السوريون في اليمن.. هروب من دائرة الموت إلى مستقبل مجهول!!
استطلاع وتصوير/محمد فؤادتحتضن بلادنا بصورة مستمرة نحو مليونَي لاجئ أجنبي على أراضيها، ومعظم هؤلاء من الصومال وإثيوبيا، 250 ألفاً منهم فقط مسجلون رسمياً كلاجئين. يذكر أنه خلال العام 2012م، دخل بلدنا نحو 107 آلاف لاجئ بينما وصل العدد خلال الفترة الزمنية بين يناير و مايو من العام الجاري إلى 29 ألفاً، بحسب مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في اليمن.وتمتلئ شوارع المدن اليمنية الرئيسية، بمئات العائلات السورية التي فرت من النزاع الدائر في بلادها، قاصدة اليمن، رغم الانفلات الأمني وأعمال العنف شبه اليومية التي تشهدها تلك المدن.أما آخر موجات اللجوء إلى اليمن، فجاءت من سوريا وإن بأعداد قليلة مقارنة بموجات القرن الأفريقي، وقد سجل 600 سوري فقط، كلاجئين. بحسب المفوضية، حيث دخلت 315 أسرة سورية بلادنا مؤخراً عبر تركيا ومصر، إلا أن مصادر رسميّة يمنيّة تشير إلى أن عدد هذه الأسر بالآلاف.حول هذا الموضوع تلمست صحيفة 14اكتوبر أوضاع ومعانات طالبي اللجوء من السوريين فكانت حصيلة استطلاعنا كالتالي:[c1]مشهد تراجيدي يتكرر[/c]مشهد راح يسجل في شوارع مدينة عدن مقارنة مع أمانة العاصمة والمحافظات الرئيسية الأخرى وخلال الأشهر الأخيرة.، العشرات من أشقائنا الوافدين السوريين يهيمون وحيدين لا يجدون إلا أرصفة الشوارع عسى أن يحصلوا على بعض النقود يقتاتون منها وأطفالهم ، إلاٌ أن ذلك لا يسد عوزهم وما ترافقهم من ذكريات أليمه تختزنها ذاكرتهم وما شاهدوه من قتل ودمار لمنازلهم ومؤسساتهم وكل ما جاءت عليه الحرب. أن تلك الوجوه تترجم بصدق حجم المرارة والمأساة في بلدهم سوريا .من هذه النقطة لم تجد النساء والأطفال سوى التسول وبيع المسابح وزينات السيارات لتوفير ما يشترون به القدر اليسير الذي لا يسد الحاجة، انه لنفس المشهد يتكرر في (صنعاء، وتعز) الممتلئة بفقرائها ولاجئيها الداخليين والأفارقة ، ولكن الوضع بالنسبة إلى هؤلاء، لا يبدو واعداً بل أشبه بالهروب من الــ "رمضاء إلى النار" على حد قول البيت الشعري القديم.[c1]واقع يرق له الصخر[/c] خلال نزولنا الميداني للاماكن التي يتواجد بها اللاجئون السوريون في مواقعهم المعتادة وجدناهم يشكون بنظراتهم لسان حالهم وتقطع السبل في البحث عن لقمة العيش ومأوى يضم تلك الأجساد الهزيلة والرقيقة فكان لحرارة الشمس المحرقة نصيباً منهم ،معاناة ومرارة فراق ديارهم أكسبتهم صبراً وتحملاً لمواجهة مصيرهم المجهول الذي لا يرون غيره سبيلاً للنجاة من براثن الفقر وقسوة مخالب الحرمان التي مزقت شملهم دون سابق إنذار.اقتربنا منهم رويداً وكسرنا ذلك الحاجز لكي نعرف ونتلمس أوضاعهم على الواقع فوجدنا تلك الوجوه العابسة رغم ملامح الابتسامة المصطنعة ،فسألناهم عن معاناتهم وعن احتياجاتهم وأين يسكنون ومن الجهة التي تساهم في تيسير أمورهم المعيشية؟فمنهم من استاء وآخرون يبتسمون من سخرية أوضاعهم وكل أدلى بدلوه المليء بالكرب والمآسي والقهر من الواقع الذي صدموا به فلم يتصوروا يوماً ولو في أحلامهم أن يقفوا مذهولين غير واعين أحياناً ما الذي جاء بهم وكيف؟ وأين؟ ولماذا؟ أسئلة كثيرة لم يجدو لها تلك الإجابة التي قد تخفف عنهم معاناتهم، التي تحدثنا عنها أعينهم بنظراتهم الغارقة خلف أنين ووجع دفين ودموع جفت منابعها من الشكوى.[c1]معاناة ترويها أرصفة الطرقات[/c]هناك وجدنا منهم من اهتدى إلى مزاولة مهنة بيع المسابح وزينة السيارات وآخرون يتسولون على أرصفة الطرقات السريعة وخلف أسوار المولات، وبجانب نقاط التفتيش الأمنية على المداخل، تحيط بهم الأخطار غير المتوقعة منذ ساعات الصباح الأولى من بزوغ شمسنا إلى غروبها في غياهب المجهول ، ليتكرر يوم من مسلسلهم التراجيدي في مشاهد اشد وطأة من ذي قبل ،نراهم بين زحمة الطرقات والأرصفة تتأرجح أيديهم وأنامل أطفالهم المسمرة من لهيب الشمس ، تغازلهم الحاجة والخجل ..والحقيقة دائماً مرة " لا مفر من القدر" الذي رسم لهم طريقا بريشة فنان مجهول غير معلوم، كل ذلك من اجل توفير ألفي ريال تكلفة مكوثهم لليلة واحدة في أحد الفنادق في ضواحي مدينة عدن التي رغم آلامها وجراحها فتحت أذرعتها المضمدة لهم فهي دائما لا ترد من يلجأ إليها منذ القدم، فكيف يمكن أن يوفروا ذلك المبلغ في يوم واحد ومن أين يوفرون قيمة الطعام والمشرب؟.. ظروف إنسانية وأصوات تنادي بإيصال معاناتها الجهات المعنية بالموضوع ممثلة بالمفوضية العليا للاجئين بمكتبها بمحافظة عدن، فطرقت صحيفة 14اكتوبر أبوابها لتوصيل رسالة إنسانية تقدم بها اللاجئون السوريون إلينا لنعرف مالهم وما عليهم ونشكو لسان حالهم وما الذي يمكن أن تقدمه لهم المفوضية بالمحافظة كونها معنية بمثل هذه القضايا التي تخص طالبي اللجوء ،ولكننا لم نجد ما يشبع فضولنا الصحفي سوى عدم تواجد مدير المكتب إلى جانب سرية المعلومات والمركزية من المفوضية بأمانة العاصمة ..لذا خرجنا فارغي الوفاض دون شيء يمكن أن يطمئن هؤلاء اللاجئين أو على الأقل يخفف من معاناتهم وتشردهم للبحث عن سقف يؤويهم ويحميهم ويهتم بأمرهم وباللاجئين من الجنسيات الأخرى في بلادنا.[c1]لسان حال[/c][img]img_4466.JPG[/img]أم صفاء لاجئة سورية في التاسعة والعشرين من عمرها، فقدت لون بشرتها البيضاء جراء وقوفها الدائم تحت أشعة الشمس في أكبر شوارع مدينة عدن لبيع السبح (المسابح) وزخارف لزينة السيارات، لا للتسول مثل كثيرات من بنات بلدها المشردات في عدة دول عربية اللاتي دفعتهن الظروف إلى التسول.ولم تفقد أم صفاء الأمل عودة وشيكة إلى منزلها في مسقط رأسها في الغوطة في ريف دمشق، جنوبي سوريا، والذي غادرته قبل نحو ثلاثة أشهر، ، ويوميا، تقف في أحد الشوارع بوسط مدينة عدن من بزوغ الشمس حتى آخر ساعات الظهيرة، وما أن رأت سيارة فارهة، هرولت باتجاهها طالبة من سائقها أن يقتني منها ما تصنعه بيديها من سبح وزخارف زينة خاصة بالسيارات، فلم تكمل عبارة دخيلك (أرجوك) اشتري مني، التي وجهتها للسائق صاحب البنية الضخمة، حتى عادت مبتسمة إلى مكانها الذي اعتادت أن تقف فيه، مستظلة بلوحة إعلانية مغروسة في جزيرة الشارع، وبيدها 500 ريال يمني بما يعادل ( دولارين ونصف دولار) كقيمة لما باعت.يعيش اللاجئون السوريون في اليمن أوضاعاً إنسانية صعبة، جعلت الكثير من الفتيات والأطفال يلجؤون للتسول من أجل مواجهة تكاليف الحياة اليومية، في حين ترفض أخريات التفريط بـعزة النفس ولا تتقاضى نقودا إلا مقابل بيع شيء من بضاعتها، وتنفق أم صفاء بشكل يومي 2000 ريال يمني (ما يعادل 10 دولارات أمريكية) إيجارا لغرفة تقطنها مع طفلتيها، بأحد الفنادق على أطراف المدينة الذي تقيم فيه مع عدد من الأسر اللاجئة ، وتؤكد أن ما تبيعه من مسابح وزينة للسيارات المارة يومياً، يساعدها على كسب قوت يومها وعدم مد يدها للتسول.وتشكو أم جبران لسان حالها أنها بعدما فرت من سوريا توجهت إلى لبنان، رفقة طفلتيها إسراء (5 سنوات) وسناء (10 سنوات)، ولم تستمر هناك طويلاً بسبب المضايقات الكثيرة التي تعرضت لها، وتزايد الأنباء التي تؤكد تعرض بنات بلدها للتحرش هناك، فما كان منها سوى التوجه إلى اليمن، البلد الذي لا يحتاج السوريون لتأشيرة مسبقة لدخوله.وعلى الرغم من ثنائها على ما وصفته بـطيبة الشعب اليمني، إلا أنها تتوق للعودة إلى بلدها، حيث زوجها الذي لم يستطع السفر معهم بسبب عدم امتلاكهم لقيمة تذكرة طيران له، ينتظرها لتعود مع طفلتيه.[c1]قصور في المعلومات[/c]نرجو من المفوضية أن تعطي للقضية جل اهتمامها وتزويدنا بالتقارير والإحصائيات التي تفيدنا حول وضع اللاجئين السوريين باعتبار وسائل الإعلام تلعب دورا مكملا لتوصيل أهم القضايا الإنسانية ولن تنجح تلك الرسالة إلا من خلال التعاون والتسهيلات بين المنظمات الإنسانية ووسائل الإعلام.