اكتشافات جديدة في الجاذبية على علاقة بالانفجار العظيم
عرض / أماني العسيري في ما سيأتي من كثر الحديث حول الانفجار العظيم قديما وحديثا وبداية تكوين الكون وتشكله قبل نحو 14 مليار سنة ، وزادت الاكتشافات الجديدة في مجال الجاذبية وتموجاتها من الكشف عن تأثيرات هذا الانفجار .. وبهذا الخصوص نستعرض مقال أستاذة الفيزياء والفلك ومديرة مركز الفلك والفيزياء في جامعة ييل ميج أوري « الذي نشرته « CNN » ضمن فتحها الباب لآراء العلماء بشأن اكتشاف موجات جاذبية على علاقة بالانفجار العظيم ..دلفت في مقدمة مقالتها عن اكتشاف موجات جاذبية على علاقة بالانفجار العظيم بالإشارة إلى أن العلم مازال يدرس بكثير من الاندهاش اكتشاف موجات الجاذبية التي تعتبر صدى الانفجار الكبير لحظة ولادة الكون ، فهي آخر التنبؤات التي تحقق منها العلماء في النظرية النسبية العامة منذ أن وضعها آينشتاين عام 1916. كما أنها تلخص مخاض الانفجار العظيم الذي حدث قبل 13.7 مليار سنة.وطرحت في ذلك تساؤلاً ربما يسأله كثير من الناس لانفسهم قائلة : فما الذي يعنيه ذلك؟ وكيف يفتح حقبة جديدة في فهمنا لأصل الأشياء والكون؟ومن اجل التعرف على اجابة هذا السؤال تأخذك ميج اوري في رحلة تفسيرية لشرح هذا الحدث العظيم بقولها : لطالما تساءلت البشرية عن أصل الكون منذ القدم، والاكتشاف الجديد يقربنا أكثر من أي وقت مضى من إجابة حاسمة عمليا.فما يعنيه هذا التطور أساسا هو أنه للمرة الاولى في التاريخ قد نكون قادرين على مشاهدة الجزء الأول من مليار من تريليون من تريليون جزء من أول ثانية من عمر الكون.وبافتراض أنه تم التأكد من صحة الاكتشاف بواسطة تجارب أخرى، فهذا يعني أنه يمكن دراسة أول حركة في مخاض ولادة العالم ، حيث ستشرح لنا فيزياء المادة والطاقة أبعد من مجرد المقاربة الأرضية الحالية لمحاكاة الأجسام والجزيئات مثل التي يقوم بها صادم هادرون على الحدود الفرنسية - السويسرية منذ سنوات.وتتطرق مدرسة الفيزياء ميج في مقالها إلى الاكتشافات التي أعلن عنها علماء مركز “ تصوير خلفية الاستقطاب خارج المجرة الكونية “ الذي يعرف اختصارا بـBICEP2 في احد المؤتمرات الصحفية في الفترة الماضية و الذي عرض دليلا على موجات مغناطيسية - تكهن بها إنشتاين ضمن نظرية النسبية العامة - والتي تسبب فيها -على الفور تقريبا - توسع الكون بمقدار (10أس 50) ليس خطأ مطبعيا وقد يكون خطأ حسابيا حيث أنه توسع بمقدار 100 مليون تريليون تريليون مرة).وهذه الموجات سبق أن تكهن بحدوثها العالمان ألان غوث وأندري ليند.وواصلت مديرة مركز الفيزياء شرحها عن ذلك التو اوالتضخم أو التمدد بانه أول مراحل التوسع الفوري للكون بسرعة أكثر بكثير من سرعة الضوء وهو الذي “يصف آلية الدفع التي قادت الكون إلى فترة من التمدد الجنوني نطلق عليها البيغ بانغ” وفقا لألان غوث ، وفكرة الانفجار العظيم نفسها بسيطة. فقد أظهر العالم أدوين هابل-الذي أطلق اسمه على المسبار هابل- قبل 80 عاما، أن الكون يتمدد. فالأشياء في الكون لا تندفع إلى الخارج لأن الفضاء نفسه أصبح أكبر فأكبر بمرور الزمن. وهذا يعني أن المسافة بين مجرتين مثلا تكبر حتى لو أنهما لا يتحركان بالمرة في الفضاء ، وباستقراء التمدد الذي يشير إليه هابل بصفة عكسية، فقد عرفنا منذ زمن طويل أنّ الكون كان أصغر بكثير جدا مما هو عليه الآن. فكل الطاقة والكتلة التي شكّلت الكون ساعتها كانت أشد حرارة كثيرا وأكثر كثافة. ولاحقا ومع تمدد الكون عبر الزمن تقلصت كثافة الطاقة وبالتالي انخفضت درجة الحرارة. وتتضمن نظرية الانفجار العظيم أنّ بقايا الإشعاعات التي بردت يمكن رؤيتها اليوم.وتؤكد ان امكانية رؤية تلك الاشعاعات فعلا اكتشفها مهندسو مختبرات بل في بداية عقد الستينيات من القرن الماضي، وعلى رأسهم كل من أرنو بنزياس وروبرت ويلسون، توهّج إشعاعات الانفجار العظيم ، عندما كانا يحاولان إنشاء أفضل ملتقط هواء إذاعي في العالم ، فقد سجل جهازهم صوتا خفيفا جدا غريبا من جميع الاتجاهات ، وعلى ما يبدو، كان المهندسان يعتقدان أن قرن الجهاز(جهاز الالتقاط الإذاعي) كان متسخا ببقايا لا ترى من براز الحمام ، ولذلك فقد استمرا في تنظيفه عدة مرات دون جدوى ، حيث استمر الصوت الخفيف في القدوم من جميع الاتجاهات.عبرها قالت ميج ان الفيزيائيين خلصو إلى ربط تلك التسجيلات بأشعة الخلفية الكونية ذات الموجات الصغرية وذلك أثناء رصد مصادر البث التي تشوش على أجهزة الراديو الأرضية وفسرت فيما بعد على أنها صدى الانفجار العظيم الأول وهذا ما عزز نظرية الانفجار العظيم التي فسرت أصل الكون ونشوءه وتطوره ، ونال بنزياس وويلسون جائزة نوبل على ذلك.وترى ميج ان نظرية الانفجار العظيم التي تاسست في عقد الثمانينيات من القرن الماضي ، لم تنجح في تفسير الكثير من أجزاء القصة لأسباب عدة فيها يبدو الكون متجانسا وله نفس الخاصيات بشكل مثالي ، ولذلك فإن المجرات والكواكب في أي اتجاه تظهر متماثلة لنظيرها في الجهة المقابلة، بغض الطرف عن المسافة التي تفصل بينهما ، فعدد الكواكب والمجرات وكتلها وأشكالها ومحتوياتها تبدو متماثلة بشكل ملحوظ وفي أبعد مدى ممكن.وربطت هذا الاستفسار الذي ينطوي على شيء من المفاجأة، بأن نظرية هابل حول الانفجار العظيم، تتضمن أنّه لا يمكن للمناطق المتباعدة جدا أن تكون قد اختلطت ببعضها البعض ولو بصفة عارضة، فكيف يمكنها أن تتماثل؟ ثم تجيب على ذلك بقولها تخيل حافظتي مياه الأولى تحتوي على ماء حار والثانية على ماء بارد، ما دامتا بعيدتين عن بعضهما البعض، فإن حرارتيهما ستبقيان مختلفتين. لكن إذا خلطتهما ببعضهما البعض فإنهما ستحصلان على نفس درجة الحرارة. وهكذا فإنّ المنطقتين المتباعدتين جدا في الكون لا يمكن أن تتماثلا إلا إذا كانتا متصلتين في وقت ما.وتقول ميج بحسب فهمها لتفسير نظرية التضخم بان هذا الأمر طبيعي ، إذا توسّع الكون في البداية بنسق سرعة جنوني، فإنّ جميع أجزائه التي ترى اليوم كانت متصلة ببعضها البعض في وقت ما ، وهذا يعني أنه كانت لها نفس الخاصيات الفيزيائية الأولية (مثل الحرارة والكثافة) وهو ما يعني أيضا أن النجوم المتماثلة والكواكب كانت تشكل ما يشبه حساء الكون.وتحدثت ميج عن ان الأشكال الهندسية ممكنة في الفضاء ، مثل أن مساحة ثنائية الأبعاد يمكن أن تكون مسطحة مثل الطاولة أو ذات انحناءات واضحة أو محدبة أو مقعرة مثل السرج.وحتى يكون الكون مسطحا، فإنّ ذلك يتطلب توازنا دقيقا جدا. فهناك طرق عير محدودة ليكون مقعرا أو محدبا أو غيره ، وتضخم الكون يمنح تفسيرا لتلك الغرابة.وبهذا فان ميج ترى ان تلك الغرابة في الاشكال ترجع إلى البدايات الأولى، حيث كان ينبغي للكون أن يكون مسطحا بما يكفي لتمطيط نسيج الفضاء أو عجينته إلى أن لا يبقى أي أثر لأي تقعّر أو انحناء. وتخيل كيف أنك تضخّم بيدك كرة الشاطئ الصغيرة (المطاطية التي تشبه كرة التنس) ولكنها هذه المرة بحجم الأرض مثلا. وتضرب مثلا لذلك انه يمكنك أن ترى الانحناءات وهي في يدك ولكن إذا تم تمطيطها بسرعة فائقة فإنّ أي قطعة من جلدها ستكون مسطحة تماما، وهو نفس الأمر بالنسبة إلى الأرض.فالتضخم الضخم والعملاق للحجم، سيزيل كل الظروف البدائية التي كان عليها الكون. وبغض الطرف عن درجة الحرارة التي كانت ساعتها فإنّ التمدد سيخفض حرارة الكون إلى الصفر.وتقول انه وبعد نحو جزء من مائة مليون تريليون تريليون جزء من الثانية، وفقا للعلماء، فإنّ جاذبية طاردة حدثت وتسببت في تمدد قبل أن يظهر “حساء” مكثّف وحار جدا تشكل من الجزئيات والطاقة. في تلك النقطة بالضبط أخذ التمدد الذي تسبب فيه الانفجار العظيم الذي اكتشفه هابل، المشعل في عملية التوسع برمتها.أما كيف بدأ التمدد وكيف انتهى تؤكد ميج انه لم يفهم ذلك حتى الساعة ، ولكن هذه الفكرة البسيطة حول التمدد تشرح بعناية لماذا جاء الكون على هذا الشكل من التسطيح والتجانس .ورغم ذلك لا يوجد دليل مباشر عن حدوث التمدد وما عاينه العلماء هو بصمة التمدد على إشعاع “خلفية الميكروويف” الكوني.وفي محور التمدد تقول ميج اوري وبصفة خاصة إنه يتعين أن يكون التمدد قد تسبب في كم هائل من موجات الجاذبية لدرجة أنها تسبب تموج الفضاء نفسه بكيفية متكاثرة ومتزايدة. ولهذه الموجات خاصية نمطية وتعمل على عصر أحد الاتجاهات الأفقية بطريقة إيقاعية ، ثم تقوم بالأمر نفسه في الاتجاه العمودي ، تماما مثل يدين اثنتين تضغطان على كرة مطاطية من فوق ومن أسفل ومن الجانبين يمينا وشمالا.و هذه التغيرات وفرت دلالة على وجود تكتلات ونتوءات صغيرة في الپلازما الكونية البدائية ، وتطورت هذه التشوهات في نسق توزع كتلة المادة فيما بعد ، متحولة إلى بنى كبيرة الحجوم في الكون: المجرات ، وحشود المجرات التي توجد حاليا .وأوضحت ان عملية “ التشويه أو التلاعب “ بالكون في حالته البدائية تسبب نمطا خاصا من الاستقطاب في الخلفية الإشعاعية. فماذا يعني الاستقطاب؟إنه الاتجاه الذي تتردد فيه الموجة الضوئية ، ولا يُرى بالعين المجردة. فالضوء هو موجة تتذبذب ذهابا وجيئة ولها ترتيب معقد غير منتظم ، أما الضوء المستقطب فهو موجات ضوئية ذات ترتيب بسيط منتظم تتذبذب في اتجاه واحد فقط . ولان الضوء العادي هو خليط من الاستقطاب في جميع الاتجاهات فإن درجة الاستقطاب فيه هي صفر. ولكن أي ضوء متناثر ، مثل ضوء الشمس المنعكس على الماء ، مستقطب ولذلك فإن النظارات المستقطبة تقوم بخفض الوهج وانعكاس الأضواء على الأسطح.وتفيد بذلك الاستاذة ميج ان العلماء وعلى هذا النمط الخاص من الاستقطاب في يبحثون دائما عن الخلفية الإشعاعية الكونية التي تظهر دليل حدوث التمدد ، وذلك منذ سنوات طويلة قاموا فيها بدراسات ثم أعادوا تحليلها ويعيدون التحليل دوما. والآن يعتقدون أنهم عثروا على مؤشرات الاتجاه الأول للتوسع .وتشيد ميج بأن اكتشاف موجات الجاذبية وما توصل إليه العلماء يعد فتحا قويا بكل المقاييس ، ولذلك فإنه يتعين أن يكون في مرمى اصطياده من قبل بعض التجارب التي يقومون بها. فذلك يثبت بعملية ملموسة تجانس مادة الكون وتساويه التام في الخواص قبل الانفجار وبعده أي منذ اللحظة الأولى لعملية الانفجار الكوني العظيم وانتشار الإشعاع في الزمان والمكان مع احتمال وجود أماكن تركزت فيها المادة الخفية التي تعرف باسم المادة الداكنة.وتخلص ميج اوري في مقالتها بالحديث عن ان هذا الاكتشاف هو مجرد بداية القصة كما يراه الكثير من العلماء ، وبأنه ستكون هناك تجارب أخرى تستهدف قياسا أفضل لبصمة الاستقطاب. وذلك سيؤدي بنا إلى معرفة كيف تبدو المادة والطاقة في ظروف أكثر حرارة وكثافة من كوكب الأرض وغيره من مناطق الكون.نقول كما قال كارل ساغان فإنّ “الادعاءات الخارقة تتطلب أدلة خارقة” فلندع الملاحظة تبدأ ولننتظر .