لو طرحت سؤالاً في الشارع اليمني مفاده: هل تريد الوحدة؟، فالأكيد أن الجواب سيكون بلا ريب نعم ولكن بشرط، إن الشطر الأول من الإجابة شيء منطقي على اعتبار ان الوحدة عامل أساسي للاستقرار، ولكن جعل الإجابة مشروطة، يعطينا انطباعاً عن حجم الاختلالات التي رافقت الأعوام الـ22 الماضية من عمر الوحدة .
فنعم تعني الاقتناع، والاشتراط يشير الى حتمية إصلاح الاعوجاج الذي سرنا فيه كل تلك السنوات الماضية، كلنا وحديون ولا يمكن ان تزايد فئة على أخرى بأنها أكثر منها وحدوية، حتى المنادون ظاهرياً اليوم بغير ذلك هم يرسلون اشارات حقيقية عن حجم المعاناة التي وجدوها، ليس من سوء الوحدة، ولكن من سوء الإدارات التي تعاقبت عليهم، والتي طبعت في مخيلة البعض ان الذي حدث في صبيحة 22 مايو 1990م لا يعدو عن كونه الحاق الفرع بالأصل، أو ضم الجزء الى الكل.
ان فكرة الالحاق والضم لم تكن لتتجسد في اذهان من يطالبون اليوم بالانفصال، إلا من خلال ما تعامل به الآخرون معهم، ولهذا فنحن وبعد عقدين وعامين من الزمن بحاجة ماسة الى إعادة روح الوحدة الحقيقية التي حققها اليمنيون في الشطرين بقيادة الأخوين علي عبد الله صالح وعلي سالم البيض ومعهم الشرفاء من أبناء الوطن في مختلف المحافظات، فلم يكن بمقدور الرجلين ومن خلفهم قياداتهم تحقيق ذلك المنجز العظيم إلا عبر رغبة شعبية جامحة يتوق فيها أبناء المهرة إلى معانقة أبناء الحديدة، ويحتضن فيها أبناء صنعاء أبناء عدن.
وبعد مرور هذه الفترة الزمنية بما رافقها من سلبيات ليست بحق أبناء المناطق الجنوبية فقط، بل والشرقية والغربية والوسطى، فالفاسدون لم يكونوا يميزون بين منطقة وأخرى، بقدر ما كانت الحساسية أكبر لأبناء المناطق الجنوبية كونهم كانوا دولة مستقلة، ومن حقهم ان يشعروا بحق المواطنة المتساوية، ولعل ما زاد الهوة بين سكان تلك المناطق ورغبتهم في بقاء الوحدة، هو استئساد فئة بعينها واستئثارها بمساحات شاسعة من الأراضي فيما سكانها محرومون من عشرة امتار يحيط بها وعاء قصديري.
لهذا فمن المفروغ منه اننا جميعاً نريد الوحدة، ولكن السؤال الذي ما زال غائبا عن أذهان الكثيرين: هل تريدنا الوحدة على ما نحن عليه من عقليات مناطقية وقبلية وحزبية وسلالية ومذهبية؟، الأكيد لا.. فكل تلك المفردات البغيضة هي العدو الحقيقي للوحدة، وبقاؤها فينا من غير اقتلاع لا يغير من الحال شيئاً، حتى وان التقينا وتحاورنا شهوراً وأعواماً.
الحوار من اجل الوحدة ليس نقاشاً فضفاضاً منمق العبارات على ارائك وكراسي مذهبة، ولكنه قناعة تامة بعدم العودة الى ما جعل علاقاتنا ببعضنا البعض تسوء، وتصل للحظة ان يفكر القلة بقتل الأكثرية لا لشيء إلا من اجل الاستحواذ على ما تبقى ليس من خيرات الوحدة بل من مسمياتها ومعانيها الجميلة.
ان الشعب ،خصوصاً من شعروا بالظلم في كل المحافظات، لا يعنيهم ان يتم الحوار في فلل حدة او في عشش الحديدة، او صنادق دار سعد، ولكن ما يعنيهم حقاً هي النوايا التي سيدخل بها المتحاورون، بعد ان يكونوا قد غسلوا قلوبهم برحمة الله التي منها يجب ان يرحموا هذا الشعب.
ولايمكن بقاء الحال على ما هو عليه من دون رد الأراضي المنهوبة، او الممتلكات المغتصبة، ومن دون تعويض المتضررين كل بقدر ما يجبر تضرره، ويعيد إليه روح الوحدة لتسري من جديد في عروقه مبددة الشوائب والعوالق التي خلفتها الانتهازية، وامتهان النفس التي خلقها الله مكرمة، فمدينة عدن لاعتبارات كثيرة بحاجة لأن تصبح عاصمة للوحدة.
إننا أمام مرحلة فارقة في مسيرة الوحدة التي لاغنى لنا جميعا عنها، ولهذا من بين المتغيرات الجديدة ان يكون لليمن الواحد رئيسان للجمهورية والحكومة من أبناء المناطق الجنوبية، وهي أرضية سليمة نستطيع ان ننطلق منها نحو إعادة ترميم ما تهدم من وحدتنا، ونحن قادرون على ذلك بعون الله تعالى.
علينا أن نحمد الله أن محيطنا الإقليمي ومن خلفه العالم اجمع مع وحدتنا ليس محبة فينا، ولكن لأن مصلحته الآنية هي مع اتحادنا، ولهذا فنحن محظوظون فالعالم اشد منا حرصاً على الوحدة، ومن اجل ذلك فلن تنتصر إلا إرادة الله تعالى والمتمثلة برغبة الشعب في صون وحدته والمرتكزة على رغبة العالم في جعل اليمن آمناً ومستقراً في ظل الوحدة الخالدة... عاشت اليمن حرة موحدة، ورحم الله شهداءنا الأبرار الذين قدموا دماءهم الغالية من اجل الثاني والعشرين من مايو المجيد.
الوحدة التي نريدها وتريدنا
أخبار متعلقة