آخر كـلام
عرفته زميلاً قبل عشرين سنة .. هذا هو .. ذلك الرجل البسيط .. تغير الزمان ولم يتغير .. بدأني بالسلام والتهنئة بالعيد؛ الذي وصفه بـ(السعيد) مع أنني لم ألمح فيه، ولا في نفسي سعادة .. فكل واحد له هم، وكل واحد به غم، ومن أصبح سعيداً في يمننا السعيد ؟! لقد أحرق تجار الحروب فرحتنا، ومزق تجار الأهواء بسمتنا، ودمر هواة الأشلاء سكينتنا، ونهب المخربون ضحكتنا، وأصبحنا نقلب أيدينا، ونقول ككل البائسين : عيد سعيد !! رددتُ عليه وتبادلنا الحديث عن الحال، والصحة، والأولاد .. قال لي بانزعاج جم: (يا أخي تعجبني كتاباتك من زمان .. لكن أتمنى أن تلتصق أكثر بهموم الناس .. تشوف معيشتهم .. غلاء الأسعار .. الغش التجاري .. استغلال الماركات .. الكذب على ذقوننا وعقولنا .. أكل أموال البسطاء بالباطل .. وغير ذلك ..)قلتُ له : وحول هذا تجدنا على الدوام ندندن !! عن الوطن، وعن الإنسان، وعن مستقبله الذي يتخلق اليوم في هذا المخاض العسير في ظل قيادة فخامة الأخ الرئيس عبد ربه منصور هادي رئيس الجمهورية، وحوله ومعه كل الشرفاء؛ للخروج السريع، والآمن من نفق المرحلة الانتقالية، إلى الدولة التي نريدها جميعاً .. إلى اليمن الاتحادية، الجديدة، الديمقراطية، العادلة .. دولة النظام، والقانون، والمواطنة المتساوية .. وعلى طريق تنفيذ مخرجات الحوار الوطني الشامل، وتجاوز مختلف العقبات الكأداء التي ما برحت تؤرقنا، وتقلق سكينتنا بتخريب الكهرباء، وتفجير أنابيب النفط والغاز، وتخريب الاقتصاد عموماً، وتلويث حياتنا بمحاولة البعض صنع الأسباب، واختلاقها، وإحياء جيوب (القاعدة) هنا وهناك، واستيراد ملوثاتها وطبعها بالطابع اليمني، وإحياء كل إمكانية لتعزيز أسباب الاقتتال والفرقة، قبلياً، ومناطقياً، وعرقياً، ومذهبياً؛ للوصول إلى أهداف تلك القوى الحاقدة على الوطن، والمتجسدة، والمتحدة في تكوينات تنظيم القاعدة؛ كرأس حربة لكل جيوب الثورة المضادة .. في تلك الدولة؛ سيكون الإنصاف، وسيحل العدل، وستتوارى كل الأوباء .قال لي : ومن أجل ذلك قلت لك نحن معجبون بما تكتب؛ لكنا نريد منك أن تلتفت أكثر لهموم البسطاء .. لماذا لا تكتب على سبيل المثال حول ما يباع في السوق من أغذية ؟ لماذا لا تكتب على السموم المدخلة على القات .. إنها تحيل حياة (المولعي) إلى نار مولعة، وخصوصاً بعد (النجعة) بل توصل البعض إلى المستشفيات وأقسام العناية المركزة، وهناك من يموت بسمومها..وأضاف أن السجائر ربما كانت الأهون من هذه المواد !! وهي التي تحولك إلى منفاخ متكظم من كثرة السعال المحرق ...قلت له أي أهون يا زميلي المسكين ؟ أنصحك أن تذهب ـ قربة لله ـ في زيارة إنسانية لمرضى القلب في مركز القلب بصنعاء، أو لزيارة مرضى السرطان، أو مرضى السل؛ لتكتشف، وتميز الأشد من الأهون .. لكن المشكلة ليست في صانعي السجائر، أو البردقان، أو الشمة .. إنها في المستهلك الذي يعلم الخطر، ويراه بعينيه، ثم يتجاهله ..ولا تستغرب بعد هذا أن تحشى هذه السجائر بقدر من البسابس لتحلية الطعم؛ أو حتى البارود مثلما تحشى حياتنا الآن بالخراب .. هذا الخراب الذي ينفذ بأيدٍ يمنية، وبمسمى قاعدة، أو غيره من المسميات الكثيرة في الشمال والجنوب .. لا تستغرب ما دام هناك من يسوِّغ لنفسه، ويبيح لها سفك الدماء المؤمنة، والآمنة؛ على حد سواء، ومادام هناك من يسكت على هذا الباطل، ويبيح لنفسه السكوت؛ ولو كان المنكر الحاصل أمام عينيه ـ وربما بيديه ـ يعني إهانة، وخيانة السيادة الوطنية، أو يعني ذبح هذا الوطن ـ الذي لا نملك وطناً غيره ـ من الوريد إلى الوريد .. ليس لشيء سوى لتحقيق مصلحة .. لهذا المتواطئ، أو ذاك الجاني .. يعلم هو قبل غيره أنها قد تكون الآن، وقد لا تبقى غداً !! وبالتالي أيها الصديق؛ فمن نلوم نحن ؟! هل نلوم التجار الذين يحرص الفرد منهم على الترويج لبضاعته، وبعضهم تجارته خراب وطننا، وبعضهم خراب معاشنا، وبعضهم خراب صحتنا .. أم نلوم من يستهلك السلع، ويتجرع الأفكار دون تروٍّ، أو تبصر ؟!إننا ـ يا زميلي العزيز ـ بحاجة لأن نميز الأشياء، ونحكِّم عقولنا كما أراد لنا الله .. لا أن نعطلها، ونرمي الأمر على الآمر، ونركز على علفة، أو عشبة قد تكون فيها نهايتنا، أو خراب عواقبنا كما فعل البعض .. فجالوا وصالوا في الخراب .. وعاشوا عيشة الذباب، ومات كثير منهم كما تموت الكلاب .. إننا بحاجة ماسة ـ إخوتي ـ لأن يحب بعضنا بعضاً، وينصر بعضنا بعضاً .. على قاعدة الوطن، وحب الوطن .. لا على تنظيم القاعدة وأخواتها .. فعندئذٍ نكون قد انتصرنا لوطننا بحق ، وحمينا حياتنا ومستقبلنا بجد، وانتصرنا لأنفسنا بشرف .. لا يشوبه كدَر، ولا يخالطه نقص .