رغم التقدم الذي حققته البشرية في شتى مجالات الحياة والذي مكن من الارتقاء بالإنسان وحفظ كرامته فإن بعض الظواهر الاجتماعية السلبية مازالت باقية وتصبغ طابعها على المجتمعات بما في ذلك تلك التي تحوي باكتمال تحررها وتطورها وتمدنها .. والعنف الممارس ضد المرأة احد تلك السلبيات الأكثر إساءة لجوهر الإنسانية ولمنجزها والأكثر دلالة على انه مازال امام البشرية طريق طويل عليها أن تقطعه من اجل ان تكتمل إنسانية الإنسان بغض النظر عن جنسيته وعرقه وثقافته .ورغم ان ظاهرة العنف ضد المرأة عالمية ولا تقتصر على ثقافة دون أخرى فإن مكافحتها في مجتمعنا اليمني تتخذ بعدا اضافيا لتصفح تحديا حضاريا استراتيجيا ، ورهانا لا مناص من كسبه لان القضاء على هذه الظاهرة لا يمثل فقط تكريسا لحقوق الإنسان وترسيخ ثقافته ، بل ايضا استئصالا لعامل من عوامل إعاقة العملية التنموية المنشودة ومن المعلوم ان العنف ضد المرأة يمثل عقبة أمام تحقيق تكافؤ الفرص بينها وبين الرجل في كامل مراحل حياتها ، ويحول دون تمتعها بحقوقها الأساسية ،إذ أن العنف الممارس ضدها يعد في آن واحد سببا لتهميشها وتدني مركزها الاجتماعي والاقتصادي .والثابت ان آثار العنف ضد المرأة لا تقتصر على المرأة وحدها وإنما تتعداها لتطول الأطفال أولا ثم الأسرة وتضر بالتكوين الأسري المجتمعي .وقد شكل العنف ضد المرأة عبر تاريخ تجذره ممارسات التمييز والتمثلاث المشروعة له آلية لتسلط الرجل ومركزيته وفاعليته في البناء الاجتماعي والثقافي متقدة وبالتالي يعمل العنف المسلط على المرأة كآلية للمحافظة على الحدود بين الذكر والأنثى وهي حدود تسمح للرجل باستخدام سلطته اذا ما كان للمرأة رأي أو مانع يصطدم مع ما يراه الرجل وبالتالي يستخدم العنف ضدها بحجة تأديبها على تجاوزها أدوارها التقليدية أو تحدي ذكورته.إن تمكين المرأة من حقها في المواطنة وتأمين مشاركتها في إدارة الشأن العام وتكريس دورها في الأسرة والمجتمع الذي من شأنه أن يجعل من المرأة طرفا ندا ومسؤولا بل شريكا ما يحول دون أي تعسف مادي أو معنوي ضدها.. فالمواجهة الشمولية لهذه الظاهرة تقتضي تكامل هذه الأبعاد وتلازمها ، كما أن تعزيز مكانة المرأة في الأسرة والمجتمع يعد البوابة الرئيسية للقضاء على ما يمارس عليها من عنف لارتباط الأخير بالتمييز القائم ضدها، فصمت المرأة على ما قد يلحق بها من أذى شكل من أشكال المشاركة في استدامة الظاهرة وقبول ضمني باستمرارها.
