نجاح الشامي
بلل العصفور منقاره بماء النهر، فرد جناحيه ، صفق بهما الهواء، حلق متأبطاً فرحة، متقلباً في الفراغ. عنكبوت عجوز ما زالت تنسج خيوطاً على جذع شجرة ، وهناك تقبع فراشة ، تتقافز بين أزهار البنفسج بشغب ، هذا العالم جزء من ذاكرته السوداء ، يرقب كل ذلك بصمت رهيب وقد غسلت الحسرة وجهه ، آه لو انه طير أو حتى حشرة، أليس هذا أفضل مما هو عليه الآن؟!يضحك حانقاً :-بشر، هه !! ما الذي جنيته من كوني بشراً ؟لا إنسانيتي شفعت لي عندهم ولا إنسانيتهم حببتهم لي.يقذف أفكاره فكرة فكرة لتذوب في النهر ربما يجب عليه أن يزعج الطبيعة ويربك هذا الطائر المختال بجناحيه ، لكم احسده ، الكل هنا مبتهج لا تثقل كاهله قيود بشرية، فلا تعكر صفوه قوانين ولا دساتير وضعية ، متحرر من كل شيء.تقترب الفراشة من الخيوط الضعيفة تهرول بغباء نحو حتفها، تبتسم العنكبوت.والطائر ما زال يتقلب مغرداً مرحاً في الجو، تختطفه حجر طفل أرعن ، ليسقط مغشياً عليه بين العشب ، وهو لا يزال يرمي أفكاره في النهر بغضب ، كانت في الجانب الآخر تستلقي مقبرة صغيرة وها هي اليوم تتمدد تطول وتعرض تفتح فمها بتبجح لتلتهم القرية ، تقترب ، تغرس مخالبها في وجه النهر ، تجرح مياهه الرقراقة.بقايا طفل نهشته أنياب كلب مسعور هذا الصباح ، يلج المقبرة بسلام ليرقد تحت عمود من الجبس والاسمنت الأبيض، يهرول الرجال واضعين الجسد الهامد في حفيرة القبر، يسوون عليه التراب، تاركين المقبرة تجمع ما تبقى من ضحكات.يتنهد برضا:-شكراً لإنسانيتي فما زال متسع من الوقت لاكتشف المزيد .. لأسبح لله وأحمده كثيراً وأني بشر .