آخر كـلام
من التربية السليمة تنبع الأخلاق الفاضلة، والسلوك الحسن، ومن التعليم النابع من ( العلم ) تنبع النهضة الحضارية، والتقنية، وقد قلنا ( النابع من العلم ) لأن التعليم الحاصل لا صلة له بالعلم؛ بل هو سفه، وغش يتخذ من العلم والتقنية وسيلة للحصول على أعلى الدرجات والشهادات الدنيوية، ويضع العلم والمعلم في سلة المحذوفات، أو على الأقل المهملات ويا للأسف !! ومن هنا انبنت حضارة اليابان الحديثة .. من هدف بناء الإنسان الفاعل، النافع؛ الذي يدعيه الجميع، ومن قاعدة العلم والمعلم التي أضعناها نحن، فتحولت المسألة عندنا إلى مراسيم، واحتفالات، وشهادات زور لا حقيقة لها، ولا قبول يعتبر، ولاسيما في تلك الأوطان التي تحترم العقول، وتسعى للإبداع الذي سعت إليه اليابان، ومن تلاها من بلدان النهضة الحديثة بعد الحرب العالمية الثانية .هذا الكلام كان له حضور عميق في لقاء قيادات نقابة المعلمين اليمنيين في محافظات عدن وأبين ولحج؛ والذي عقد مساء الأحد المنصرم في قاعة التجمع اليمني للإصلاح في الروضة ( القلوعة) بحضور الإخوة : نائف البكري وكيل محافظة عدن لشؤون المديريات ، وفؤاد دحابة نقيب المعلمين اليمنيين، وصالح قاسم المنذري نقيب المعلمين اليمنيين في محافظة عدن، وثلة مشرقة من قيادات النقابة، وأعضائها في المحافظات المذكورة .. بل يمكننا القول بصدق أن اللقاء قد مثل ملامسة علمية، وواقعية لحال التعليم والتربية، وحال المعلم في هذا البلد المنكوب بالفهم القاصر لمعنى التربية والتعليم، ولدور المعلم؛ الذي صار أقرب إلى الهامشية والشكلية ( الديكورية) التي أراد البعض أن يطبع بها كل المعاني النبيلة، والأمور والقضايا الجوهرية في حياتنا؛ حتى تغدو مجرد هياكل ومسميات لا حياة فيها، ولا معنى لها سوى ما تحمل من شكليات ومظاهر مضللة، لا واقع لها في الحياة على الإطلاق . لقد بدا ذلك الاستيعاب العميق، والفهم الدقيق لقيادة النقابة من أول وهلة للقاء، ومن كلمة الأخ نقيب معلمي عدن الأستاذ صالح قاسم الذي استهل كلمته بذكر النموذج الياباني .. لقد خرجت اليابان؛ التي عرفت قدر العقل والعلم من الحرب العالمية الثانية مهزومة كبقية حلفائها، لكنها لم تنهزم نفسياً، بل انطلقت من أسس العلم، وأكتاف وعقول المعلمين، ونور العقل، فرفعت شأن التعليم، والمعلم، وشجعت على الإبداع ، وحولت الهزيمة إلى دافع للتجاوز، وحافز للنهوض من أعظم كبوة شهدتها المعمورة .هذا الكلام لو أنزلناه على الواقع؛ لنظمت روائع النفاق؛ فيما تم في عهود الإنجازات العملاقة؛ مع أن التعليم عندنا قد زل في حيص بيص، قاعدته تشكو القمة، وقمته تشكو القاعدة، وعلامة خفضه ونكسه وفضائحه الحامضة ما جرى في امتحانات هذه السنة؛ التي كشفت حجم المؤامرة على التربية والتعليم، والتي تمت مع سبق الإصرار والترصد، ومن قوى الثورة المضادة ،وعبر الإنترنت، ومختلف الوسائل التقنية لتكريس الفشل الذريع، وتعميق خيبة الأمل، والاستمرار على واقع التزوير الشامل؛ كأمر لا مفر منه . لقد أصبحت مكانة المعلم في الحضيض، وهيبته عند طلابه تحت الصفر، ووضعه المعيشي لا عيش منه، وأصبح الطالب مصدرا من مصادر رزق كثير من أدعياء هذه المهنة، وربما زبون المعلم في سوق القات، وفي دكانة الزردة والشمة، والويل له لو عاقب؛ لأن الطالب بيده المقاطعة التجارية؛ التي تهز الدول والكارتيلات الصناعية والتجارية العالمية !!لقد حولت هذه الأوضاع المفتعلة، المقصودة في مسلسل صناعة الجهل .. حولت المدرس إلى شخصية كرتونية، كاريكاتورية، مؤسفة، وصار هذا الآدمي الذي حمله الله رسالة الأنبياء والرسل في وضع مزرٍ؛ أمام أبواب المختصين .. ثم عليكم بعد ذلك أكمال الصورة، والله المستعان !!كل هذه الهموم وأكثر؛ شملها اللقاء؛ الذي خرج بعدد من التوصيات المهمة التي تحفظ آدمية المدرس، ومستقبل التعليم والتربية، وأساس النهضة العلمية في هذا البلد ومن ذلك : سرعة تنفيذ المحضر الموقع بين النقابات والوزارات المعنية في 23 نوفمبر 2013م، وسرعة صرف راتب رمضان اﻹضافي، ومطالبة وزير التربية والتعليم بالكشف السريع والشفاف عن نتائج التحقيق في قضية تسريب أسئلة الامتحانات الوزارية اﻷخيرة، ومطالبة إدارة التربية في المحافظة بوقف الخصومات التي تستقطع من رواتب المعلمين وتسلم كاشتراكات لجهة نقابية هم غير أعضاء فيها، وعقد مؤتمر محلي في المحافظة، ومن ثم عام على مستوى الجمهورية لتصحيح وضع العملية التربوية والتعليمية؛ ولا سيما أن منظومة التعليم في البلد قد وصلت إلى شفا الانهيار والفشل المخيف، ومطالبة إدارة التربية والتعليم في المحافظة بإعادة معهد تدريب المعلمين في فترة الخدمة، وتصحيح وضعه سواء في المبنى، أو الكادر، أو المنهج، وذلك للقيام بواجبه في تأهيل وتدريب المعلمين.ويبقى أن نقول بوضوح : إن المطلوب هو تعليم يبدأ من الارتقاء الشامل أولاً وقبل كل شيء بالمعلم كإنسان، وكصانع جيل، و الارتقاء بمعيشته، ومهاراته، وقدراته، واحترام العقل، والاختصاصات، ووضع الإنسان المناسب قي المكان المناسب، والخروج من دائرة الشعارات، ومن الكذب على الذات، والارتقاء إلى مستوى المسؤولية؛ فقد كثرت الشهادات التي تأسست على الغش، وقلت الكفاءات، والقدرات، واقتربنا من لاعلم الشهادات المخجل؛ من تعليم لا علم له، ولا اختصاص، في زمن كثر فيه الادعاء، وكثر فيه الكذب والتزوير .