لقد بدأ الغرب المتطور بنقد العقل الخالص وتمحيصه قبل ثورته العلمية والصناعية أو التكنولوجية، فما أحوجنا اليوم إلى إعادة النظر في طرق تفكيرنا وتمحيص قلوبنا وعقولنا وفحصها وتنظيفها مما علق بها من شوائب ورواسب حجبت عنا الرؤية الصحيحة والسليمة للأشياء من حولنا وداخل أعماقنا وتسببت في زيغ العقول وميلها وانحرافها فرأت الأمور على أرض الواقع على غير حقيقتها نتيجة هذه النظرة القاصرة التي كانت سبباً في كثير من الأحكام والممارسات الخاطئة في حق الوطن المواطن. وما أحوجنا في الوقت الراهن إلى إيجاد حلول ومخارج ومعالجات جذرية لمشاكلنا وقضايانا الشائكة والمتراكمة، وهذا لا يتأتى إلا بامتلاك منهج واضح ورؤية محكمة وتنظير علمي منتج وتبصر فلسفي مؤسس ومعرفة حقيقية بهموم الناس ومتطلباتهم وبالواقع الراهن بكل سلبياته وتناقضاته بالإضافة إلى مراقبة النفس الأمارة بالسوء ومحاسبتها وسلوك المنهج القويم والصراط المستقيم بنية خالصة لله وصادقة مع النفس ومع الناس. بحيث تفضي بنا هذه المجاهدة إلى حصول صحوة لضمائرنا وقلوبنا وعقولنا وانعتاقها من عقالها وغفلتها وسباتها العميق. وأن نعمل على تطهيرها ببذل المزيد من الصبر والمجاهدة من أجل أن تتبدل الاحوال والأوصاف وتتوسع المدارك والمشاعر وتتحقق أسباب المواظبة على العمل ودواعي الالفة والمحبة للخلق والناس أجمعين. حتى يتبين لنا الحق بمعرفتنا لأنفسنا وآفاق واقعنا المعاصر وبالتحديد معرفة الحقوق والواجبات تجاه الخلق والخالق والمجتمع بأسره أرضاً وإنسانا، مع عدم نسيان أن القلوب تصيبها الأسقام والأمراض فتمرض معها العقول والأبدان. فإذا صلحت صلحت معها الأجساد كلها. ومشكلة القلب أنه محل للتعقل والتفكر والتدبر والتفقه على مقتضى المعنى القرآني لقوله تعالى: (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها وآذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور). 46 الحج.وهنا جاء الفعل (يعقل) في الآية كفاعلية للقلب مثل فاعلية السمع للأذن وفاعلية الإبصار للعين. وكما أن القلب هو محل للعقل والمنطق فهو أيضاً محل للعواطف والمشاعر والأحاسيس والوجدانات والأهواء والنوازع والشهوات والشبهات وفعل المنكرات والشناعات تتجاذبه في كل الاتجاهات من هنا كانت محنته وابتلاؤه لكنه نسى ذلك فتبختر وتجبر وتعربد وتمرد. قال الشاعر:نسي الطين ساعة أنه طين حقير فتاه في الأرض وعربدوكسى الخز جسمه فتباهى وملا التبر جيبه فتمرد فكانت الحاجة ملحة إلى أهمية الدعوة إلى تمحيص القلوب والعقول وتغيير ما بالأنفس وربط أقوالها بأفعالها حتى لا يحصل تناقض أو مفارقة بين ما تقوله وما تفعله فتغضب الرب فيمقتها وتهضم حقوق الخلق فيكرهها. لذا نسأل المولى عز وجل أن يمحص أنفسنا وقلوبنا وعقولنا من الرياء والنفاق وسوء الأخلاق ومن الجشع والفساد وأكل المال الحرام ومن الغفلة والقسوة والغلظة والشدة والظلم والقهر والقمع والاستبداد.آمين اللهم آمين
حتى يغيروا ما بأنفسهم
أخبار متعلقة