتنفيذها، حيث عاث هؤلاء في المحافظة الفساد ونهبوا المال العام والممتلكات الخاصة وهو لا يحرك ساكنا المهم أنه محافظ المحافظة رئيس المجلس المحلي (اللهم لاشماتت)، ومحافظ آخر عطل مسيرة البناء والتنمية داخل محافظته وركز جل اهتمامه على النظافة والمسائل الكمالية التي ما انزل الله بها من سلطان ، وكل همه أن يحقق أعلى معدل في نسبة الإيرادات والخروج نهاية العام بمبلغ كبير كوفر يعود للخزينة العامة للدولة في الوقت الذي تعج المحافظة بالعديد من المشاريع المتعثرة وتحتاج للمزيد من المشاريع الخدمية الضرورية، علاوة على استفحال آفة الثار والصراعات والحروب القبلية داخل المحافظة والتي يلزم الصمت إزاءها وكأنه غير معني بذلك، ومحافظ حتى اللحظة لم يستوعب حجم المسؤولية التي أوكلت إليه في ظل تدهور الأوضاع الخدمية داخل محافظته والتي يرى أنها أفضل من غيرها ويطالب دائماً أبناء محافظته بأن يحمدوا الله على النعمة التي هم فيها.
ولا اعلم هنا ما الذي يجبر أبناء هذه المحافظات على الصبر على هذه النماذج السيئة من المحافظين، مادام هؤلاء مجرد عالة على المحافظات وحجر عثرة أمام مسيرة البناء والتنمية المحلية فيها!!!، لا نريد أن تظل هذه الشخصيات الفاشلة في مواقعها، يجب تغييرهم واستبدالهم بالأفضل والأكفأ إنطلاقاً من معايير وطنية ولما يخدم المصلحة العامة، وفي المقابل هناك نماذج رائعة من المحافظين وهؤلاء يجب دعمهم ومساندتهم والعمل على مكافأتهم على النجاحات التي يحققونها في مجال عملهم، لا نريد أن يتحول التغيير إلى تصفية حسابات سياسية وحزبية لأن التغيير هنا سيكون بمثابة التخريب والتدمير، يجب أن يكون التغيير للمحافظين الذين ثبت بكل البراهين عجزهم وفشلهم ولأجل ذلك ضاق المواطنون بهم ذرعاً وصاروا يمنون أنفسهم باليوم الذي سيتخلصون فيه من هذه الكوابيس التي تقلق مضاجعهم وتنغص حياتهم ومعيشتهم.
نريد أن يعين محافظ المحافظة من خيرة أبنائها أو من الكوادر الوطنية المشهود لها بالكفاءة والاقتدار وستجني المحافظات ثمار ذلك، البداية كانت من تعز التي استحقت شوقي أحمد هائل محافظاً لها، وأبناء تعز قاطبة يعرفون شوقي هائل عن قرب وينتابهم إحساس صادق بأن شوقي قادر على تحقيق ما عجز عنه من سبقه من محافظين لذلك احتفوا بقرار تعيينه، ونحن هنا نأمل أن تحظى بقية المحافظات بمحافظين أكفاء قادرين على العطاء والإنجاز، يتوسم فيهم المواطنون الخير، وتكون لهم بصمات واضحة داخل محافظاتهم في مختلف الجوانب، ويكون لهم حضور في أوساط المواطنين للوقوف على مشاكلهم وقضاياهم والعمل على حلها أولاً بأول، لقد آن أوان التغيير فقد طال الصبر والانتظار ومن حق المحافظات المكلومة أن تحظى بنظرة عطف تمنحها قيادات تعمل على خدمة أبنائها لا أن تحولهم إلى خدم وعبيد يسهرون ويكدون ويعملون من اجل خدمتها والحفاظ على مصالحها.
حفظ الله اليمن واليمنيين وأدام علينا نعمة الوحدة والأمن والاستقرار ولا عاش أعداء الوطن.
* [email protected]
محافظون ولكن على أنفسهم ومصالحهم
أخبار متعلقة