صورة المرأة في قصص عبد الله سالم باوزير ( 2 - 3)
المرأة الابنة ويتجلى لنا هذا النموذج من خلال مجموعة من القصص (السكران ،إعلان زواج، بائعة الخمير) لعل أهم ما يميز هذا النموذج إن من يمثلنه هن من الفتيات الصغيرات اللاتي لم ينضجن أعمارا وأغلبهن ضحايا من قبل الرجل سواء كان أباً كما في قصة السكران ، أو أي رجل آخر من رجال المجتمع وفي قصة (السكران) نجد أن الابنة كانت ضحية من أقرب الناس لها وهو والدها المدمن على الشراب،و الابنة في هذه القصة ضحية من جانبين: الأول:حرمانها من العطف والحنان بسبب الطلاق الذي كان سببا في التفكك الأسري، والجانب الآخر وهو الأهم هو تعرضها لمحاولة اغتصاب من والدها، وان كان لا يعلم أنها ابنته . القصة تتناول جانباً اجتماعياً مهماً بحاجة إلى إصلاح فالإدمان لا تنحصر سلبياته على الشخص نفسه بل تمتد لتصل الأسرة والمجتمع .فالأب المدمن في هذه القصة لا يعلم إن تلك الفتاة التي تمشي أمامه ابنته,فهو لم يتمالك نفسه عندما أبصرها أمامه:(وقد أبصر أمامه شبحا لفتاة في مقتبل العمر كانت تمشي أمامه.. وكانت ترتدي «بالطو» ورديا وقد انحسر عن ساقين ممتلئتين في لون الحليب وقد أخذ ردفاها المكوران يرقصان أمام ناظريه «فمشهد كهذا كفيل أن يفقده صوابه .ولعل أهم ما يميز صورة الابنة في هذه القصة كونها ضحية وتثير لدى المتلقي الشفقة عندما يغوص في تفاصيل القصة ويستشعر عمق المأساة ويتمثل المشهد أمام عينيه فيحس بمرارة الواقع عندما يكون احد ضحاياه نموذجاً كتلك الفتاة فأي رعب سيصيبها وأي تأثير سلبي سيصيب نفسيتها.القصة بشكل عام تصور لنا جانبا سلبيا إلا إن دلالات هذا الجانب لايمتد نحو صورة الابنة نهائيا فهي ضحية ، ولم يصدر منها أي جانب سلبي من خلال سلوكها وتصرفاتها على نحو ما يحدث في نماذج أخرى .أما في قصة ( إعلان زواج) فيتجلى لنا نموذج آخر لصورة المرأة الابنة يختلف عن النموذج الأول وإن كان يقترب في جزئية سأحاول توضيحها لاحقا . النموذج الذي تقدمه لنا هذه القصة هو نموذج للفتاة الطائشة في سلوكها وردود أفعالها،فهي في تصرفاتها تعبر عن قصور في الوعي . بطلة هذه القصة لم تتجاوز الثامنة عشرة ومع ذلك فهي تقع في المحظور والخطأ وتنغمس في الحرام وهي تعي ذلك في قرارة نفسها بل وتعترف كما ذكرت في هذا الإعلان .إلا أن كل ذلك لا ينفي أنها ضحية من جانب، فمصدر غرورها بجمالها الفائق هو الأهل فلم تكن بالنسبة لهم إلا سلعة سيبيعونها لمن يدفع لهم أكثر ولهذا يرفضون من يتقدم لخطبتها من الشباب ,مما أدى إلى شعورها بالحرمان وعدم إحساسها بالسعادة التي تلحظها في وجوه الفتيات عندما يتقدم لهن شاب ما فيوافقن على الارتباط به :«لكن غروري هذا حرمني من السعادة التي كنت ألحظها على الفتيات اللاتي في سني ، فكثيرا ما كنت ألحظ تلك السعادة ترفرف بين عيني فتاة لأن فتاها قال لها كلمة حب عذبة...الخ». إن قصور وعي أهل هذه الفتاة كان سببا في قصور وعيها ,فهم من كان لهم الأثر الكبير في تكوين شخصيتها على هذا النحو لتقع بعد ذلك في الخطأ لدرجة تعرضها للتحرش الجنسي من قبل سائق تاكسي ومن غير إن تبدي أدنى اعتراض بل استسلمت ليأخذ منها ما يشاء ليتكرر هذا الأمر مرات ومرات ،وهي ضحية كذلك من قبل السائق الذي لم يؤنبه ضميره على ما يفعله به من فاحشة .إذا فهذه الجوانب تجعل منها ضحية فالأهل ينظرون لها كسلعة و سائق التاكسي لم يفكر إلا في شهواته لكن كل ذلك لا يعفيها من المسؤولية وهي ما تعترف به في هذه القصة. ممالا شك فيه إن نموذج الابنة في هذه القصة يختلف اختلافا تاما عن النموذج السابق ففي قصة السكران نجد إن الابنة في تلك القصة كانت ضحية ولا ذنب لها في ما تعرضت له بعكس الابنة في هذه القصة فهي تتعرض للتحرش مثلا من غير إن تبدي أي اعتراض وهذه هي الجزئية التي أردت توضيحها.وبإمكاننا إن نضع النموذجين في مقارنة بهدف التعرف والكشف عن الصورة التي قدمها لنا القاص للمرأة الابنة.وممالا شك فيه أن هناك فرقاً بين النموذجين وإن كان القاص قد قدمهما بصورة الضحية في جزئية سبق ان أشرت لها سابقا إلا إن الاختلاف جوهري بين النموذجين ,فالنموذج الأول قدمه لنا من جانب يختلف عن النموذج الثاني ,فنلاحظ إن الابنة في النموذج الأول تثير لدى المتلقي الشفقة وتظهر له في صورة الضحية كما سبق وإن وضحت ،أما الابنة في النموذج الثاني فيقدمها للقارئ بصورة أخرى فهو وان حاول تقديمها بصورة الضحية لبعض الأشخاص إلا إنه لم يعفها من المسؤولية ، فهي مخطئة مهما يكن الأمر .أما في قصة ( بائعة الخمير) فالابنة كذلك ضحية واقع اجتماعي لم يكفل لها حياة كريمة حين كان الفقر يجثم على أنفاسها.الابنة في هذه القصة لم تجاوز الرابعة عشرة من عمرها وهي دون شك ضحية مع تحملها جزءا كبيرا مما وصلت إليه من حال.والصورة التي قدمها لنا القاص في هذه القصة تختلف عن النموذجين السابقين في جوانب متعددة وهذا يدل على تنوع القاص عبد الله سالم باوزير في النماذج التي يقدمها لنا في قصصه.و على الرغم من حداثة عمر هذه الفتاة إلا أنها تظهر لنا في بعض جوانب القصة على قدر من الوعي بالمجتمع وسلبياته.ويتجلى لنا هذا الوعي بعد تعرضها للاغتصاب وان كان قد غير مجرى حياتها إلى طريق الخطيئة. فتعرض هذه الفتاة للاغتصاب من قبل رجل في حوالي الخامسة والأربعين من عمره ذي لحية مهيبة وعلى رأسه عمامة جليلة دليل على التناقضات التي يحفل بها المجتمع فصفات هذا الرجل جعلت الفتاة تطمئن له فشكله إلى حد كبير يشبه أئمة المساجد وهذا يضعنا أمام قضية مهمة في مجتمعنا وهي غياب الضمير وعدم الشعور بالمسؤولية تجاه الغير ، وكذلك استغلال حاجة الآخر لأغراض غير سوية.فإذا كان ثمة سبب في تغير مجرى حياة تلك الفتاة فهو دون شك ذلك الرجل الذي تعرض لاغتصابها فكان ذلك إيذانا لاستبدال طبق الخمير بطبق جسدها تبيعه للناس كما كانت تبيع لهم الخمير من قبل.إننا بصدد صورة تمتزج فيها جوانب متعددة للابنة فهي تظهر لنا مرة على قدر من الوعي وتتحمل مسؤولية والدتها وهذا جانب إيجابي ومرة أخرى تظهر لنا في نهاية القصة وقد اتخذت قراراً باستبدال بيع الخمير ببيع جسدها وهذا دون شك جانب سلبي آخر وان كان هذا القرار نتيجة لسبب كانت فيه ضحية.إن هذا التمازج بين الجانب الإيجابي والسلبي في القصة يجعلنا لا نستطيع تحديد صورة الابنة هل هي إيجابية أم سلبية ، ولهذا بإمكاننا القول إن صورة الابنة في هذه القصة يمتزج فيها الجانب الإيجابي بالجانب السلبي ، إلا أننا لا نستطيع أن ننكر قوة الجانب السلبي لدى المتلقي، فهي مخطئة في هذا الجانب فلا نستطيع أن ننكر ذلك وأن كانت ضحية لواقع اجتماعي لم يكفل لها حياة كريمة .ونلاحظ من خلال النماذج التي قدمها لنا القاص للمرأة الابنة إنهن يشتركن في جانب مهم وهو إنهن جميعا ضحايا مع الاختلاف في بعض الجوانب كما سبق إن وضحت.وكونها ضحية دليل على عدم مسؤوليتها مسؤولية كاملة في جوانب إلا أنها تتحمل جزءاً من المسؤولية ولا يمكن إغفال ذلك .ونلاحظ كذلك في هذه النماذج أن القاص قدم لنا صورة مختلفة للمرأة الابنة فهو لم يكتف بإدانتها بل وجه جزءاً من الإدانة للمجتمع. المرأة الخطيبةوهذا النموذج تمثله قصة واحدة فقط من قصص باوزير وهي قصة ( الحريق).وبطلة هذه القصة هناء تحلم بالاستقرار في بيت الزوجية منذ عقد قرانها على وائل منذ ثلاث سنوات إلا إن الظروف حالت دون تحقيق هذا الحلم .لقد قدم لنا باوزير في هذه القصة تصوراً دقيقاً لرؤية المرأة الخطيبة لوضعها في البناء الاجتماعي وتتجلى هذه الرؤية بوضوح في المشهد الآتي :_(وائل إلى متى نظل هكذا ندور من سينما إلى ساحل إلى شارع ، الم يحن الوقت لان يكون لنا بيت يضمنا معا؟)._(وهل ترين يا حبيبتي أنني راض بهذا الحال ، ألم تكوني معي في كل خطوة خطوناها في البحث عن سكن لنا منذ عقد قراننا).المرأة هنا تشعر بعدم الاستقرار لوضعها ونلاحظ ذلك من خلال عدد من الألفاظ التي تشي بعدم الاستقرار(سينما ،ساحل ، شارع ) هذه الألفاظ لم يأت استخدامها من قبل القاص جزافا وفوضى بل كان اختيارها بعناية من قبل القاص فهو يريد القول إن السينما والساحل والشارع صارت بمثابة البيت الذي يجمعهما وهما يسترقان اللحظات كغرباء وهذا يدل على عدم الاستقرار والإحساس بالطمأنينة التي لن تتحقق إلا بوجود بيت يضمهما .إذا فالصورة التي قدمها لنا القاص للمرأة تظهر المرأة على قدر من الوعي بوضعها في المجتمع كما سبق أن وضحت ذلك فالقصة بشكل عام تسعى من خلال الفكرة العامة لها إلى تقديم رؤية المرأة لوضعها في المجتمع .وعموما فالصورة التي يقدم بها القاص المرأة الخطيبة صورة رومانسية تظهر بوضوح من خلال تصرفاتها مع خطيبها ،ولايمكن الحكم على هذه الصورة بالسلبية لان هناك رابطاً شرعياً يربطها مع خطبيها ، بل هو زوجها.المرأة الحبيبةوتتجلى لنا المرأة الحبيبة من خلال عدد من القصص (عندما نلتقي ،لاتذكريني ، الهدية ، الكافر، النافذة المفتوحة ، ليلة من عمري ، الربيع والخريف، لقاء مع الغروب).وجميع تلك القصص تمتاز بطابع رومانسي وقد ذكر ذلك الدكتور عبد الحميد إبراهيم في كتابه القصة اليمنية المعاصرة ((والروح الرومانسية عند باوزير شيء لا تخطئه العين في كثير من قصصه ،لابد لتلك النفس الفنانة إن تحب ولكن الواقع يحول دون ذلك إنه الخيال والأحلام حب بدون أمل ومن هنا كانت تلك الرومانسية صادقة وتدل على نفسية الكاتب المتعطشة، إنها رومانسية الفنان التي تعطي دون أن تنتظر شيئا إنه في قصة لا تذكريني يكتب لها رسالة ولا يبعثها لأنه يكتبها إرضاء لنفسه ورضوخا لعواطفه لقد رآها مرة واحدة ثم علم أنها سافرت إلى لندن فأخذ يكتب الرسالة ولا ينتظر منها حتى مجرد أن تذكره أنها نفسية الفنان التي تهب نفسها للناس وللعالم دون أن تنتظر شيئا ،وفي قصة (النافذة المفتوحة) تطل عيناه من النافذة في المساء والقمر يسطع في السماء والهدوء يشمل الحارة لقد اصطدمت عيناه بالنوافذ المغلقة لتبحث عن النافذة المفتوحة ،ورغم إنه يكتشف أنها مفتوحة لغيرة فقد بدأت عيناه تبحثان من جديد بين النوافذ المغلقة عن حب جديد أنها نفسية الإنسان التي تبحث عن الدفء ولا تستطيع إن تعيش بدون حب وتدرك تأثير الأشياء الطيبة على النفوس).ولهذا فستصطبغ صورة المرأة بهذه الرومانسية بوصفها الطرف المهم فيها وهذا ما سنلاحظه من خلال تناولنا لكل تلك القصص .