للنساء فقط !!..
لقاء / طارق الخميسي - سلوى الشاوشنساء بنين حياتهن على بصيص أمل من عصارة مزيجها عذاب وجروح وفراق ومستقبل لا يعلمن ما تخبئه الأيام وكيف تكون الحياة ، إصرارهن وتمسكهن بأمل شاع سناه بين طيات الزمن ولم يغفلن في حلم الحياة أنهن عشن من اجل حياة أفضل وتغيير ماحولهن رغم قهر عاتيات الأقدار.قصص نرويها من واقع تجارب نسائنا نبدأها مع تجربة الحجة «ن. م » من محافظة عمران ...الأرض تعطي لمن يعطيهاالحجة ن. م امرأة حديدية من محافظة عمران تبلغ من العمر سبعين عاما - على حد قولها - صلبة قوية متفائلة راضية بما حققته من عمل بعز وكرامة لإعالة أسرتها رغم أن العمر سرقها الحياة الزوجية المستقرة و تفتخر بإنجابها خمسة عشر طفلا منهم أربعة بنين وأحدى عشرة أنثى مطلقه تعمل في زراعة الأرض ، تحمد الله وتشكره على ما أعطاها من حب لأرضها والعمل بها بشكل يومي وكرست حياتها لخدمة أرضها ، معظم الأوقات تقضيها بين أديمها فهي الصديقة الدائمة والعاشقة ولا تتخيل يوما أنها تعيش بعيدة عن أحضانها .حرب العراق ومأساة العودة تسترسل المزارعة بذكرياتها قائلة : تزوجت منذ خمسة وأربعين سنة من أحد أبناء القرية التي اسكنها في قاع البون كنت سعيدة فرحة بما قسمه الله سبحانه لي وبقيت كذلك حتى مضي فترة وجيزة جداً من زواجنا حينما حصل زوجي على عمل بالمملكة العربية السعودية ، وعلى اثر ذلك طلب مني أن أسافر معه ونستقر هناك فهو ينوي الاستقرار بالمملكة بالطبع كأي امرأة تتبع زوجها وافقت على مقترحه وذهبت معه واستقر بنا المقام هناك ، كان لي العون والأهل في الغربة فقد أنجبت أربعة أولاد عمدنا على إلحاقهم بالتعليم في الصفوف الابتدائية كانت حياتي مع زوجي وأولادي مستقرة بسيطة في تفاصيلها وأيام قضيناها جميلة حتى عام 1990م، حيث اندلعت الحرب على العراق (حرب الخليج الثانية) وعاشت المنطقة برمتها اضطرابات سياسية واقتصادية وتزعزعت الأوضاع المستقرة اضطررنا العودة إلى بلادنا الحبيبة اليمن وإلى قريتنا الجميلة التي عشت طفولتي فيها.. لا مدخول لنا غير الاعتماد على النفس لشق طريقنا في الحياة بعد غربة دامت ثماني سنوات وعدنا لزراعة أرضنا التي وهبها الله لنا ليس لكونها المصدر الوحيد لكسب الرزق وإنما كان لي ارتباط وثيق بهذه الأرض وأنا أجيد العمل بالأرض التي طالما عشقتها منذ طفولتي عملت مع والدي رحمه الله، وكذلك بعد زواجي ولكن الحقيقة المرة وجدنا صعوبة بالتأقلم نوعاً ما خاصة بعد حياة مرفهة يسودها الترف والعيش الرغيد لكن أصولنا الطبقية وعشقي للأرض جعلت مني أشمر عن ساعدي وانتفض بفاسي لزراعة ارضي وسرعاًن ما تعودنا.صبرت حتى مل مني صبريبعد سنوات مضت أحسست أن ظروفنا المادية والاقتصادية تغير سلوك زوجي في معاملتي وبدأت بيننا مشاكل كبرت وازدادت الفجوة فيما بيننا رويداً رويداً حتى بدا العيش لا يطاق ما زاد الطين بلة وقد كنت مع أحدى قريباتي في خلاف ومشاكل فاغتنمت الفرصة لتعمق جراحاتي فراحت تتودد له لتغيضني وتزيد عذاباتي وتعمق أحاسيس الغيض والفرقة بيني وبين زوجي ، فقررت أن تزوجه أبنتها لتكيدني وحقدها أعماها أو ربما لم تعلم أنها ظلمت أبنتها عندما زوجتها برجل يكبرها سنا والفارق العمري كبير بل هو بمقام والدها بالطبع المجتمع مجتمع ذكوري وهو رجل وافق أن يتزوج ببنت في عمر الزهور أثار ذلك حفيظتي.آخر العلاج الكي وبقيت أتجرع الظلم والعذاب مع زوجي بعد زواجه لم اهنأ معه بيوم سعيد على مدى ما يقارب سنتين كانت معاملته لي قاسية ومذلة وصبرت حتى مل مني صبري وأنا امرأة اعتبر نفسي صنديدة لا اعرف الهزائم وعند انبلاج صبح عامر بالتفاؤل رميت العذاب والمشاكل الزوجية وراء ظهري وقررت أن لا استسلم وطلبت الطلاق منه والعيش بعيدا عن الرتابة والحزن، نعم انه قرار صعب بالتأكيد سيما بعد زواج دام لسنوات مفعمة بالحب والتقدير وأنجبت له خمسة عشر طفلا رضيت بذلك ولم أقف مكتوفة الأيدي ولم يكسرني طلاقي فكنت كالأسد وتحديت العالم ولم احزن وكل ما مضى دروس استفدت منها ، الحمد لله ورثت عن أمي وأبي أرضاً زراعية وبيتاً انتقلت للعيش به وبمفردي أعاني فراق أولادي الذين رغبوا العيش معه وخاصة الذكور أما البنات فتزوجن كلهن ولم تبق معي سوى الصغرى.هو لها ولي أرضي !بدأت من الصفر وكرست انشغالي بأرضي وحرثتها وزرعتها وسقيتها أعطيتها بإخلاص فجادت علي بخيرها زرعت كافة أنواع المحاصيل الزراعية كـ(ذرة - بـــر- شعـــير بلســن- قلــى- عـتر) ولم يردعني انكساري وحيدة والله سبحانه ساعدني على بيع المحصول المنتج في السوق وخاصة سوق السبت بعمران وأدخر لي ما أحتاجه ووفرت والحمد لله مبلغاً من المال جعلني اشترك ببئر أرتوازية اروي بمياهها ارضي التي بدت اكبر واكبر والسقي هنا يعمل بنظام الساعات ففي الساعة الواحدة سبعون ألف ريال .ولدي ساعتين في الشهر للإرواء وعندما اسقي الأرض لا أدفع سوى قيمة البترول أو الديزل بالنسبة لي كانت أهم خطوة في تحسين زراعتي وضمان جودة المحصول ومن ثم عملت على توفير أثاث لمنزلي وحرصت على توفير كافة الوسائل الالكترونية الحديثة وكافة الأدوات الأخرى بطبع رغم تقدمي في العمر لا اعتمد على أحد سوى بالبيت أو الأرض حتى أولادي الذين يأتون لزيارتي بين الحين والآخر. الرحلة إلى النجاح هي الحل تواصل الحديث عن نفسها قائلة: توجهي في الآونة الأخيرة لزراعة القات وتحديدا من سنتين كل المزارع التي بجوار أرضي اتجهت لزراعته فهو محصول فوري ومربح في نفس الوقت أما المحاصيل الزراعية الأخرى فألاقي الكثير من المعوقات عند تسويقها ولا يوجد من يدعم تلك المحاصيل خاصة أن الإنفاق عليها كثير ولم أجنا منها إلا القليل لذا عزف الناس عن زراعة المحاصيل وأني مازلت احتفظ بزراعة بعض المحاصيل خاصة (الـذرة - والشعير - الفول) إلى جانب القات الذي أبيعه إلى تجار بيع القات (المقاوتة) بالقرية أو بيعه بعض الأحيان في سوق نجر حيث تتراوح قيمة الكيس (العلاقية) الواحدة من ألف إلى ألف وخمسمائة ريال ، يشهد لها المجتمع المحيط بها بحسن الخلق ويمدحونها ويضرب بها المثل في قوة شخصيتها وقوتها حتى طليقها يشهد لها بذلك ، وقد حاول طليقها استرجاعها في الآونة الأخيرة إحساسا بذنبه وخوفاً عليها من الوحدة فعمرها يربو السبعين عاماً إلا أنها أبت ذلك معتبرة ذلك صفحة من عمرها طوت كل تفاصيلها وماضياً مسحته من مخيلتها .