في خلاصة بحث أنس بليديا (الإسلام التوزيع السكاني على مر العصور):
الإسلام جاء إلى البلقان مع العثمانيين، وترسخ بوجود الدراويش، مع الحروب العديدة بين الدولة العثمانية والدول الأوروبية ظل للمسلمين وجودا مكثفا جاء في خلاصة بحث أنس بليديا ‹الإسلام التوزيع السكاني على مر العصور›، ضمن الكتاب 89 (مايو 2014) ‹الإسلام والمسلمون في البلقان› الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي.أن تواصل انتشار الإسلام في البوسنة والهرسك حتى أواخر القرن السابع عشر، وبدا ذلك جلياً في منطقة نيرتفا، ولهذا السبب انتقل السكان المسلمون إلى تلك الديار. ولذلك فإن حرب قندية (1645 - 1669) - وبالأخص حرب فيينا (1683 - 1699)- أثّرت بشكل ملموس في تراجع أعداد رعايا السلطان من جميع الطوائف، وأدى ذلك إلى خسائر بشرية كبيرة، وقتل عدد كبير من البشناق على جبهة بيساربيا ضد البولنديين (1673 - 1678) وكذلك في حرب فيينا (1683 - 1699)، واقتاد في الوقت نفسه زعيم قطاع الطرق ستويان يانكوفيتش (400) عائلة كاثوليكية من روما إلى دلماتيا والجنرال يرتشنليا عام 1691 ثلاثة آلاف من الكاثوليك من ناحية توزلا.غادر العدد الأكبر من الكاثوليك الإيالة البوسنية عام 1697، وعبر في تلك الفترة القائد العسكري الهبسبورغي الأمير إيوجين سافويسكي مع (4000) من الجنود إلى سراييفو، وأحرقها في ليلة 23/ 24 من شهر أكتوبر (تشرين الأول) عام 1697، ثم أمر مباشرة بعد ذلك بالانسحاب، وذهب معه من البوسنة حوالى (40) ألفاً من الكاثوليك.على خلاف القرن السادس عشر أقيمت على هذه الأرض أكبر وأهم المنشآت الدينية والمدنية بعد أن بزغ في القرن السابع عشر عدد كبير من السكان المحليين المتعلمين. وألفوا العديد من المؤلفات في أكثر من موضوع علمي، وكان من بينهم: حسن كافي بروشاك، إبراهيم ألاي بيجوفتش، رستم باشا، حسين كوجا، علي ديدا بوشنياك، درويش باشا با يزيدوفتش، محمد موسيتش، الامك، حسن لفنياك، حسن دوفنياك، ولي باشا فارفار، محمد هيفاي أسقفي، الشيخ حسن قيمي، ثابت أوجيتشانين، والمئات من المبدعين. وقد كُتبت مؤلفاتهم من وحي الإسلام والثقافة والحضارة الإسلامية، وحفظت هذه الأعمال في العديد من المكتبات التي كانت قائمة طوال فترة الحكم العثماني.إلى جانب الحرب بين الإمبراطورية العثمانية وجمهورية البندقية، والإمبراطورية النمساوية (1714 - 1718) ومن ثم الحربين بين الإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية النمساوية (1737 - 1739) و(1788 - 1719)، حافظت الإيالة البوسنية بأكملها تقريباً في القرن الثامن عشر على حدودها.كان البشناق في تلك الحروب مهاجمين وأبدوا مقاومة كبيرة وناجعة. وفي المعارك التي خاضوها دافعوا عن وطنهم البوسنة وعن الإسلام. وكانوا واعين بأنهم إذا هزموا فسوف يتعرضون إلى المصير الذي تعرض له أبناء وطنهم من المسلمين في حرب فيينا، عندما طردوا من المناطق التابعة لفيينا والبندقية. وهذا ما دفعهم للمقاومة بشجاعة. كما أثّرت مشاركة البشناق في الحروب العثمانية مع روسيا وبلاد فارس في تراجع أعداد السكان المسلمين أعوام: (1711 - 1727)، (1728 - 1737)، (1768 - 1774).منذ العقود الأولى للقرن الثامن عشر لوحظ في البوسنة تراجع أعداد السكان من كل الطوائف بالمقارنة مع القرن المنصرم. وكانت الحالة أسوأ عندما لم يتم رحيل الجزء المهاجر من السكان المسلمين في هذه المنطقة العثمانية أثناء حرب فيينا وبعد صلح كارلوفتس من الأراضي التابعة لمملكة النمسا وجمهورية البندقية. وكان العدد الأكبر من النازحين المسلمين من ليكا وكوردون في تلك الفترة، حيث رحلوا إلى المنطقة التي تسمى حاليا منطقة تسازين.وفقا للمعلومات التي تم الحصول عليها في الإيالة البوسنية عاش عام 1724 (213) ألفا و(300) من المسلمين و(25) ألفا من الكاثوليك وحوالي (77) ألفا من الأرثوذكس. وحتى عام 1732 كان يعيش في البوسنة (198) ألفا من المسلمين و(119) ألفا من الأرثوذكس و(30) ألفا من الكاثوليك أي ما مجموعه (347) ألفا من رعايا السلطان. وبالمقارنة مع القرون السابقة كان ذلك تراجعا بنسبة 60 %، ومن المحتمل أن ما أثّر على مثل هذا الوضع كانت حروب القرن السابع عشر.حصل تراجع لأعداد السكان المسلمين وارتفاع لأعداد الأرثوذكس والكاثوليك فيما بين عامي (1724 - 1732) بعد انتشار وباء الطاعون الكبير في الإيالة البوسنية التي قضت على العديد من الضحايا، وخصوصا في المدن التي يعيش فيها القسم الأكبر من الرعايا المسلمين.وتواصل دمار السكان المسلمين لأسباب أخرى، فقد قضى خمسة آلاف من البشناق نحبهم منذ الحرب العثمانية - الفارسية (1727 - 1728) في همدان وأصفهان والذين كانوا من ضمن الجيش العثماني. وبعد عشر سنوات لاحقة في الحرب ضد الروس في منطقة أوزيي (جاكوفو) قتل حوالى (8000) من البشناق. وكانت هناك خسائر في انتفاضة البشناق ضد السلطات المحلية والمناطقية أواسط القرن الثامن عشر.وفي الحرب العثمانية الروسية الجديدة (1868 - 1774) وفي بوخارست عام 1771 فقد ما بين عشرة إلى خمسة عشر ألفاً من البشناق حياتهم. وتسبّب كلّ ذلك في التراجع الملموس لأعداد المسلمين بالنسبة لغير المسلمين من السكان. وكان الدفاع الحقيقي عن البوسنة وعن الإسلام في الحرب العثمانية - النمساوية (1737 - 1739)، عندما دعا الإمبراطور النمساوي كارلو السادس (1711 - 1740) في ذلك الحين المسلمين للاستسلام والتخلي عن الإسلام.وبدلاً من الاستسلام أحدث البشناق تحولاً في مجريات الحرب بأكملها في الرابع من أغسطس (آب ) عام 1737 عند انتصارهم على الجيش النمساوي قرب بانيالوكا. وبدلاً من ضياع الدين والوطن في تلك الأثناء بينوا للعالم بأكمله تطورهم الديني والقومي. وكان لذلك نتائج إيجابية بعيدة الأثر على الأحداث العديدة القادمة. وعليه، وعلى الرغم من كل الأحداث، كان أتباع الإسلام في البوسنة أكثرية نسبية. وكان أكبر تجمع للمسلمين في مناطق وسط البوسنة الحالية. وكان عدد أقل من السكان المسلمين يقطنون في المناطق الحدودية للإيالة البوسنية.ومنذ أواسط القرن الثامن عشر، ارتفعت الخصوبة بشكل لافت. ووفقا لسجلات تلك الفترة وفي القرن التاسع عشر وبالمقارنة مع الأجزاء الأخرى في القسم الأوروبي من الإمبراطورية العثمانية، كان المعدل الأعلى للنمو في البوسنة.ووفقاً لتلك المعلومات في الإيالة البوسنية، كان الارتفاع بنسبة 208 %. والأحرى أنه كان هناك نمو كبير لأتباع السلطان من غير المسلمين منذ النصف الثاني للقرن الثامن عشر.ووفقا لمعلومات عام 1789 كان هناك في الإيالة البوسنية حوالي (600) ألف من السكان ومن بين هؤلاء (265) ألفاً من المسلمين و(253) ألفا من الأرثوذكس و(79) ألفاً من الكاثوليك. وفي الحرب العثمانية - النمساوية الجديدة (1788 - 1791) التي عرفت في البوسنة باسم «دوبيتشكي»، وإلى جانب أعداد الضحايا بقي المسلمون أكثرية نسبية.وفي السنوات اللاحقة هاجر السكان المسلمون من البوسنة إلى المناطق التي بقيت تحت السيادة العثمانية المباشرة. وكان هذا سببا في أن تصبح الأكثرية الإسلامية المطلقة والنسبية بعد عدة قرون أقلية، مقارنة مع غير المسلمين (الأرثوذكس والكاثوليك).