اعداد / ياسمين احمد علي لا مناص من القول بأن حقوق الإنسان اضحت القضية الأولى في كل المحافل والمؤتمرات على المستوى المحلي والجهوي والدولي، كما تعد العلامة الفارقة بين دولة القانون وذات الحكم الرشيد والنهج الديمقراطي السليم، والدولة الديكتاتورية البوليسية وذات النهج الثيوقراطي العقيم.وفي السابق كانت حماية حقوق الإنسان شاناً داخلياً، والسلطة المحلية هي المعنية بذلك وبالتالي، فإن أي تدخل في هذا الشأن يعد انتهاكاً لسيادة الدولة، غير ان هذا الأمر تبدل ولا سيما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث غدت حقوق الإنسان القضية الأولى في ميثاق الأمم المتحدة، واصبح بارزاً في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقد سارعت الدول إلى المصادقة على كثير من الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان ايماناً منها بأن هناك مصالح مشتركة بين الشعوب ـ هي كرامة الإنسان واحترام إنسانيته ـ يحب التعاون في تحقيقها. وحماية حقوق الانسان تحظى بأهمية كبيرة في وقت النزعات المسلحة حيث صدرت عدد من الاتفاقيات تعنى بحماية فئات محددة كالمدنيين وجرحى الحرب والنساء والأطفال .. وتحريم بعض الاسلحة الضارة، إضافة إلى ما سبق فإن الأمم المتحدة آلت على نفسها إلا ان تفرد شريحة من المجتمع بحماية خاصة فصدرت عدد من الاتفاقيات ومنها اتفاقيات حقوق المرأة واتفاقية حقوق الطفل.وكانت الشريعة الإسلامية لها السبق في ذلك، كيف لا والإنسان هو المخلوق المكرم والمفضل على سائر المخلوقات، وقد تميزت الشريعة الإسلامية بشموليتها حيث اتسعت على المستوى الأفقي، فكان للحيوان نصيب من الحماية، واتسعت رأسياً فشملت الإنسان منذ ولادته ـ بل قبل ذلك ـ إلى شيخوخته بل حرمته بعد موته، وشملت حقوقه من أعلى حق وهو الحق في الحياة إلى حقه في القاء التحية وإكرام الجار وعدم اذيته.وقد كانت التشريعات الوطنية ومنها التشريعات اليمنية هدفها الأساسي هو حماية حقوق الإنسان وعلى قمة هرمها الدستور ثم القوانين العادية.أولاً تعريف عام بحقوق الإنسانيعد تعريف حقوق الإنسان من الأمور الصعبة، وذلك نظراً لطبيعية هذه الحقوق المتغيرة والمتجددة والتي تواكب تطورات العصر في تغيرها، فما كان لا يعتبر من حقوق الإنسان قبل عدة سنوات اصبح الآن حقاً أساسياً بحاجة إلى الحماية والرعاية من خلال كفالته في المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وتضمينه للقوانين والتشريعات الوطنية.وقد ركز فقهاء القانون والمهتمون بحقوق الإنسان فيما مضى على فكرة القانون الطبيعي في تعريفاتهم لحقوق الإنسان، فجاءت هذه التعريفات قاصرة قصور الفكرة نفسها، عن الاحاطة بكافة الحقوق الاساسية للإنسان من خلال تعريف جامع لها، فمن المعروف أن مجالات حقوق الانسان وحرياته الطبيعية تتعدى حدود القانون الطبيعي والشخص نفسه، فبالرغم من ان هذه الحقوق الطبيعية على درجة كبيرة من الأهمية، إلا ان هناك حقوقاً اخرى سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية، لا تقل أهمية عن الحقوق الطبيعية.ويمكن أن نورد بعض تعريفات حقوق الإنسان، حيث عرفها الدكتور عبدالكريم علوان بأنها (تلك الحقوق الاصيلة في طبيعتنا، والتي بدونها لا نستطيع العيش كبشر)، وعرفها الدكتور محمد المجذوب بانها مجموعة الحقوق الطبيعية التي يمتلكها الانسان، اللصيقة بطبيعته، والتي تظل موجودة وان لم يتم الاعتراف بها بل أكثر من ذلك حتى لو انتهكت من قبل سلطة ما.أما الفرنسي ايف ماديو فقد قال بانها: دراسة الحقوق الشخصية المعترف بها وطنياً ودولياً والتي في ظل حضارة معينة، تضمن الجمع بين تأكيد الكرامة الانسانية وحمايتها من جهة، والمحافظة على النظام العام من جهة اخرى.أما الأستاذ الدكتور جابر الراوي فيعرفها بانها الحقوق التي تهدف إلى ضمان وحماية معنى الانسانية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وقد حاول هذا التعريف ان يغطي مختلف أنواع الحقوق وفئاتها.والخلاصة انها مجموعة المطالب أو الحاجيات التي تضمن للإنسان التمتع بحياة كريمة في مختلف جوانب النشاط الانساني.خصائص حقوق الإنسان:تتميز حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ببعض الخصائص التي تميزها عن غيرها من أنواع الحقوق والحريات وهي:طابع العالمية فهي لكل بني البشر اينما كانوا ومهما كانوا رجالاً ونساء وأطفالاً.ليست منحة من أحد، وهي ثابتة لكل انسان سواء تمتع بها أم حرم منها واعتدي عليها.غير قابلة للتجزئة فكما يحتاج إلى حماية الحقوق الاساسية هو في الوقت نفسه بحاجة إلى ان تحترم بقية الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.لا تقبل التصرف بالتنازل عنها فهي ثابتة لكل إنسان حتى مع عدم الاعتراف بها من قبل دولته.متطورة ومتجددة فهي تواكب تطورات العصر في تجذرها لتشمل مختلف مناحي الحياة.أركان حقوق الإنسان:ان فلسفة حقوق الانسان تقوم على ركنين اساسيين، يجب توافرهما في كافة الحقوق والحريات والاساسية وكفالتهما لكافة فئات بني البشر من رجال ونساء وشيوخ وأطفال اصحاء أو معاقين يتمتعون بحريتهم أم ممنوعين منها وهذان الركنان هما:الكرامة الانسانية: فتقرير الكرامة الانسانية للكافة والتعامل مع كافة بني البشر على هذا الاساس هو من القواعد المهمة لضمان عالمية وشمولية مسألة حقوق الانسان، وقد أكدت المواثيق الدولية المختلفة لحقوق الانسان، بدءاً من الاعلان العالمي ومروراً بالعهدين الدوليين على هذه الكرامة الانسانية (فديباجة الإعلان العالمي اعتبرت ان الكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الاسرة البشرية، أساس العدل والسلام، وعاد الإعلان وشدد على الكرامة الانسانية في مادته الاولى (يولد جميع الناس متساوين في الكرامة والحقوق وقد وهبوا عقلاً وضميرا، وعليهم ان يعامل بعضهم بعضا بروح الإخاء).وقد سبق الإسلام المجتمع الدولي ـ كما ذكرت سابقاً ـ في تأكيده على الكرامة الانسانية الذي كانت بداياته مع توقيع ميثاق الأمم المتحدة عام 1945م، فقد أكدها وشدد على وجوب احترامها ولا أدل على ذلك من مقولة الخليفة عمر بن الخطاب (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا).الركن الثاني: هو المساواة الكاملة بين كافة بني البشر وحقوق الانسان وحرياته الاساسية ترفض التمييز مهما كان مبرره أو مصدره فأبناء البشرية متساوون في الحقوق والواجبات، على الرغم من اختلافهم في الأصول والاعراق والثقافات والالوان والاجناس، فهذا الاختلاف الطبيعي بين البشر لا يجوز بأي حال من الاحوال، ان يكون مصدر تمييز بينهم فيما يتعلق بتمتعهم بحقوقهم وحرياتهم الاساسية.ثانياً: حقوق المرأة والطفلان حقوق المرأة والطفل تندرج ضمن الاطار العام لمجموعة حقوق الانسان وحرياته الاساسية، فهي تشمل كافة أنواع الحقوق والحريات الاساسية، وتقسيماتها وضمانها لكافة بني البشر، رجالاً أم نساء، اطفالاً أم كباراً، ونتيجة لتطور مفهوم وفكرة حقوق الانسان وحرياته الاساسية فقد اصبح هناك نوع من التخصصية في طرح هذه الحقوق، سواء عبر المطالبة بصياغتها واقرارها ضمن مواثيق دولية وتشريعات وطنية، أو التأكيد على ضرورة تطبيق هذه الحقوق الواردة في التشريعات وضمان احترامها وتفعيلها، فظهرت مصطلحات حقوق المرأة وحقوق الطفل وحقوق المعاقين وحقوق المحرومين من حريتهم، وغيرها من هذه التي تركز على حقوق فئة أو شريحة معينة، إلا انه يجب التأكيد على أن المناداة بهذه الحقوق لأية فئة أو شريحة مما سبق ذكرها لا يخرجها عن اطارها العام وهو حقوق الانسان وحرياته الاساسية بل المقصود من المناداة بالتخصصية توفير المزيد من الحماية والضمانات لهذه الفئات عبر اقرار المواثيق الدولية والتشريعات الوطنية التي تضمن بعض الحقوق لهذه الفئات. وهنا سنقف قليلاً دون اسهاب حسب ما يسمح به المقام لبيان حقوق المرأة والطفل وذلك على النحو التالي:حقوق المرأة:بعد ان استعرضنا تعريفات حقوق الإنسان المختلفة فيتوجب علينا الاجابة على التساؤلات التالية. أين تقع حقوق المرأة في هذه التعاريف؟وهل يمكن وضع تعريف خاص لحقوق المرأة؟ والتعبير، ومثال ذلك مجادلة خولة بنت الحكيم للرسول(صلى الله عليه وسلم) في أمور زوجها والتي على اثرها نزلت سورة المجادلة، وكذلك اعتراض امرأة على عزم الخليفة عمر بن الخطاب، بوضع حد أعلى للمهور، فاقعنته بحجتها وصرف النظر عن هذا الأمر.وكان ينظر للمرأة على انها جالبة للعار وكان من الجائز لوالدها دفنها اتقاء له، فحرمت الشريعة الاسلامية وأد البنات (وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت).كما ان الإسلام اعطى المرأة شخصية قانونية كاملة ومستقلة، فلها حرية التملك باسمها ولها ان تباشر كافة التصرفات القانونية دون تقييد هذه التصرفات باجازة أحد، كما ان لها مطلق الحرية في اختيار زوجها ولا يجوز اكراهها على الزواج من أي شخص لا تريده.ان مدار بحث حقوق المرأة في الإسلام واسع جداً، فنكتفي بهذه الاشارات لما قرره الإسلام من حقوق المرأة، تحترم انسانيتها وتحافظ على كرامتها.الحماية الدولية لحقوق المرأةلم تكن فكرة حقوق الانسان قد تبلورت بالمعنى المقصود حالياً، ولم تأخذ معنى العالمية والشمولية إلا في منتصف القرن الماضي، وتحديداً في 25 نيسان 1945م، تاريخ توقيع ميثاق هيئة الأمم المتحدة، فقبل هذا الميثاق لم تكن حقوق الإنسان تخضع لأي تنظيم دولي، وكانت هذه الحقوق ان وجدت تأخذ طابعاً وطنياً بحتاً، ولكن يتعدى اثرها المعنوي إلى الخارج، دون الضرورة بتطبيق هذه الحقوق في الدول الاخرى.كما ان تقنين حقوق الانسان وتضمينها إلى التشريعات الوطنية، كان يتم ببطء، فأول القوانين التي تضمنت حقوقاً للإنسان صدرت في بريطانيا، وهو ما سمي بـ (العهد الأعظم) الذي وقعه الملك جون مرغماً بضغط من البارونات الانجليز سنة 1215م، وتضمن بعض الحقوق للمواطن الانجليزي ومن بعدها توالت القوانين الاخرى التي صدرت في بريطانيا، تعطي المزيد من الحقوق والحريات لمواطنها لتحد من سلطة الملوك المطلقة، إلا ان حجم التقدم لم يكن بالمستوى المطلوب أو حتى المأمول، ومن بعد بريطانيا جاء إعلان الاستقلال الامريكي سنة 1776م، الثورة الفرنسية 1789م، والتي تضمن كل منها بعض الحقوق والحريات الاساسية للمواطن.أما بالنسبة لمصطلح حقوق المرأة فقد اخذ حيزاً كبيراً من الاهتمام المتنامي يوماً بعد يوم، وذلك على الصعيدين العالمي والوطني، واصبحت هناك منظمات وجمعيات واتحادات عالمية واقليمية ووطنية ترفع لواء المطالبة بتقرير وتطبيق هذه الحقوق.
|
اشتقاق
حقوق المرأة والطفل في التشريعات الوطنية والمواثيق الدولية
أخبار متعلقة