صندوق تحول نتيجة الفساد إلى أداة لتعميق مأساة المعاقين
تحقيق/ وائل القباطي:بنظرات ممزوجة بالأسى والعجز يصادفك، في حرم جمعية رعاية وتأهيل المعاقين حركيا بمحافظة عدن، الخراب والتدمير الذي تعرض له مقر الجمعية التي توقف نشاطها خلال الأعوام الماضية، عقب إيقاف صندوق المعاقين موازنتها للعام الرابع على التوالي .وأدى إيقاف صندوق رعاية المعاقين الميزانية الشحيحة لجمعية رعاية وتأهيل المعاقين حركيا بمحافظة عدن إلى شل كافة أنشطة الجمعية التي تخدم عشرات المعاقين حركيا وتساعد على إدماجهم في المجتمع من خلال تدريسهم وتأهيلهم وتدريبهم للحصول على فرص عمل مناسبة.تأسست جمعية رعاية وتأهيل المعاقين حركيا بمحافظة عدن عام 93م وتقدم خدمات للمعاقين في محافظات عدن ولحج وأبين، لكنها تحولت إلى اطلال خلال العامين الماضيين، بسبب إهمال الجهات المعنية في صندوق رعاية المعاقين وقيادة السلطة المحلية في محافظة عدن، التي لم تحرك ساكناً لانتشال الجمعية من أوضاعها المتردية، ناهيك عن تجاهلها لمناشدات إدارة الجمعية التي تقابل بوعود متكررة لا تجد طريقها إلى التنفيذ.ونفذت جمعية رعاية وتأهيل المعاقين حركياً وذهنياً بعدن, وقفة احتجاجية أمام مبنى محافظة عدن, يوم الاثنين الماضي للمطالبة بتوظيفهم وإعادة موازنتهم الموقوفة من قبل صندوق رعاية المعاقين، ورفع المشاركون في الوقفة الاحتجاجية لافتات كتبوا عليها: (لا ظلم ولا تهميش من حقي أعيش)، مطالبين الجهة المعنية ممثلة بمحافظ محافظة عدن, النظر إلى قضيتهم وإعادة موازنتهم وتثبيت المتعاقدين.إيقاف الموازنةيؤكد عضو مجلس إدارة الجمعية علي غالب، أن صندوق المعاقين تعمد إيقاف موازنة جمعية المعاقين منذ عام 2010م، بحجة عدم تصفية العهد السابقة وهو ما ينفيه رئيس الجمعية نصر ناصر السقاف الذي يضيف: «بعد متابعة حثيثة واستمرار نشاط الجمعية رغم إيقاف الموازنة تم صرف مليون ومائتي ألف ريال، كموازنة النصف الأول لعام 2012م، ورغم قيامنا بتصفيتها واستخدام معظم المبلغ في صميم عمل الجمعية لتأهيل باصات نقل المعاقين حركيا إلا أن الصندوق رفض منذ ذلك الحين تسليمنا بقية موازنة 2012م، و2013م، وهو ما أدى إلى شل نشاط الجمعية، والآن يبدو أن عام عام 2014م سيلحق بالأعوام السابقة»، قالها السقاف بيأس وقلة حيلة.الجهات المعنية تتجاهلوتشكو إدارة الجمعية من تدمير متعمد، في الوقت الذي تصل فيه موازنة فرع صنعاء إلى 30 مليون ريال وذمار 20 مليوناً، نحن ميزانيتنا أربعة ملايين وأربعمائة ألف ريال ومع ذلك تم إيقافها ، متهمة الجهات المعنية في محافظة عدن بالتقصير والمساهمة في وصول الجمعية إلى ما هي عليه. ويضيف: «نفذنا وقفة احتجاجية في أغسطس الماضي أمام ديوان محافظة عدن وقدمنا رسالة للمحافظ الذي قام بتوجيه مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل للجلوس معنا وحل كافة مشاكل الجمعية، لكن لم يتم استدعاؤنا حتى اللحظة، وقبل أسابيع تفاجأنا بوضع الرسالة داخل ملفنا في الشؤون الاجتماعية وكأن شيئاً لم يكن. ويواصل السقاف: لكننا لن نصمت وسنواصل مطالبنا حتى لو اضطر الأمر إلى حشد المعاقين أمام مكتب المحافظ لتنفيذ وقفة احتجاجية مطالبة بمعالجة أوضاع الجمعية.توقف التدريس والتدريبتقدم الجمعية خدمات للمعاقين حركيا من محافظات عدن ولحج وأبين ، حيث تقوم مدرسة الشروق بتدريس عشرات الأطفال المعاقين لمدة 3 أعوام بعدها يتم دمجهم في المدارس الحكومية، كما يتم تدريب الفتيات المعاقات في ورشة الخياطة والتطريز التابعة للجمعية، بالاضافة إلى مركز الجزيرة للكمبيوتر واللغات المعتمد من قبل وزارة التعليم الفني والتدريب التقني، ولكن توقفت أنشطتها منذ عامين بسبب إيقاف الموازنة من قبل المالية. توجد لدى الجمعية مدرسة خاصة للمعاقين، كانت تستوعب 30 طالباً وطالبة، إضافة إلى فصول من أول إلى ثالث يدرس فيها مدرسون بعضهم وظف من التربية والتعليم و البعض الآخر تم التعاقد معهم من قبل صندوق المعاقين، وبعد استكمال المراحل الثلاث نقوم بدمجه في المدارس العامة، كما تشمل المدرسة أيضاً ورشة للخياطة والأعمال اليدوية للفتيات المعاقات، ومركزاً للكمبيوتر يتم تأهيل وتدريب المعاقين من الجنسين فيه، وقد جاء ذلك بفضل الدعم الذي يقدمه صندوق المعاقين والصندوق الاجتماعي للتنمية ولكن الآن توقف الدعم عنا.باصات محطمةتعد الباصات ووسائل النقل هي الركيزة الأساسية في عمل الجمعية، كونها تسهل عملية نقل المعاقين حركيا يوميا من منازلهم إلى مقر الجمعية والعكس، حيث تملك الجمعية 4 باصات جميعها شبه محطمة وتحتاج إلى ترميم وقطع غيار وبحسب إدارة الجمعية فقد ظلت الباصات لأشهر محتجزة في وكالة (تويوتا) بعد رفض إدارة الصندوق في صنعاء دفع تكاليف إصلاحها منذ 6 أشهر وهو ما اضطر الإدارة إلى القيام بسحبها إلى حوش الجمعية، نتيجة عجزها عن دفع نفقات الصيانة التي تصل إلى 8 ملايين ريال، حيث تتكوم الباصات التي انتهى عمرها الافتراضي فيما يرفض صندوق المعاقين دفع تكاليف إصلاحها، ولا يمكن أن تعاود الجمعية نشاطها إلا بتوفر وسائل نقل.اعتداء على حرم الجمعيةلم تستهدف موازنة جمعية رعاية وتأهيل المعاقين حركيا فقط إذ أن موقعها الحيوي ومساحتها المجاورة لمستشفى 22 مايو في مديرية المنصورة يسيل لهما لعاب نافذين يتحينون الفرصة للانقضاض على الموقع . ويؤكد القائمون على الجمعية أن الجهات الأمنية في المحافظة تتجاهل منذ عام قرار المجلس الأعلى بالمحافظة بإزالة عملية البسط العشوائي في حرم الجمعية، حيث استغل أحد النافذين حالة الانفلات الأمني للبسط على حرم الجمعية وبناء سكن عشوائي.وتتهم إدارة الجمعية الجهات المعنية بالتواطؤ وغض الطرف عن عملية البسط على حرم الجمعية رغم قيام الباسط بمد خدمتي المياه والكهرباء من الجمعية بالقوة، والاعتداء على منتسبي الجمعية من المعاقين حركيا الذين نفذوا وقفة احتجاجية تندد بعملية البسط على حرم الجمعية، لكن مسلحين تابعين للنافذ باشروهم بالضرب والاعتداء عليهم بعنف حد تأكيدهم.مركزية مدمرةيعود عمر تأسيس مبنى الجمعية إلى عقود مضت وتؤكد الإدارة أنها تقدمت بمشروع لصندوق التقاعد في صنعاء لإعادة ترميم وتأهيل المبنى ووجهت إدارة الصندوق بتشكيل لجنة للنزول والاطلاع على وضع المبنى ولكن التوجيه ظل حبرا على ورق.وتشكو إدارة الجمعية من المركزية المدمرة لصندوق المعاقين ويقول عضو مجلس إدارة الجمعية:«طلبنأ تزويدنا بعجلات للعربيات التي يتنقل عليها المعاقون فوجهوا بنزول واحدة من صنعاء وصرف بدل سفر لتحديد نوعية العجلات التي تستخدمها..تصور»، مؤكدا حاجة الجمعية إلى مصدر دخل كاشفا عن مشروع وجة وكيل المحافظة لشؤون المديريات الأخ نائف البكري بتنفيذه، وهو عبارة عن بناء 15 محلا تجاريا على نفقة السلطة المحلية في واجهة الجمعية.بحثا عن الوظيفةوعن معاناة المعاقين في التوظيف يقول احد المعاقين»: نعاني من عدم التزام الجهات المعنية بالتوظيف بقرار جمهوري بمنحهم نسبة 15 بالمائة من استحقاق المحافظة من الدرجات الوظيفية، ففي كل عام تكون هناك حصة للمعاقين بعدن لدرجة وظيفية للحاصلين على شهادة البكالوريوس، في الوقت الذي لا يحصلون إلا على نسبة قليلة، ولا ندري أين تختفي بقية الوظائف، حيث يوجد العديد من المعاقين الخريجين من وقت طويل بتخصصات عديدة لم يتمكنوا من الحصول على حقهم في الوظيفة العامة».وأضاف عضو مجلس إدارة جمعية المعاقين حركيا بعدن: «منذ 11 عاماً وأنا متعاقد بـ 10 آلاف ريال، غيري كثيرون لم نحصل على حقنا في التوظيف، ناشدنا ونفذنا وقفات احتجاجية ولكن الحكومة لم تتجاوب معنا، ايش باقي عاد؟» تساءل، قبل أن يجيب بياس وألم واضحين «يشتوا يقبرونا هنا».صندوق معاقوأنشئ صندوق رعاية وتأهيل المعاقين بصدور القانون رقم 2 لعام 2002م، وإصدار العديد من التشريعات والقوانين والقرارات التي كفلت للمعاقين حقوقهم بأن يحيوا حياة كريمة تليق بإنسانيتهم وكرامتهم كما ضمن لهم الحصول على كافة مستلزمات ومتطلبات الرعاية والتأهيل وهي من المهام المناطة بالصندوق والملزم بتوفيرها على المستويين الفردي والمؤسسي، لكن المشروع الطموح للصندوق تحول نتيجة الفساد إلى أداة لتعميق مأساة المعاقين حركيا ومضاعفة آلامهم. وتعتمد الحكومة مخصصات سنوية للصندوق في الميزانية العامة للدولة، من خلال الهبات والتبرعات والمساعدات المقدمة من الهيئات الوطنية والعربية والأجنبية والأفراد، ومائة ريال عن كل بيان جمركي، وعشرة ريالات عن كل تذكرة سفر بالطيران وخمسة ريالات إضافية عن كل علبة سجائر، بالاضافة إلى عائدات استثمار أموال الصندوق.وينص قانون إنشاء صندوق المعاقين على توفير آلات ومعدات وأدوات التأهيل المهني، وتوفير الأثاث الإداري والفني لمراكز التأهيل، وكذا تنفيذ دورات تدريبية لرفع الكفاءات الفنية والإدارية للعاملين في مجالات التأهيل وكذلك لأعضاء الهيئات الإدارية، بالاضافة إلى تمويل برامج تثقيفية في وسائل الإعلام للتوعية بقضايا الإعاقة، وتمويل نفقات التعليم الأساسي والثانوي وتوفير المستلزمات الدراسية وتمويل تعليم خاص للمعاقين ذهنياً، وكذا تمويل نفقات برامج دمج المعاقين في مدارس التعليم العام والثانوي وتمويل برامج التدخل المبكر، وتوفير مناهج التعليم الخاص للمكفوفين بطريقة برايل، ووسائل تعليمية للمعاقين.ختاما.. يواصل صندوق رعاية المعاقين إيقاف موازنة الجمعية فيما قاعات الدراسة والتدريب طالها الإهمال والخراب، والموظفون لم يحصلوا على حقوقهم في التثبيت بعد سنوات الخدمة الطويلة، والأسوأ من ذلك أن باصات الجمعية معطلة، بسبب عدم قدرتها على دفع تكاليف إصلاحها، هذا هو حال جمعية رعاية وتأهيل المعاقين حركيا بمحافظة عدن، التي تطالب إدارتها بإعادة تأهيلها وتوفير موازنة ثابتة لها وإيقاف عملية البسط التي يقوم بها احد النافذين بتواطؤ من قبل السلطات المحلية والأمنية بمحافظة عدن.. ولكن لا حياة لمن تنادي.