د. عبد الناصر ناصر الرباعي - مسؤول التحصين بمنظمة الصحة العالمية لـ 14 اكتوبر
لقاء / زكي الذبحانيقد هيأها الله سبحانه وتعالى سُبلاً ووسائل لنحافظ من خلالها على الصحة مما يتربص بها من أمراضٍ ليس بوسعنا صدها متى زاد خطرها واستفحل الضرر الذي تسببه.الأمر يتجلى في التحصين الواقي من العلل، كونه درعاً وقاية حصيناً ومنيعاً يقي الحاصلين عليه من الإصابة بأمراضٍ وخيمة قاتلة، ومن بينها مرض شلل الأطفال الذي ما انفكت الجهود حول العالم حثيثة لاجتثاثه من على وجه الأرض، على غرار النجاح الذي تحقق للبشرية في استئصال مرض الجدري قبل ثلاثة عقود.تأطرت تفاصيل كثيرة في اللقاء الذي جمعنا بالدكتور/عبد الناصر ناصر الرباعي - مسؤول التحصين بمنظمة الصحة العالمية، تبرز مشكلة فيروس شلل الأطفال وما فيه من خطورةٍ لا تبارح اليمن حتى مع خلوها منه، طالما بلدان في الجوار الأفريقي ترزح تحت وطأة خطره الذي يتماهى مع قدرة الفيروس الفائقة على الانتشار متى تهيأت له الظروف الملائمة، فلا تعيقه حدود ولا تصده المسافات الطويلة لتحد من تسلله مجدداً إلى أرضنا الغالية- لا قدر الله- بعد طول غياب.. نكتفي بهذا لننتقل إلى التفاصيل، ولنبقى معها..فيروس الشلل في الواجهة منذ سنوات والمخاوف على أشدها خشية عودة فيروس شلل الأطفال إلى اليمن من جديد..ما حقيقة هذه المواجهة العنيدة ضد هذا الفيروس؟ وما موقعه على الخارطة الوبائية عالمياً وإقليميا؟ لم تنته المشكلة بعد، طالما لم يسـتأصل فيروس شلل الأطفال نهائياً من العالم بأسره، فهناك ثلاث دول يستوطنها فيروس شلل الأطفال ولم تتمكن من استئصاله حتى الآن وهي (باكستان, أفغانستان ونيجيريا )، حيث بلغ عدد حالات الإصابة بالفيروس في هذه الدول خلال العام 2013م (160) حالة إصابة، بينما اكتشف فيها (115) حالة إصابة جديدة مؤكدة منذ مطلع هذا العام وحتى 31 يوليو 2014م؛ تمثلت في (102) حالة بباكستان و(8)حالات في أفغانستان و(5)حالات في نيجيريا.وبالمقابل، تفشى وباء فيروس شلل الأطفال عام 2013م في (7) دول أخرى؛ شمل (الكاميرون, الصومال, سوريا, إثيوبيا, كينيا, غينيا الاستوائية والعراق )، في حين سبق أن أعلنت هذه البلدان خالية من فيروس شلل الأطفال منذ سنوات، لكنه عاود الظهور من جديد ثم أخذ بالانتشار.وبالمجمل، سجلت (547) حالة إصابة مؤكدة بالفيروس حول العالم في الفترة من (5 فبراير2013م وحتى31 يوليو2014م)، منها(275) حالة في الدول المستوطنة بفيروس شلل الأطفال، و(272) حالة في دول غير مستوطنة بالفيروس وحدث فيها الوباء، كما هو مبين في الجدول.بفضل من الله ثم بهمة الجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة الصحة العامة والسكان وجهود جميع العاملين الصحيين بالمرافق الصحية؛ بمعية الاستمرار في تنفيذ الحملات الوطنية والاحترازية للتحصين ضد شلل الأطفال ووجود نظام ترصد نشط وفعال، بقيت اليمن خالية من فيروس شلل الأطفال ولا تزال كذلك، حيث لم يتم اكتشاف أي حالة إصابة بالفيروس منذ تاريخ اكتشاف أخر حالة إصابة في فبراير 2006م، ما منح اليمن أحقية الاعتراف بهذا الإنجاز، وتتوج بحصولها على شهادة الخلو من فيروس شلل الأطفال من قبل منظمة الصحة العالمية عام 2009م.توقعات متفائلة ما هي توقعاتكم في حال أن ظهر فيروس شلل الأطفال باليمن متسللاً من البلدان الموبوءة؟ في ظل الجهود التي تبذل من قبل وزارة الصحة العامة والسكان والجهات الداعمة والمانحة، وبالنظر إلى مستوى التحصين الروتيني نتوقع هذا العام أن يكون الأطفال ممنعين (محصنين) بصورة جيدة, ولوجود نظام ترصد نشط وفعال لفيروس شلل الأطفال ونتائج حملات التحصين فإنه يمكننا من سرعة اكتشاف أي حالة إصابة قد تظهر والتعامل معها في الحال لمنع انتشار الفيروس.وإن ظهر الفيروس في اليمن لا سمح الله فمن المفترض والمتوقع أن تكثف الجهود من أجل السيطرة على الوباء عن طريق حملات التحصين الوطنية من منزل إلى منزل والحملات التكميلية الأخرى في المناطق ذات الخطورة العالية، فلدى وزارة الصحة تجارب كبيرة في هذا المجال وخصوصاً بعد الوباء الذي حصل في اليمن عام 2005م والذي احكم السيطرة عليه بعدها في فترة زمنية قياسية.وتظل ثقتنا في حملة التحصين الوطنية ضد شلل الأطفال الحالية كبيرة بمعية التحصين الروتيني.إستراتيجية دعم التحصين على وقع الأوضاع التي تشهدها بعض بلدان المنطقة من جراء ظهور وانتشار فيروس الشلل.. ما الإستراتيجية التي تتبعها منظمة الصحة العالمية في اليمن لدعم حملات التحصين؟ منظمة الصحة العالمية حريصة على دعم حملات التحصين ضد شلل الأطفال، وتتبع في هذا الإطار إستراتيجية ناجحة تساند من خلالها وزارة الصحة فنياً ورقابياً للوصول إلى جميع الأطفال المستهدفين دون سن الخامسة في جميع المناطق وتحصينهم بجرعة اللقاح اللازمة في الوقت المحدد؛ سواءً عن طريق المرافق الصحية الثابتة أو فرق التطعيم المتحركة (من منزل إلى منزل ).هذا إلى جانب تركيزها على المناطق والفئات ذات الخطورة العالية والتي يمكن أن تشكل منطلقاً لعودة أو ظهور الفيروس مثل (اللاجئين، النازحين، المهاجرين والمهمشين)، وكذلك من يقطنون في مناطق النزاعات المسلحة. تداخلات في محلها لماذا الإصرار على إتباع إستراتيجية التحصين من منزلٍ إلى منزل في حين أنها قد تؤدي إلى تكاسل المواطنين عن تحصين أطفالهم بالمرافق الصحية؟ تعد هذه الإستراتيجية ناجحة للصول إلى التغطية الشاملة للمستهدفين من الأطفال باللقاح الفموي وهي تسري على حملات التحصين فقط على طريق بلوغ استئصال فيرس شلل الأطفال والذي يتطلب خلو جميع بلدان العالم تماماً من هذا الفيروس، الأمر الذي تسعى منظمة الصحة العالمية لبلوغه بمعية شركائها في القطاع الصحي.فإستراتيجية التحصين من منزلٍ إلى منزل هي الأفضل والأضمن للتأكد من حصول جميع الأطفال المستهدفين دون سن الخامسة على اللقاح المضاد في الحملات، وتعزيز الحالة المناعية لديهم ضد فيروس شلل الأطفال، وكذلك للمحافظة على بقاء اليمن خالية من فيروس الشلل، لاسيما أن وباء شلل الأطفال لا يزال على حاله في الدول المجاورة بالقرن الأفريقي وفي سوريا، ولا يزال يثير خشية كبيرة مخافة عودته إلى اليمن مجدداً وذلك مع استمرار دخول أعداد كبيرة من اللاجئين من هذه البلدان إلى اليمن بصورة يومية، ولأن البعض منهم يتسللون إليها بطريقة غير رسمية بعيداً عن الإجراءات الصحية المتبعة على المنافذ الحدودية، وبذلك يحتمل أن ينقلوا فيروس شلل الأطفال من بلدانهم إلى اليمن، لا قدر الله. لقاح جديد منتظر! لماذا الرهان على اللقاح الفموي المضاد لفيروس الشلل؟ وهل إدماج اللقاح الجديد المعتمد على الحقنة- والذي أعلنت عنه وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية قبل شهور- سيدخل حيز التنفيذ قريباً؟ توصيات منظمة الصحة العالمية وجهودها بنيت على هذا الأساس؛ باتجاه إدخال لقاح شلل الأطفال عن طريق الحقنة ليساند اللقاح الفموي ضمن التطعيمات الروتينية التي تعطى للأطفال بالمرافق الصحية في جميع دول الإقليم قبل نهاية العام القادم. في حين أن وزارة الصحة باليمن وبالتعاون مع منظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونيسيف بصدد الانتهاء من إعداد خطة تتضمن الترتيبات اللازمة من أجل البدء بإدماج لقاح شلل الأطفال عن طريق الحقنة.ومن المنتظر أن يتم إدخال جرعة واحدة مبدئياً من هذا اللقاح مع نهاية العام الحالي على الأرجح ليكون بجانب اللقاح الفموي ضمن لقاحات التحصين الروتيني المعتاد التي تعطى للأطفال بالمرافق الصحية.أوجه دعم المنظمة إلى أين يتجه دعم منظمة الصحة العالمية لحملات التحصين ضد شلل الأطفال؟ أوجه دعم المنظمة لحملات التحصين في اليمن متعددة على المستويين الفني والمادي وتتمثل في:-- المساهمة في حشد الموارد المالية اللازمة لتنفيذ هذه الحملات من موازنة المنظمة والجهات المانحة.- المساعدة في إعداد الخطط الفنية اللازمة لتنفيذ حملات التحصين.- المساهمة في الإشراف على التدريب اللازم والتنفيذ للحملات ومراجعة النتائج.- توفير بعض المستلزمات مثل أقلام تعليم الأصابع.وتقوم المنظمة- أيضاً- بتدريب مراقبين محايدين من طلاب كليات الطب والمعاهد الصحية بالمحافظات، وتوفير الدعم المالي اللازم لهم لتنفيذ المسح الميداني للمنازل بما لا يقل عن (75%) من المديريات المستهدفة وذلك بعد الانتهاء من الحملة في جميع المحافظات بغرض التأكد من حصول جميع الأطفال المستهدفين على اللقاح بحسب الخطط المعدة من قبل العاملين الصحيين بالمرافق الصحية ومشرفي التحصين بمكاتب الصحة بالمديريات والمحافظات، إلى جانب التأكد من دقة البيانات والنتائج الخاصة بالحملة المبلغ بها البرنامج الوطني للتحصين الموسع بوزارة الصحة من قبل مكاتب الصحة بالمديريات والمحافظات.نصيحة للجميع أما من نصيحة أو كلمة أخيرة تود أن توجهها إلى الآباء والأمهات وأولياء الأمور إزاء هذه الحملة؟ أوجه مناشدة لكل الآباء و الأمهات بأن يمدوا يد العون ويتجاوبوا مع فرق التحصين من أجل ضمان صحة أبنائهم وكذا الأجيال القادمة. كما نناشدهم بالاهتمام كل الاهتمام بتطعيم أبنائهم بجرعات التطعيم الروتيني بالمرافق الصحية مع التأكد من أخذ أطفالهم دون العام والنصف من العمر جميع اللقاحات الموصى بها سواءً الروتينية أو تلك الجرعات التي تعطى في حملات التحصين، بما في ذلك جرعة اللقاح الفموي التي تعطى في حملات التطعيم ضد شلل الأطفال مستهدفةً جميع الأطفال دون سن الخامسة حتى من سبق تحصينهم، كهذه الحملة الوطنية للتحصين ضد شلل الأطفال الجاري تنفيذ جولتها الثانية من منزلٍ إلى منزل في الفترة من (11 13-أغسطس 2014م)، على نحوٍ يؤكد حصول جميع المستهدفين على مناعة كافية تقيهم الإصابة بفيروس شلل الأطفال، ومنع ظهوره في اليمن بشكلٍ نهائي.وهي بالتأكيد محط ثقة كبيرة بمعية التحصين الروتيني من أجل منع عودة فيروس شلل الأطفال إلى اليمن.