للمعنيين فقط
قبل أن نكون عرباً لنا مايذكر بنا ويخلدنا بين الأمم لما نملك من تاريخ سباق في البناء والتحضر والتمدن، وقبل أن يكرمنا الله بإنزال القرآن بلساننا لما لها من فصاحة وبيان وقدرة لا محدودة في مجاراة واستيعاب طموح وتطلع وأحلام وتفكير الإنسان والإحاطة بكل ما يتطلع إليه وينشده. وقبل أن نستجيب أفراداً وجماعات وقبائل وممالك لنداء الحق الذي نادي به نبينا محمد الخاتم. لنوصم نتيجة لذلك بأننا أصحاب نجدة وظهور لنا قلوب لينة وافئدة رقيقة. قبل وفوق هذا وذاك كنا خلقاً من خلق الله، بشر كرمهم الله بالعقل وزينهم به وفطرهم بفطرته وهي حب الحياة والانتصار للحق والنفور من الباطل وكراهية الظلم والترفع عن مساقط الكبر والاستعداء والاستعلاء، ومقت الجهالة والبطالة والذل والمهانة. فطرة مرتكزها القلب والعقل وسمو الروح والوجدان، ومحورها العطف والمحبة والاجتماع والأمان. فطرة فطر الله الناس جميعاً عليها الصغير والكبير، الجاهل والعالم، المتأخر والمتقدم من استقبلها أفلح ومن جانبها خاب، فطرة لا يكون الإنسان إنسانياً الا بها . تهديه وتميزه وتثريه. بتمييزه بين الخير والشر، الصالح والطالح، الباقي والزائل يوصله تكوينه لفكرة واستجابته لرأي واطمئنانه لفعل. فطرة أودعها الله في خلقه على اختلاف مشاربهم وقناعاتهم والوانهم ومذاهبهم لتكون المعين الذي لا ينفد لاقتفاء الأمن والأمان السلم والسلام والاستقرار. فطرة وأن كان الجميع من الخلق مسؤولين في عدم تشويهها والقيام على تنميتها واحترامها بما يجعلها مزهرة مثمرة دوماً في حياتهم، فأنها عند المسلم والمؤمن تصبح بمثابة التكليف الملزم لإظهار فضائها من خلال تجسدها وحضورها في مختلف مراحل نموه ونشاطه وفعله وعلاقاته وتأثيره على من حوله، كما أنها أي هذه الفطرة لابد وأن تكون أكثر تجليا في علماء الدين والباحثين فيه والدارسين له، في حركاتهم وسكناتهم في أعمالهم وسلوكاتهم في قول كلمة الحق والدعوة إليها وفي كشف الباطل والدعوة للتصدي له. فسكوتهم وتأخرهم وإحجامهم عن قول كلمة الحق والانتصار لها يكون مذمة فيهم ومنقصة . خصوصاً عندما تنبري مجموعة أو أفراد لتمارس أفعالاً تنافي تلك الفطرة الإنسانية مرتكبة أبشع وأقبح واذم وأبغض الأعمال عند الله وهو قتل النفس المسلمة التي حرمها الله باسم الإسلام. فسكوت أو تأخر أو تقاعس علماء الدين عن كشف قبح وبطلان ومروق من يقومون بهذه الإعمال قد لا يحول دون قدرة العامة من المجتمع على تمييز ومعرفة خطر هذه الأعمال على السلم والاستقرار المجتمعي وعلى بعدها ومنافاتها لتعاليم الدين الحنيف ولفطرة الله التي فطر الناس عليها. كما لا يمكن أن يؤدي سكوت علماء الدين في بلادنا عما ترتكب من جرائم . إلى مواصلة الاحتفاظ بمكانتهم وصدقهم والثقة بهم. فسكوتهم عما يتم الإقدام عليه باسم الإسلام من ترويع للناس وإقلاق سكينتهم وإرعابهم بذبح الناس بدم بارد وبانتعاش وحبور . لن يزيد الفجوة بينهم وبين الإسلام الذي يدعون أنهم يدينون به أو بينهم وبين المجتمع الذي جاؤوا منه. ويعيشون بين ظهرانيه. وإنما بينهم وبين أنفسهم، وهو منقلب لن ينفكوا من الوقوع والتمرغ في شروره.إلا إذا خرجوا من صمتهم وتابوا إلى ربهم وأعترفوا بذنبهم.