آخر كلام
كانت ومازالت القضية الجنوبية هي القضية المحورية بل والأهم من بين قضايا مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي استمر ما يقارب العشرة أشهر تلك القضية التي كانت تؤثر على بقية محاور الحوار التسعة حتى يبت المتحاورون في القضية الجنوبية أو يخرجوا بحل لها مما يدل على هذه الأهمية للقضية وكأن مشكلة الوطن بكامله هي هذه القضية التي تشبه القلب بالنسبة لسائر أعضاء الجسد إذا فسد فسدت بقية الأعضاء وإن صلح صلحت كافة الأعضاء والدليل أن قضية الجنوب أعطي لها 50 % مناصفة في المناصب في التمثيل البرلماني وأن أي تعديل للدستور في المستقبل فيما يتعلق بأي موضوع يمس الجنوب لا يتم إلا بعد موافقة أغلبية الجنوبيين بالإضافة إلى تطبيق النقاط العشرين والإحدى عشرة التي لها علاقة بحل مشاكل الأراضي وإعادة المسرحين والمتقاعدين من القوات المسلحة والأمن والموظفين المدنيين وإعادة حقوقهم وممتلكاتهم أو تعويضهم التعويض العادل. لكن أهم المكاسب للقضية الجنوبية بل للمواطن ككل أن خرجت وثيقة مخرجات الحوار بتصور جديد للدولة المدنية الحديثة والمستقبلية يقوم على الحد من المركزية الشديدة حين اعتمد على نظام الأقاليم التي تسير أمورها بصورة مستقلة دون الارتباط المعيق بالمركز مع الحفاظ على وحدة البلاد وحمايتها من التمزق إلى دويلات منفصلة أو مفككة لا يربطها رابط أو يجمعها جامع وأن أهم ما في المخرجات للقضية الجنوبية وغيرها هو التوزيع العادل للثروة الذي يمنح حق الأولوية للمناطق التي فيها الثروات وما تبقى يذهب للمركز ليقوم بتوزيعه على المناطق المحرومة من الثروات. ونظام الأقاليم ليس تقسيما للبلاد بل هو نظام إداري مدني تنتهجه دول حديثة ومتطورة وليس هو بدعة من البدع مستوردة من الخارج فقد كانت اليمن قديماً تقسم إلى مخاليف تدير شؤونها بنفسها من دون تدخل المركز وكان هناك أمن واستقرار ورفاهية ولم يخرج الناس في الجنوب في بداية الحراك عام 2007م إلا من أجل المطالبة بالحقوق والعدالة والمساواة حتى لا تظل السلطة والثروة في أيدي فئة أو جماعة أو أسرة أو قبيلة تحتكرها على حساب بقية الشعب ولم يخرج الشباب في ثورة الشباب إلا من أجل التغيير إلى الأفضل وتغيير الماء الآسن والراكد والفاسد وهذا التغيير هو من السنن التي أودعها الله سبحانه وتعالى في الكون وفي الطبيعة البشرية وحياة المجتمعات والشعوب والأمم. ويخطئ من يظن ويعتقد بأن مخرجات الحوار الوطني الشامل، ذلك الجهد الجبار، لا تخدم القضية الجنوبية ولا تعد انتصاراً لها أو أن المخرجات لا شأن للجنوبيين بها حسب زعم واعتقاد البعض وهذا الاعتقاد والظن غير موضوعي ولا منطقي ولا منصف لأنه يتجاهل أن الجنوبيين كانوا قبل بداية الحراك السلمي يطالبون بحل مشاكلهم وقضاياهم وحقوقهم بالحوار مع النظام السابق وعندما جاء الحوار وعقد مؤتمر حوار وطني شامل لحل مشاكل البلاد رفض أولئك البعض الانخراط في ذلك الحوار بحجة أن هذا الحوار لا يعنيهم ولا شأن للجنوبيين بذلك الحوار وأن المبادرة الخليجية لم تذكر القضية الجنوبية وتناسى هؤلاء أن القضية الجنوبية قد ذكرت في الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية ووصلت إلى مجلس الأمن وأصبحت أهم بند وأهم محور في مؤتمر الحوار الوطني الذي ينبغي البدء بحله أولاً وقبل أي قضية وكل هذا الاهتمام بهذه القضية يؤكد أن العمود الفقري لكل فقرات مؤتمر الحوار الوطني الشامل لحل مشاكل الوطن ككل هي القضية الجنوبية والذين ينادون بأنهم سيظلون يناضلون نضالاً سلمياً حتى ينالوا مبتغاهم يؤمنون بأن لغة الحوار والتفاهم هي من أحسن وأفضل الطرق السلمية للنضال السلمي الحضاري والمدني أما طريق العنف والتلويح بلغة الكفاح المسلح فطريقها غامض لا يقود إلا إلى إزهاق مزيد من أرواح الضحايا والأبرياء وإهلاك الحرث والنسل ودمار الأرض والعرض والخسائر ستكون فادحة وكبيرة ولن يكون هناك منتصر ومهزوم في وطن واحد بل الكل خاسر والذي نشاهده في سوريا الشقيقة خير دليل وبرهان وكذلك في العراق وليبيا ولبنان ويبقى في الأخير أسلوب الحوار الهادئ والمنطقي والحضاري هو السبيل الناجح والناجع لمعالجة كافة المشاكل والقضايا والأزمات وحفظ الله الأرواح والدماء والممتلكات وجنب الله اليمن شر المحن والفتن ونتمنى من الذين مازالوا لا يؤمنون بالحوار أن يتعظوا من قوانين التاريخ ومن تجارب الشعوب والأمم التي تقاتلت فيما بينها فإنها في الأخير تجلس إلى طاولة الحوار لكي تحل مشاكلها بهذه الطريقة وهذا ما عاشته بلادنا خلال عشرة أشهر مضت وخرجت بتلك المخرجات التي خدمت الوطن بعامة والقضية الجنوبية خاصة.