الموسيقار أحمد قاسم.. في ذكرى الرحيل يعود الحنين له من جديد
كتبت/ دنيا هانياليوم نطوي واحداً وعشرين عاماً من رحيل الفنان أحمد قاسم الذي امتعنا بفنه وعزفه المتميز وألحانه الجميلة وكلماته الرائعة تجعلنا نتوراى خجلاً في وصفه ووصف شخصه الكريم، وعلى الرغم من واحد وعشرين عاماً قد مضت على رحيله إلا أن موعد ذكراه يتجدد عاماً بعد عام، وبين الظل والروح تتجسد لنا حقيقة واحدة وفنان واحد وهو الموسيقار الراحل أحمد قاسم صاحب التوليفة الرائعة (من يادنيا وقلبه سأل قلبي إلى قمري تغنى وصدفة التقينا بلا ميعاد وكلما تخطر ببالي ومن غصب عني ويا حلو طال البعاد إلى في جفونك تهجر وتناساني وياعيباه) والكثير من الأغاني الرائعة الممزوجة بالكثير من الأحاسيس المختلفة.. أحمد بن أحمد قاسم أحد أبرز الفنانين في تاريخ الأغنية اليمنية ومالك لإحساس الكلمة وفي الكتابة عنه تخذلنا الكلمات وتظل عاجزة عن التعبير بما يختلج في دواخلنا حول كلماته أو ألحانه الرائعة أو حتى كشخصه الذي يمتدحه الكثيرون.. فحين يدندن بالكلمة يرسم على رخام الإبداع لحناً يطرب السامعين، زيزفون ينتفض بصوته وشغف يلهب عشاق كلماته التواقين لسماع أغانيه الجميلة.ميلاده كان في الحادي عشر من مارس من عام 1938م وذكرى رحيله تبدأ في الأول من إبريل عام 1993م. وفي ذكرى وفاته رحمه الله سنحاول التعرف أكثر على حياته العامة قبل الفنية ونتذكر معاً أهم اللحظات والمحطات التي طالته في مشواره الفني ونبدأها بتنبؤات وأحكام الموسيقار في أهل الثقافة والادب والفن:-بعد عودته من دراسته للتربية الموسيقية بجمهورية مصر أقام أحد الأصدقاء للموسيقار مأدبة غداء له ولقلة من أصحابه في مدينة التواهي وكان يجلس بجانب الاعلامي المخضرم والشاعر الغنائي الأستاذ علي أمان .. فكانوا يتحدثون عن الحر والصحافة والإذاعة وأغانيه الجديدة حتى جاء موعد الغداء الذي تأخر طويلاً.. وفي حينها قام الاستاذ علي أمان وأخرج ورقة من جيبه وطلب من الموسيقار أن يجيب على أسئلته باختصار أو كما يقولون من كلمتين اثنتين حول آرائه بمطربين وملحنين ومؤلفي أغان ورجال الإذاعة شريطة أن تكون الإجابة بمنتهى السرعة ودون تفكير.. فكان الإجابات كالآتي:[c1]نبدأ بالفن والفنانين[/c]. أبوبكر سالم بلفقيه: طابعه لن يتغيرـ حسن فقيه: فنان قلقـ محمد مرشد ناجي: فنان شعبي ـ ياسين فارع: ألحانه لها جمهور خاصـ محمد سعد عبدالله: في تقدم يستحق التشجيع ـ نبيهة عزيم: أحسن أن تختفي من عالم الغناء ـ فتحية الصغيرة: ما أقدرش أقول لك رأيي لأني لم اسمعها من زمان ـ سالم بامدهف: لا ذا مسكين خلي له حاله ـ أنور أحمد قاسم: يحتاج الى توجيه ـ أبوبكر فارع: شخصية ألحانه لم تتغير ـ فرسان خليفة: لم يخلق ما نسميه فناناً ـ عبدالرحمن باجنيد: في تقدم ويستحق التشجيع ـ محمد سعيد منصر: صوت قوي ـ علي احمد جاوي: مغمورـ فاروق مهدي: سمعت انه ماعدوش فنانـ يوسف احمد سالم: يكفي انه سمى نفسه بالموجي ـ طه فارع: والله ماسمعتوش ـ محمد باسويد: معجبتناش ألحانه الأخيرة مثل « الكوكباني»ـ محمد عبده سعد: يحتاج الى صقل ـ أحمد محمد العالمي: أغنية (نحل جسمي) ممتازة ـ عبد القادر با مخرمة: مقدرش ابدي رأيي فيه لاننا ما سمعتوش ـ احمد ناجي قاسم: صديقي وحبيبي ـ يحيى مكي: يكفي انه أستاذي ـ محمد صالح همشري: صوت نموذجي ولا كل الأصوات [c1]الآن مع الشعراء[/c]ـ محمد عبده غانم: سيد الشعر ـ علي لقمان: امام الشعراء ـ احمد شريف الرفاعي: شاعر الشبابـ عبدالله هادي سبيت: شاعر ـ لطفي امان: مرجع ـ علي امان: تعجبني كلمات أغانيهـ محمد سعيد جرادة: شاعر حساس جداًـ جعفر الميسري: شاعرـ إدريس حنبلة: فلتةـ محمد سعد عبدالله: ايش كمان هو شاعر؟[c1]ننتقل إلى الاذاعة[/c] ـ عمر الشاطري: شاطر ـ خالد محيدز: لا يصلح أن يكون مذيعاً .. بصراحة يجب أن يكون بعيداً عن الميكروفون ـ عبد الحميد سلام: ماشي ـ عبدالرحمن باجنيد: ممتازـ علوي السقاف: في نظري انه كبير المذيعين ـ أبوبكر العطاس: مذيع ـ محمد عمر بلجون: ممتاز جداً جداً ـ محمد صالح راجح: أتمنى أن ألحن لهذا الصوت ـ عبدالله عزعزي: مجتهدكُتبت عن الموسيقار أحمد قاسم جملة من الدراسات وألقيت العديد من المحاضرات والندوات عن تاريخه وفنه الذي بات مذهباً فنياً للحداثة في الموسيقى اليمنية تأخذ به الأجيال التي جاءت من بعده لتدرسه ولتقتدي به.وكان الصندوق العربي للثقافة والفنون بالتعاون مع مؤسسة شركاء المستقبل للتنمية عقدا دورة تدريبية في مجال فنون الموسيقى وجعلا فن الموسيقار أحمد قاسم نموذجاً للحداثة في الموسيقى في عدن خصوصاً واليمن عموماً.[c1]دراسة علمية عن موسيقى الموسيقار[/c]وقد عهد الاستاذ الفنان والباحث جابر علي أحمد إعداد ورقة المحاضرة تحت عنوان تجارب غنائية يمنية شملت الأمير أحمد فضل القمندان والشيخ جابر أحمد رزق والموسيقار أحمد قاسم. استعرض فيها ما درسه عن الموسيقار بقوله: «بدأت موهبة أحمد قاسم تتفتح في مدرسة بازرعة عندما كان أحد أعضاء الفرقة الموسيقية التي أسسها الأستاذ يحيى مكي.. الذي تمكن من رعاية الكثير من الموهوبين، ومنهم الفنان أحمد قاسم.. الذي بدأ مع يحيى مكي عازفاً على آلة الايقاع، ثم أصبح قائداً لفرقة بازرعة الموسيقية ويبدو أن من جملة الأشياء التي اثر بها الأستاذ يحيى مكي على تلميذه هي التعلق بالأغاني المصرية لاغير. وعندما دخل أحمد قاسم زمن عقد الخمسينيات من القرن المنصرم. وجد نفسه محاطاً بموجة تقليد الأغاني المصرية فها هي تجربة الندوة الموسيقية العدنية ممثلة في جهود الفنان خليل محمد خليل .. وهاهو الاستاذ يحيى مكي ومن ثم سالم بامدهف.. وياسين فارع.. إلخ .. وكل هؤلاء يسيرون في ركب التعلق بنموذج الأغاني المصرية.وأكمل الباحث عرضه بتقييم سلوك الموسيقار بوصفه قائلاً: حتى سلوكه في أحياء حفلات الزواج اتخذ طابعاً مغايراً إذ كان يصر على إحياء هذه الحفلات مع فرقته الموسيقية ـ ذات الملابس الموحدة ورغم أن سلوكاً كهذا لم يرق كثيراً من رواد المخادر إلا إنه بإصراره على ذلك كان يؤكد رغبته في الظهور بمظهر الفنان ذي الطراز الحديث.. ويبدو أن ما ساعده على ذلك الاصرار هو ثقته الكبيرة بنفسه التي لولاها لما تجشم كثيراً من الصعاب التي صادفت طريقة .والسؤال.. ما هو موقف الفنان أحمد قاسم من الموروث الغنائي بشقيه الشعبي والتقليدي؟وهنا تدل المؤشرات على أن المناخ الفني الذي أحاط بهذا الفنان كون لديه مفهوماً للفن قريباً من مفهوم خليل محمد خليل.. أو نقول بأنه امتداد لموقف خليل، ولهذا فإن مشروعه التجديدي انطوى على موقف عدمي من التراث.. وهو الأمر الذي حرم الفنان أحمد قاسم من مصدر مرجعي مهم من شأنه تأمين التوازن الضروري في أية اجتهادات تجديدية غنائية.. ويبدو أن حالة التوازن هذه كانت لازمة لفنان كبير كأحمد قاسم بذل في سبيل الموسيقى جهده وماله ووقته.. وحقق درجة عالية في السيطرة على أدواته الفنية مكنته من الوقوف في صف متقدم. وعندما وجد الفنان أحمد قاسم نفسه محاصراً بملاحظات تتعلق بموقفة من التراث بدأ يشعر بأهمية الاهتمام به.. ولكن سبق السيف العذل، إذ أن اهتماماً كهذا كان يجب أن يحتل المكانة الأولى في قائمة الأولويات ومنذ وقت مبكر جداً حتى يتمكن العنصر المرجعي التراثي من التأقلم مع عالمه الروحي وفرض حضوره المؤثر على أي مشروع تجديدي. ومع هذا يجب الإقرار بأن أعماله القليلة التي تضمنت عناصر تراثية اثبتت مدى اهمية التوجه عند فنان مقتدر كأحمد قاسم. ففي أغنية (ياريت عدن) نجد انفسنا أمام أغنية يمنية جديدة.. فإلى جانب تقيد اللحن بالإيقاع البدوي والتزام اللحن في مساره بنفس ضغوط الايقاع واقتراب العلاقات النغمية في نسيجها من مناخ الغناء اليمني اضاف أحمد قاسم ما يلي: 1 ـ طبق الصيغة ( المذهب والكوبليه).2 ـ وضع مقدمة موسيقية تختلف في لحنها عن لحن المذهب.3 ـ قدم جملاً موسيقية تميزت بالوضوح والتماسك البنائي.[c1]مجموعة من أجمل أغانيه:-( ياعيباه)انا بنساه وبانسى هواهـ ولا بانسى الذي سواهـتنكر لي وجافاني وذا اللي كنت أنا أخشاهيقول للناس لا شفته ولا أدري به ولا أهواهعجب ينكر ولا يذكر زمان الحب.. ياعيباه[/c]****[c1](أنا والعذاب)أنا من بداية عمري أنا والعذاب دائماً حبايبإيش جرى لك إيش يا دنيا ليش تورينا العجايبإيش أنا سويته لما أستحق منك عذابيذنبي إيش يادنيا قولي ياللي ضيعتي شبابي[/c]****ومن أشهر أغنيات أحمد قاسم من كلمات الشاعر الكبير لطفي جعفر أمان أغنية (على ساحل أبين) المعروفة أيضاً (بصدفة التقينا) ومنها:[c1]صدفة التقينا على الساحل ولا في حدصدفة بلا ميعادجمع الهوى قلبينسمعت أبين على الأمواج تتنهدكما حواك الفؤادوالعين تناجي العينوالبحر والرمل والبدر الحبيب يشهدعلى الهوى والودادما بيننا الاثنين[/c]****[c1](قلبه سأل قلبي)قلبه ســـأل قلبي *** وعيونه تلعب بيمن علمك تهوى *** وتكثر الشكوىعلشان يزيد حبي!بعيونه يسألنا *** يزيد في أشجانيوالنظرة تقتلنا *** وتحيينا من ثانيوعاده يسألنامن علمك تهوى *** وتكثر الشكوىعلشان يزيد حبي[/c]****[c1](من كل قلبي أحبك)من كل قلبي أحبك يا بلادي يا يمنوأفديك بروحي ودمي وأولادي يا يمنيا بلادي.. يا بلادي.. يا بلاديمهما أسافر وأغيب عن عيونكبقلبي أحبك بروحي أصونكوأعيش كل وقتي أداعب ظنوني[/c]****[c1](عذبيني)عذبيني.. فعذابي فيك خير من مماتيأنا حي ليس بالحس ولا بالحركاتأنا حي ليس بالضحك ولا بالعبراتإنما الحي فؤادي..وفؤادي هو ذاتيفيه آمالي وما أهواه من دنيا حياتي.. فيه أنتِ[/c]ويختم الكلمات بقوله:[c1]كلما حدثت نفسي حدّثتني عنك نفسيويمر الوقت في همس وفي ترديد همسِأي حديث النفس ما أقساك إذ تبعث يأسيليس باليائس من يصبح بالقرب ويمسي.. منكِ أنتِ[/c]كانت هذه الأغنية هي التي اختتم بها الفنان أحمد قاسم فيلمه (حبي في القاهرة)..- وقبل أن نختم حديثنا عن الموسيقار الرائع يجب ألا ننسى أنه كانت لديه روائع تغنى بها طوال مراحل حياته الفنية وأثناء فترة عيد الإستقلال (30) من نوفمبر وغرد بصوته الرائع في أعياد وأمجاد الإستقلال ولحن بعض الأغاني الثورية لبعض الفنانين منها:قصيدة (مزهري الحزين) رائعة من روائع الشاعر لطفي جعفر أمان لحنها وغنـاها الموسيقار أحمد قاسم وتقول الكلمات:[c1]يا مزهري الحزينمن يرعش الحنين؟إلى ملاعب الصبا.. وحبنا الدفين؟هناك.. حيث رفرفتعلى جناح لهوناأعذب ساعات السنين..يا مزهري الحزينالذكريات.. الذكرياتتعيدني في موكب الأحلام للحياةلنشوة الضياء في مواسم الزهوريستل من شفاهها الرحيق والعطوروبعد هذا كله..في صحوة الحقيقةينتفض الواقع في دقيقةيهزني..يشد أوتاري إلى آباري العميقةيشدها.. يجذب منها ثورتي العريقةويغرق الأوهام من مشاعري الرقيقةويخلق الإنسان مني وثبة وقدرةعواصفاً.. وثورةهنا.. هناإذ زمجرت رياحنا الحمراءتقتلع القصور من منابت الثراءوتزرع الضياءوتغدق الغذاء.. والكساء.. والدواءعلى الذين آمنوا بأنهم أحياءوخيرة الأحياءفي الحقل..في المصنع..في كل بناء..[/c]* * *ومن ألحانه الرائعة أيضاً أغنية الاستقلال (بلادي حرة) من كلمات الشاعر الرائع لطفي جعفر أمان التي تقول كلماتها:[c1]على أرضنا بعد طول الكفاحتجلى الصباح لأول مرةوطار الفضاء طليقاً رحيباًبأجنحة النور ينساب ثرةوقبلت الشمس سمر الجباهوقد عقدوا النصر من بعد ثورةوغنى لنا مهرجان الزمانبأعياد وحدتنا المستقرةوأقبل يزهو ربيع الخلودوموكب ثورتنا الضخم إثرهتزين إكليله ألف زهرةوينشر من دمنا الحر عطرهويرسم فوق اللواء الخفوقحروفاً تضيء لأول مرة.. بلادي حره[/c]***ولا يمكن أن ننسى بأن الفنانة فتحية الصغيرة أنشدت من ألحان الفنان أحمد قاسم أغنية (شعبنا حقق مناه) التي تقول كلماتها: [c1]بعد طول الليل.. والآهة الحزينةبعدما كانت أمانينا دفينةشعبنا حقق مناهمن قمم ردفان مات المستحيلهلت الفرحة على الدرب الطويلشعبنا حقق مناه شعبنا عانق هناه..[/c]***بهذا نكون أنهينا مشوارنا مع الموسيقار الرائع الذي كانت ولا تزال تتراقص بين الربى أوتاره تلوح بأعذب الأغاني والألحان والكلمات ولها نكهة وطعم خاص لدى كل من يستمع ويتذوق فن الراحل أحمد بن أحمد قاسم.