التنقل اللحظي و جوهر الفرق بين النسخة والأصل
عرض / أماني العسيريلا ينكر الجميع عبر متابعته لأفلام الخيال العلمي انه وبتلك اللحظات تدور في رأسه كثير من التساؤلات المحيرة عن الأفكار التي تبدو غريبة أو مستحيلة التصديق ، فكم منا وهو يشاهد مقاطع من فيلم الخيال العملي ( ستار تريك) تأسره غرابة التحولات والتنقلات السريعة في جزء من الثانية ـ على سطح كوكب من ثم على متن المركبة ـ ونظل في حالة استغراب عن الطريقة التي سمحت بهذا التنقل .. إلا إن د. محمد قاسم أستاذ مساعد في كلية الدراسات التكنولوجية بالكويت في مقالته عن التنقل اللحظي شرح بالتفصيل أجزاء عملية هذا التنقل موضحا بداية الفكرة ثم الولوج إلى المشاكل التي تسببها هذه العملية و الفروق الحاصلة بين الأصل والنسخة .. ذكر في مقدمة مقالته حقيقة فكرة التنقل وظهورها قائلا أن هذه الفكرة إن كان لعروقها امتداد في جسد الخيال العلمي فهي حقيقة علمية مجربة على الأجسام المتناهية الصغر وقد استطاع العلماء نقل جسيمات ذرية على امتداد كيلومترات بسرعة الضوء بهذه الطريقة. وأورد في مقالته تاريخ ابتداء هذه الفكرة وتحولها إلى الواقع حين قال : مثل هذه الفكرة في التحول من عالم الخيال إلى الواقع سنة ١٩٩٣ حينما قام العالم «تشارلز بنيت» من شركة «آي بي إم الأميركية باكتشاف طريقة علمية تمكن العلماء من نقل الأجسام لحظيا، وبعد ذلك استطاع العلماء من نقل فوتونات الضوء لمسافة ٦٠٠ متر، ثم بعد ذلك تمكنوا من نقل الذرات عبر نهر الدانوب ثم نُقلت الجزيئات وفي المستقبل ربما سيتمكن العلماء نقل الفيروسات والبكتيريا وكائنات أخرى من مكان إلى آخر لحظيا.[c1] مشكلة نقل ذرات الأجسام كما هي [/c] و أوضح في تحليله المستقبلي لعملية نقل الفيروسات انه لا بد لجهاز التنقل اللحظي من تحديد مكان كل ذرة بداخل الميكروب ثم ترسل المعلومات إلى الطرف الآخر، ليقوم الطرف الآخر بتركيب الذرات بعضها على بعض ذرة ذرة ليتكون الميكروب هناكورأى أن الجهاز الذي سيقوم بعملية النقل سيحتاج إلى معرفة كل ذرة في أجساد الكائنات الأكثر تعقيدا وصولا إلى الإنسان لتنقل كما هي وان هذه المعرفة بحد ذاتها مشكلة . وعن هذه المشكلة قال : حينما « ننقل « الجسم لحظيا فإن الذي يحدث فعليا هو أن جهاز التنقل اللحظي يقوم بمسح التفاصيل الدقيقة التي تكون الجسم ذرة ذرة ثم تنقل المعلومات ضوئيا، بعد ذلك يعاد تركيب تلك الذرات لتكون كائنا جديدا في الطرف الآخر مع بقاء الأصل في الطرف الأول. هنا تساءل د. محمد : هل ندمر الأصل ونبقي النسخة ؟ أم أن هناك شيئا جوهريا يمتلكه الأصل ولا تمتلكه النسخة ؟ وليكون أكثر تحديدا في سؤاله قال : نحن هنا لا نتساءل عن أخلاقيات تدمير أو قتل النسخة ، بل نتساءل عن جوهر الفرق بين النسخة والأصل. ثم بين أن هذه العملية تشبه عمل جهاز الفاكس بشرحه قائلا : هنا تبقى النسخة الأصلية كما هي في مكانها ، وتنتقل المعلومات حتى تصل إلى جهاز الفاكس الآخر، ليطبع نسخة مطابقة للأصل ، فتكون هناك نسختان من الورقة ، واحدة نطلق عليها «أصل» والأخرى نطلق عليها «نسخة « لنفترض أنه لا توجد فروقات بين النسخة والأصل من حيث الورقة المستخدمة والحبر والطباعة نقطة بنقطة ، فبماذا تتميز الورقة عن الأخرى ؟ وضرب بذلك مثالا لرسمة الموناليزا التي قال فيها : لنفترض أنك اشتريت رسمة الموناليزا من متحف اللوفر في باريس، وقام العلماء بنقلها باستخدام آلة التنقل اللحظي إلى منزلك ، وانتقلت النسخة بكامل تفاصيلها من ألوان ونقوش ومادة تتكون منها الألوان المستخدمة وخلفية الرسمة ، لنقل إن الرسمة نقلت ذرة ذرة، إلى الحد الذي نقلت خلايا ليوناردو دافنشي الميتة التي سقطت على الرسمة أثناء رسمه لها. أصبحت لدينا رسمتان متطابقتان تماما، واحدة في منزلك والأخرى في اللوفر. نتساءل ، هل ستقبل بأن تدمر الرسمة الأصلية على أن تحتفظ بالمنسوخة ؟ اعتقاد الفرق بين الأصل والنسخة بهذا التساؤل رجح إن البعض قد يتراجع عن قبول الرسمة المستنسخة موضحا في تفسيره لذلك قائلا : قد يقال إن الرسمة « الأصلية « هي التي رسمها دافينشي بيده فنفس وروح وأحاسيس دافنشي موجودة في الرسمة الأولى، ألا ندعي نفس هذا الشيء حينما نتحدث عن طبخة ، فنقول إنه بالإضافة لكون الطبخة طبخت بمقادير دقيقة ، إلا أن نَفَس الزوجة غير متوفر في الطبخة التي طبخها شخص آخر هل صحيح أن هناك نفَسا في الطبخ؟ أم أن التمييز بين الأصل والنسخة يرجع لأسباب شخصية نحن نضفيها على النسخة؟وبهذا يلفت الدكتور محمد النظر إلى أسباب التمييز بين الأصل والنسخة مرجعا السبب في ذلك على حد قوله إلى أن الاعتقاد بين الأصل والنسخة المطابقة للأصل ينشأ في الصغر وان العلماء قد أجروا التجارب على الأطفال في سن ست سنوات لإثبات ذلك ونشروا بحثا سنة ٢٠٠٨ في مجلة « إلسفير للإدراك » حول هذه الدراسة حيث إنهم أخذوا ممتلكات أطفال تعلقوا بها لاستنساخها، فمثلا أخذوا ألعابهم المفضلة أو أغطية الفرش التي يفترشونها للنوم، ثم أروهم آلة ناسخة، وادعوا أن هذه الآلة تستنسخ ما لديهم بنسخ مطابقة للأصل تماما، فوجدوا أن بعض الأطفال لم يقبلوا حتى باستنساخ ألعابهم ابتداء ، والبعض من الذين رضوا باستنساخ ممتلكاتهم قبلوا بأخذها مؤقتا، ولكنهم فضلوا استرجاع حاجياتهم الأصلية لاحقا .وتابع أن لهذا الاعتقاد جذورا نفسية وقال : مثل هذه الإسقاطات على وجود فروقات بين الأصل والنسخة تحدث منذ الصغر، والاعتقاد بوجود اختلاف بين مادتين يعود في بعضه للارتباط النفسي الذي يتولد لدى الشخص مع ممتلكاته لا عن وجود اختلاف فعلي في النسخة .ويعلل في منتهى مقاله الفرق بين النسخة و الأصل بأنه يعود لاعتقاد الشخص نفسه بقوله أن البعض قد يعتقد أن الفرق بين النسخة والأصل هو فرق جوهري، أو فرق في النَفَس، ما الفرق بين النسخة والأصل المتطابقتين تماما ؟ لا فرق بينهما. ولكن الفرق هو اعتقاد الشخص بوجود الفرق ، هذا الفارق هو مجرد اعتقاد يعود للشخص وليس لحقيقة الشيء الذي يمتلكه. أذن فقتل أخي الأصل الذي نقل لحظيا إلى مكان آخر لا يفرق من ناحية تراكيبه المادية بكل تفاصيلها ، ولكني سأبقى متحسرا على الأصل ومتشككا من النسخة نفسيا ، حتى وإن ألح أخو النسخة أنه هو هو، ولم يتغير فيه شيء .