بعد ما تعرضت له البحرين من هزة مفتعلة خلال الفترة الفاصلة بين فبراير (شباط) ومارس (آذار) 2011، وتداعياتها المستمرة، لم يعد من المهم اليوم الإجابة عن أسئلة من نوع:. من الذي أربك مسيرة الإصلاح في البحرين التي كانت تتعزز من خلال تجربة ديمقراطية محلية وطموحة؟. من الذي أربك حركة التنمية النموذجية التي كانت تؤشر إلى حيوية المجتمع البحريني الذي نجح في تنويع مصادر دخله، ولم يستند إلى النفط فقط؟ من الذي خلط أوراق تنفيذ الرؤية الاقتصادية الطموحة على أرض الواقع؟. المهم هو الإجابة عن أسئلة المستقبل، أسئلة التجاوز، واستعادة المسيرة. المهم اليوم هو استعادة حياتنا وتحرك عجلة التنمية والإصلاح السياسي وتأسيس المرحلة المقبلة على التوافق الوطني، ولتحقيق ذلك نحتاج إلى التحلي بالإدراك العميق بالمصلحة العليا للوطن، وإلى تحرك فاعل يترجمه الإقدام على تحمل المسؤولية الوطنية، وإقرار منهج إصلاحي شامل وموصول بالشجاعة في تصحيح المسار، وإعادة الإصلاح إلى أصله من خلال تخليصه مما علق به من شوائب الأحداث المريرة وشعارات الانقلاب المفضوحة، وفاء للقيم وصونا للمبادئ المتصلة أساسا بتعميق الروح الوطنية والقيم الإنسانية وتج سيم احترام المشاركة الشعبية وتجذيرها وتكريسها في التعديلات الدستورية التي أقرت عبر حوار توافقي وطني كرس المزيد من المشاركة والمسؤولية، وتكريس دولة القانون والمؤسسات، والعودة إلى مراجعة جادة وشجاعة لسد المنافذ على تشكيل الجمعيات سياسية على أساس ديني طائفي واستبعاد هذه الظاهرة عن المسار الديمقراطي التعددي الذي انتهجته البحرين، صونا له ودرءا لمخاطر الفتنة والفرقة والتعصب والتطرف، فإنشاء جمعيات على أساس ديني طائفي، هو ما يجر دوما إلى مهاوي الفتنة والتعصب، ولا يساعد أبدا على التقدم على طريق الديمقراطية الحقيقية.كما نحتاج اليوم أيضا إلى الشجاعة في رفض النماذج المسقطة والحلول الجاهزة ودروس الوعظ والإرشاد في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة والخاصة، مهما علا شأن صاحبها ومهما ارتفع ثمن الرفض، والتمسك بالمقاربة الوطنية التوافقية التي تأخذ بخصوصيات الوطن وتضع مصلحة البحرين والبحرينيين فوق كل اعتبار. والشجاعة في الجمع بين الذود عن كل المقومات التي تشكل الهوية الوطنية الممتدة والمغروسة في الأرض والتي يتوجب تعزيز مكانتها الطبيعية في المجتمع وفي السياسات، والانخراط في منظومة من القيم الإنسانية المشتركة تتصدرها قيم الحرية والعدل والتضامن والتسامح، والإيمان بأهمية إرساء الحوار بين الحضارات على أساس الاحترام المتبادل بينها. الشجاعة التي تساعد على التغلب على الصعوبات التي يطرحها الحاضر والإعداد على المدى البعيد لتحقيق تقدم البلاد وازدهارها، والثقة في الذات والثقة في المستقبل ووحدة الوطن وتكامل وتآلف عناصره، ولن يتأتى ذلك إلا بالتخلص من الطائفية، ولن يتأتى ذلك إلا بتقليص تأثير الطائفيين في المجتمع ليكونوا مجرد هامش.إن المجتمع الواثق بنفسه هو مجتمع قوي بهويته، قوي بثقافته. وهو مجتمع يتشكل وفق ما يتيحه لكل أفراده من ظروف للخلق والإبداع والحلم والطموح ورسم الأهداف والتوق إلى الأفضل وما يجيزه من إمكانات لتحقيق هذه الطموحات وبلوغ ما ينشدونه من أهداف. وهو مجتمع يشجع على الانفتاح على العالم الخارجي والإقبال على فرص الإثراء المتبادل، وإن ثقة المواطن بنفسه وبقدراته وبمستقبله قد أسهمت في حيوية هذا المجتمع وتقدمه، كما أن الإيمان بقدرات هذا الشعب الظاهرة والكامنة، قد تطلبت زرع الثقة في النفوس خاصة في وحدة الشعب وقدرته على تخطي هذه الأزمة وطي ملفها استنادا إلى الوطنية البحرينية وروح التسامح والتجاوز، وتحقيق العدل والإنصاف للجميع، والثقة في قيادة هذا الوطن وقدرتها على قيادة سفينة الإصلاح والتنمية، ثقة تقابلها القيادة بمزيد من الرحابة والانقطاع للعمل خدمة للإنسان.وإذا كانت ثقة القيادة في هذا الشعب متأصلة في الفكر والممارسة، فإن الخطاب السياسي والممارسة والقرارات اليومية تترجمها في مختلف الجوانب، ثقة بهذا الشعب واحتراما له ولتطلعاته المشروعة في المزيد من الحرية والمشاركة السياسية والعدالة الاجتماعية، كما تعكسها القرارات والإجراءات في شتى الميادين، وينطق بها أسلوب التعامل، كما أن هذه الثقة هي التي تغذي الخيار الديمقراطي التعددي الذي يتحقق في إطار تنافسي يتميز بالتسامح وضمان حق الاختلاف في الآراء والمواقف التي تتبناها مختلف الجماعات السياسية، وحرص كل منها على إقناع الشعب بوجهات نظرها من خلال الوسائل المشروعة والقانونية بوجاهة آرائها وحصافة مواقفها.
البحرين وتأسيس المرحلة المستقبلية
أخبار متعلقة