صحيفة 14 اكتوبر تسلط الضوء على ظاهرة التسول في محافظة عدن
استطلاع/ نبيلة عبده محمدظاهرة التسول أصبحت ظاهرة مألوفة في كل مكان في مدينة عدن .. والشيء الذي يبعث على الأسى أن هذه الظاهرة في تزايد مستمر .. والمتسولون لكل منهم حكاية .. والكل يجمع إنها وسيلة لكسب الرزق رغم مايعانونه من الفقر والقهر الاجتماعي .. ورغم ما كتب عنها لم تحظ هذه الظاهرة باهتمام جاد بالتعامل معها كونها ظاهرة اجتماعية واقتصادية خطرة يجب الوقوف عندها ومناقشتها وتحليلها.فالقضية أكبر من ان نتجاهلها ومطلوب وقفة جادة تجاهها .. وبهذا الصدد كان لنا هذا الاستطلاع:المعونات تذهب لغير المحتاجينفي البدء التقينا بالأخ/ راشد سعد وتحدث قائلاً:أنا لدي شهادة الثانوية العامة القسم العلمي بحثت مراراً عن عمل لتحسين ظروفي المعيشية ولم استطع أن أكمل دراستي الجامعية فاضطررت للعمل في احد المكاتب الخاصة لفترة وجيزة حتى أتحصل على عمل حكومي وكما يعرف الجميع ان الحكومة لا توظف خريجي الثانوية العامة ولكن رب العمل الخاص كان دائماً ينقض علي بالصراخ والإهانات والشتم والاحتقار ويجعلني أعمل ساعات طويلة صباحاً ومساءًً براتب ضئيل جداً وبدون راحة .. فالتقيت بمجموعة من الأولاد في الشارع يتسولون ويتحصلون على مردود لا يحصل عليه بعض الذين يعملون بالقطاع الخاص لساعات طويلة في اليوم الواحد ..أثارت إعجابي فكرة التسول لأنها قد تمكنني من التخلص من ضغط رب العمل وأستطيع أن أعول أسرتي وأجعل أخواني يواصلون دراستهم ..صحيح ان والدي يعمل في مرفق حكومي ووالدتي ربة بيت ولكن راتبه لا يكفي الأسرتي خاصة انه هو الوحيد الذي يعمل ، وكما تعلمون ان الحياة المعيشية صعبة جداً، فأنا لا أبرر أن التسول عمل شريف بقدر ماهو شيء مهين بالنسبة لي ولكن ما باليد حيلة .وفي رده على سؤالنا لماذا لم يتجه الى طلب معونة لأسرته وهي سبيل أفضل من التسول في الشوارع أوضح أن المعونات لا تعطى للمحتاجين إنما تعطى للأشخاص الذين يستلمونها وتوزع لأهاليهم وأقاربهم وأصدقائهم ومعاريفهم وليس للمحتاجين .. كما يدعون فلا داعي لتطويل الكلام فأنتم أدرى بذلك الصرف.الغلاء فاحش وراتب والدي لا يكفي من جهة أخرى التقينا مجموعة من الفتيات يبدو ان أعمارهن في العشرين او ربما اقل بعام او عامين ثلاث فتيات يتسولن في احد الشوارع بجانب مطاعم خورمكسر تقدمت من إحداهن للحديث معها (وتدعى سعاد سعيد) تمنعت في البداية ولكنها وافقت اخيراً على إجراء حديث صحفي معها ولكن بدون تصوير فقالت إنهن يجلسن بجانب المطاعم والبوفيات ينتظرن وصول الزبائن الى المطاعم والباصات والبوفيات ويطلبن حق الله من الداخلين والخارجين الى تلك الأماكن وبعضهم يعطي لنا مما تبقى لهم بعد دفع أجرة الباص.وعن سؤالنا الموجه لهن لماذا لم يبحثن عن عمل آخر وهن في هذه السن ويتمتعن ببعض الجمال بدلاً من التسول في الشوارع ومد الأيادي للغير .. أجابت إحداهن : لقد بحثنا عن عمل في كل مكان وبحثنا كثيراً ولكن لم نجد حتى إننا طلبنا من إدارة البلدية أن نعمل منظفات او مراسلات لكنهم رفضونا بحجة ان البلدية لا توجد فيها وظائف وهم ليسوا بحاجة الى عمال وعاملات لهذا ماذا نعمل؟! .فمن اين نأكل ونشرب نحن واسرنا الفقيرة ؟!.وأضافت : لا تقولي ان لدينا اباً يعمل هذا صحيح ان لدينا أباً ولكن راتبه ضئيل جداً لا يكفي الطلبات الأساسية للأسرة لمدة اسبوع فقط.هذا ماقالته إحداهن التي لم تذكر لنا أسمها وأضافت :أريد أن اقول لك أن والدي لا يعرف اني اتسول وإذا عرف لا ادري ماذا سوف يعمل بي لأني أدرك ان عنده عزة نفس صحيح ان راتبه قليل جداً وليس لدي اخوان كبار يساعدونه ولهذا آتي لاتسول وعندما يسالني من اين لك الفلوس يكون ردي له أعمل في قطاع خاص لقد كذبت عليه والكذب حرام ولكن ماباليد حيلة لا استطيع ان اراه وهو في حالة بائسة على مدار الساعة يجلس بجانب التلفزيون يحسب كل شهر بعد ما يستلم الراتب والوالدة دائماً ما تطالبه بمصاريف اكثر كون مرتبه لا يكفي ولكن عليه ان يعمل عملاً آخر .. لهذا اضطررت ان أتسول لكي أساعده في ذلك واخفف عنه المعاناة التي يعانيها يومياً.أخرجونا من العمل فلم نجد إلا التسولكان لنا وقفة مع متسول يبدو أنه في الستين من عمره اسمه مسعد احمد يقول: كنت موظفاً في المؤسسة العامة لتجارة الأقمشة فأغلقوها وحولوها الى مساكن وبعدها خرجت من العمل ولم أجد مكاناً يؤويني سوى كشك اشتريته حينما كنت اعمل في هذه المؤسسة والآن أنا بدون عمل وكبرت في السن وليس لدي أولاد ولا زوجة وكل الذي يهمني هو الحصول على مايسد جوعي ويكسو جسدي لهذا أنا أتسول في محطة الباصات .سألناه لماذا لا تذهب الى المعاش لاستلام راتبك التقاعدي او إعانة شهرية من جهات الاختصاص؟فأجاب : لو الدولة قررت لنا معاش او وفرت لنا قوت يومنا ما باتشوفونا بالشوارع والسبب في إننا نتسول هي جهات الاختصاص التي تتحكم بقوتنا اليومي وبرواتبنا.وللعلم انا بدون عمل منذ أغلقت المؤسسة العامة لتجارة الأقمشة ولا اعرف من السبب في توقيفها عن العمل رغم متابعتي المستمرة للعودة الى العمل لكن دون جدوى اضطررت الى التسول .ننتظر الفرج بفارغ الصبر المتسوله/ سارة عبده (طفلة) تعلمت الى الصف السادس، لكنها الآن نسيت كل ما تعلمته حسب قولها، فكل همها الحصول على ما توفره لقوت يومها اوما يمكنها من ان تشتري (شباشب) لإنها تنقطع عليها من كثرة المشي والسير على الأقدام وراء الناس في الجولات والمحطات والمطاعم .. الخ.وهناك من لا يقدر حالتها ودائماً ما تتحصل على إهانات وسب ونهر وشتم من الناس من جميع الفئات حسب قولها وإنها تتحمل كل ذلك من اجل ان توفر ما يسد رمقها ورمق اسرتها الفقيرة لان والدها مات وتركها مع والدتها التي لا تعمل وغير متعلمة فأصبحت تتسول معها ومع إخوانها الصغار، كل واحد في منطقة وبعض الأحيان يتسولون معاً فهي لا تفكر الا في لقمة العيش كيف تحصل عليها وتقول احلى الأيام في حياتي عندما اتسول في أيام الأعياد وشهر رمضان الكريم لأنة في هذا الشهرأشهر اهل الخير كثيرون وكريمون يعطون لنا حق الله لان هذه الأشهر الخير والبركة وفيها نلاقي حق الله.أولادي بدون عمل فاضطررت للتسولوخلال مروري الى العمل صادفت في طريقي إمرأة عجوز مسنة تفترش الارض بجوار مبنى عملي اقتربت منها لسؤالها عن اسمها اجابت بكل رضا وقبول اسمي رضية ثم سألتها مرة أخرى لماذا تتسولين وانت في هذه السن اليس لديك زوج أو اولاد يعفونك من هذا العناء ؟ ردت علي بسخرية شديدة : إذا لم اتسول من سيعطيني لقمة العيش فقد مات زوجي ومعي اولاد ولكن كل واحد لديه هموم ومشاكل ومايكسبونه لا يكفيهم هم وأولادهم والبعض منهم لا يعملون رغم إنهم أكملوا دراستهم الجامعية ويذهبون كل يوم من الصباح الباكر للبحث عن عمل ولكن دون جدوى اما اولادي الكبار فهم اثنان واحد كان يعمل في الجيش والآن بدون عمل وواحد كان يعمل في الإسكان وخرج ولا اعرف ماالسبب في ذلك .. في السابق كان ينفق علي اولادي ولكن الآن لا يستطيعون تحملي بسبب ان اغلبهم لا يعملون اما الذين يعملون فلا تكفيهم مداخيلهم للإنفاق على اسرهم .. لهذا لجأت الى التسول لكي أتلقى نقوداً وإن كانت قليلة لأشتري مايسد جوعي .