أطفال يفقدون الأمان في منازلهم ويجدونه في مراكز الحماية
صنعاء/ بشير الحزمي:ثلاثة أطفال تتراوح أعمارهم بين (8 - 13) سنة منهم فتاة في العاشرة من العمر فروا مع أمهم من بيت زوج أمهم والذي يقع في محافظة نائية ليصلوا إلى العاصمة صنعاء هربا من بطش زوج الأم وتنكيله بهم بعد أن ذاقوا منه مرارة التعذيب تارة بالكي وتارة بالنار وتارة بالضرب بأسلاك الكهرباء وتارة بحرمانهم من الماء بعد إبقائهم لساعات طويلة تحت أشعة الشمس وغيرها من أشكال وأساليب التعذيب الأخرى المبتكرة التي يمارسها عليهم صباح ومساء كل يوم وفي كل وقت وحين كونه يعاني من حالة نفسية سيئة ، وتصل أساليب التعذيب إلى أشدها عندما يكون في حالة عصبية.. هؤلاء الأطفال وأمهم عندما شعروا أن حياتهم في خطر وعندما شاهدوا زوج الأم قد حفر بجوار منزله أربع حفر يريد أن يدفنهم فيها .. هل وهم أحياء أم بعد أن يقضي عليهم هم لا يعلمون .. وما كان منهم إلا أن عقدوا العزم وفروا جميعا مخلفين وراءهم ذكريات مرة ما تزال عالقة في أذهانهم وتعذيباً اليماً ما تزال آثاره ظاهرة على أجسامهم النحيلة حتى اليوم رغم مرور أكثر من شهرين على ذلك.. وصلت الأسرة إلى صنعاء ( ثلاثة أطفال مع أمهم) ونزلوا عند احد أقاربهم وهم في حال يرثى لها ويعانون من مشاكل صحية واجتماعية ونفسية .. هذا ما حدثنا به القائمون على رعايتهم في مركز الأسرة الذي استقبلهم ووفر لهم الرعاية والحماية ووجدوا فيه الأمان الذي فقدوه في منزلهم ، فعندما سمعوا من احد الجيران في الحي الذي نزلوا فيه عن وجود مركز الأسرة التابع لمؤسسة شوذب للطفولة والتنمية وهذا المركز يقدم الرعاية والدعم النفسي ويساعد من هم في مثل حالتهم اتجهوا إليه مستغيثين بأمل كبير أن يجدوا فيه الأمان وينسوا من خلاله ذكرياتهم الأليمة ، فما كان من المركز إلا أن استقبلهم وقدم لهم كل الرعاية والدعم النفسي اللازم وهاهم إلى اليوم تحت ظله يحظون برعاية واهتمام كبير .تحفظ من أجل مصلحة الطفلحاولنا الوصول إلى هؤلاء الأطفال أو إلى أمهم لنستمع منهم إلى فصول من معاناتهم المريرة غير أن إدارة المركز تحفظت كجزء من سياسة المركز في المحافظة على سرية الحالات التي يستقبلها وحفاظا على الثقة التي يضعها هؤلاء الأطفال وأهاليهم فيه .. فاكتفينا بالاستماع إلى قصة هؤلاء الأطفال من إدارة المركز والأخصائيين فيه وتعرفنا من خلالهم أيضا على مستوى الرعاية والاهتمام الذي قدم لهؤلاء الأطفال وغيرهم من الحالات التي يعانون من العنف أو الإساءة والاستغلال أو الإهمال ممن يستقبلهم المركز ويقدم لهم الحماية اللازمة حتى يتجاوزوا ما يعانونه . سياسة الحمايةفي بداية الأمر سألنا مسئول الحماية بمؤسسة شوذب للطفولة والتنمية ماجد الحميدي عن الأسباب التي تجعل من مؤسسة شوذب للطفولة والتنمية ومركز الأسرة يضعون الأطفال الذين يقدمون الحماية لهم في دائرة مغلقة يصعب على الإعلام الوصول إليهم فقال: قضايا الحماية من القضايا الحساسة داخل المجتمع اليمني، لان مجتمعنا مجتمع محافظ قد تكون الظواهر التي يتعرض لها الأطفال من انتهاكات وعنف واستغلال غير بارزة داخله ، لكن أثبتنا على الصعيد العملي من خلال عملنا مع الأطفال وقضاياهم أن هناك عدداً كبيراً من القضايا وخاصة تحرشات بعض الأهل بالأطفال وهي موجودة على الصعيد المحلي داخل أمانة العاصمة وفي مناطق أخرى. ونحن كمنظمة غير حكومية همها الرئيسي حماية الأطفال من التعرض لكافة أنواع الإساءة والإهمال والاستغلال ، انتهجنا سياسة معينة للحماية في المركز وهي تتيح لنا بنوداً معينة أولها أن يكون هناك محافظة للسرية للأطفال الذين قد يكونون تعرضوا لمثل هذه القضايا، من ناحية عدم كشف هويتهم أو وضع صورهم أو حتى في قضية توثيق هذه الحالات .وأضاف الحميدي بقوله : مركز الأسرة التابع لمؤسسة شوذب الذي يعمل في هذا المشروع الحماية منذ سنوات بالتعاون مع منظمة رعاية الأطفال الدولية هو الأول من نوعه على مستوى الجمهورية يعمل في مجال حماية الأطفال من التحرشات والإساءة والاستغلال ويقوم بعمل برامج تأهيلية. وما يزال المركز جديداً وبالتالي لابد أن يكون هناك مصداقية بيننا وبين الأهل وأن نحافظ من خلال السرية على الثقة المتبادلة بيننا وبين الأسر والأطفال أنفسهم من أجل أن نستمر في تقديم خدماتنا الإنسانية بنجاح بالتعاون مع منظمة رعاية الأطفال . وعن كيفية مساعدة الإعلام ليقوم بدوره في التعامل مع حالات العنف ضد الأطفال في ظل انتهاج هذه السياسة قال: يمكن أن يبين الإعلام مدى خطورة هذه القضايا من خلال الإحصائيات التي نحن ملزمون بتوفيرها والإفصاح عنها ، وما نريده من الإعلام هو تعزيز دور العمل بالرسالة الإعلامية الهادفة ، وهي أن يتعامل مع حالات العنف ضد الأطفال بالمهنية التي تجعل الأطفال وأهليهم أن يثقون بالمركز وبالعمل الذي نقوم به ولذلك نحاول على أن لا نخرج قضاياهم عن السرية وعلى الأعلام أن يقدر ويتفهم ذلك من أجل مصلحة الأطفال ومستقبلهم .أطفال يواجهون التعذيبوعن الحالات التي استهلينا موضوعنا بالحديث حولها تقول مديرة مركز الأسرة أمل المتوكل : هذه الحالات وهم ثلاثة أخوة كانوا يعيشون في محافظة أخرى مع زوج أمهم والذي كان يعانى من حالة نفسية فكان يربطهم على السطح ويضربهم بالأسلاك ويمشيهم بدون أحذية ويجعلهم لوقت طويل تحت أشعت الشمس بدون ماء ويقوم بصب الماء أمامهم دون أن يعطيهم منه وأعمارهم متفاوتة وكانت الأم عندما تدافع عنهم يضع الخنجر على رقبتها حتى يسيل الدم فلم تتجرأ على الدفاع عنهم وفي فترة من الفترات قام أخوهم الكبير وعمره تقريبا 13 سنه بتهريبهم من المنزل قاصدين مدينة صنعاء لان فيها من يلجؤون إليه من أفراد أسرتهم . وعندما أقاموا في صنعاء وأختلطوا بأناس عرفوا أن هناك مركز يقدم الحماية للأطفال المعنفين فأتوا إلينا .وأوضحت أن الأخصائية الاجتماعية في المركز قامت بدورها وعملت معهم جلسات استعادوا من خلالها الثقة بالنفس وتم إدماجهم في المركز وتم عمل جلسات توعية وإرشادات وتدريبات لهم وتم أيضا إدخال الجانب الترفيهي وقد شعرنا بالفرحة في وجوههم وعادت إليهم الابتسامة من جديد .تدريب الأمهاتوتضيف مديرة المركز بالقول: خدماتنا لا تقتصر على الأطفال المعنفين فقط وإنما أيضا نقدم خدمات أخرى للأمهات فيوجد لدينا في المركز معمل خياطة إنتاجي وتعليمي ، ستهدف من خلاله الأمهات الأكثر فقرا ممن تكون حالتهن الاقتصادية صعبة أو التي تكون هي العائل الوحيد للأسرة فيتم تدريبهن على الخياطة ، فيكون فيما بعد مردود هذا العمل كتدريب أو كإنتاج داخل المركز (العائد المادي) على العائلة نفسها التي تكون متضررة أو محتاجة . وفي حالة الأطفال الثلاثة الذين استقبلناهم تم عرض إمكانية قيام المركز بتدريب أمهم على الخياطة حتى تستطيع أن تكتسب مهارة في مهنة تعود بالمنفعة عليها وعلى أطفالها . وقالت أن أكثر الأمهات اللاتي يتلقين التدريب على الخياطة في المركز يكون لدى أطفالهن مشكلات ويكن بحاجة إلى هذا التدريب.ولفت إلى أن المركز يستهدف الأطفال دون سن 15 سنة بشكل عام ومن مختلف الفئات والشرائح ويقدم لهم الرعاية النفسية والاجتماعية ويقوم بتوعيتهم بقضايا ومجالات تتعلق بحياة الطفل وحقوقه ومجالات تنموية وتأهيل قدرات.وأكدت أن لدى المركز كادراً من الأخصائيين المتميزين والمتطوعين الذين يقدمون خدماتهم للأطفال بمهارة واقتدار كبير وقد استفاد أكثر من خمسين حالة من خدمات المركز خلال الفترة القصيرة الماضية حيث تم معالجة مشكلاتهم بشكل نهائي وما تزال هناك حالات عديدة في طور المعالجة .وأوضحت أنه لم يكن من السهل اكتشاف أي حالة إلا بعد عمل جلسات توعية للطلاب عن ما هو العنف وما هي أسبابه وكيف يمكن للطالب أن يتخذ أسلوباً للتبليغ ، وعند من يُبلغ ولمن يضع ثقته في هذه الحالة دون أن يتعرض لأي خطر وبعد عمل هذه الجلسات داخل المركز لوحظ إقبال شديد من بعض الطلاب والطالبات إلى الأخصائية النفسية لأنها من كانت مختصة بهذه الجلسات ، فكان الطالب يشرح للأخصائية النفسية ما حصل له بالتفصيل . أخصائية اجتماعيةوتقول الأخصائية الاجتماعية في مركز الأسرة منى هادي هؤلاء الأطفال الثلاثة موجودون لدينا منذ حوالي شهرين ونحن الآن في طور التدخل . وبالملاحظة وجدنا أن الأطفال عليهم آثار تعذيب وتصرفاتهم غريبة وعندما سألناهم وعملنا معهم مقابلات اكتشفنا أنهم يعانون من هذا التعذيب ، ونجن في المركز نقدم للطفل المعونة ونحسسه بالأمان ونخرج الطاقة التي عنده وهنا يشعر بالأمان.وأضافت بالقول : في البداية كانت الحالة النفسية لهؤلاء الأطفال سيئة وكانوا منعزلين مع بعضهم ولا يختلطون مع الآخرين ونحن عندما أدخلناهم المركز خلطناهم مع الطلاب وأشركناهم في أنشطة مع الطلاب ، ولأنهم في الأصل غير متعلمين بدأنا نهتم بهم ونعلمهم وبدأنا نكتشف المواهب التي عندهم وقد تحسنوا بشكل كبير. ففي البداية كانوا عدوانيين والكل يشتكي منهم، أما الآن فقد تحسنت أحوالهم، أي تصرف خاطئ وإن كان بسيطاً فإنهم يقومون بالاعتذار عنه ، وقد أصبحت علاقتهم بالطلاب الآخرين أحسن وعلاقتهم بالآخرين صارت فيها فيها احترام ، وتغيرت تصرفاتهم بشكل كبير حتى أهاليهم لاحظوا ذلك.وقالت : نحن كأخصائيين اجتماعيين نشاركهم في الأنشطة ونبدأ نشارك الحالة لكن عندما نتعمق مع الحالة تتولاها الأخصائية النفسية لأنها تدرس كل الظروف المحيطة بها وتقدم لها الدعم النفسي.وأوضحت أن المركز يقدم خدمات صحية للأطفال المعنفين والذين يعانون من مشاكل صحية من خلال إحالتهم إلى المستشفى حتى يتعافوا . وأن أي طفل يستقبله المركز ويكون لديه مشكله صحية ويحتاج إلى تدخل يتم استقباله وإحالته إلى المرفق الصحي .أخصائية نفسيةأما الأخصائية النفسية في المركز أفراح عبدالسلام عز الدين السروري فقد تحدثت بدورها قائلة : نعمل في المركز جلسات توعية وجلسات حماية للأطفال.. كيف يحمى الطفل نفسه من العنف بأشكاله المختلفة ، ونوعيهم في جوانب التنمية البشرية.. كيف يدير الطفل وقته وكيف يتخذ القرار الصحيح ، ونعلمهم أساليب المذاكرة وأيضا حقوق الطفل المختلفة، ونحاول أن نعمل لهم جلسات أسبوعية ومن خلال الجلسات والمناقشة والحوار بين الأطفال والأخصائيين يتم اكتشاف بعض الحالات ونحاول أن نبحث عنها. ومن خلال طمأنتهم والثقة والسرية التامة التي ننتهجها بين الأخصائي والطفل نستمع إلى الطفل ويكون هناك تجاوب كبير معنا . وفي بعض الأحيان تكون الحالات صعبة ولا يمكن التدخل للأسرة مباشرة إلا من خلال استدعائهم وعمل جلسات وننبههم ونعمل لهم إرشاداً اسرياً تربوياً ومعنوياً حتى نتمكن من الحد من هذه الظاهرة ، لكن أن ندخل مباشرة إلى بيئة الطفل فهذا مستحيل لان هناك صعوبات بين الأسرة والطفل نفسه.وأضافت بالقول: في كثير من الحالات يكون للأسرة دور كبير ومهم أكثر من دور المركز .وأوضحت أن الحالات الثلاث للأطفال الذين تعرضوا للتعذيب و استقبلهم المركز وهم في عمر 8، 10، 12فقد كانت آثار التعذيب واضحة في أجسادهم وعندما جلسنا معهم تحدثوا إلينا عن مشكلتهم ولم يكن لديهم أي خوف من أن يتحدثوا ، وقد قالوا أن أمهم تزوجت بعد وفاة أبوهم وبعد فترة قصيرة قام زوج الأم بتعذيبهم لأنه كان مريضاً نفسيا وفي بعض الأحيان يكون في حالة هدوء لكنه في الغالب يكون متعصباً وعندما ما يكون متعصباً يستخدم معهم جميع أشكال التعذيب الجسدي. حتى انه حفر لهم أربع حفر لثلاثتهم مع أمهم ليدفنهم فيها لكن تدخل الولد الكبير البالغ من العمر 13 عاماً في الوقت المناسب بأخذهم بعيدا عن البيت والهروب إلى صنعاء.وقالت : نحن في المركز نقدم لهؤلاء الأطفال الدعم النفسي بعد أن نعمل اختبارات مقاييس نفسية واختبارات إسقاطية تكشف عن التحرشات الجنسية واختبارات متعددة الأوجه تكشف عن حالات الاكتئاب أو الانطواء والعزلة والكذب والمشاكل الأسرية ومن خلال هذه الجلسات تحدد المشكلة ونبدأ بالمعالجة خطوة خطوة، حيث يوجد علاج سلوكي وعلاج معرفي ، فالسلوكي هو التصرفات والسلوكيات اليومية وكيف يتقبل ويمشي مع الآخرين وكيف تكون تصرفاته وكيف يتكيف مع الوضع الذي هو فيه، أما العلاج المعرفي فكيف تحاول أن تغير الفكرة التي عنده.مشروع لحماية الأطفالوفي الختام تقول المدير التنفيذي لمؤسسة شوذب للطفولة والتنمية مريم الشوافي مديرة مشروع الحماية أن مشروع حماية الأطفال المعرضين للعنف والإساءة والاستغلال والإهمال نفذ خلال الفترة الماضية العديد من الأنشطة والفعاليات والتي كان من أبرزها إنشاء وتشغيل مركز الأسرة بالعاصمة صنعاء وتجهيزه بالمتطلبات الأساسية وافتتاحه رسميا ، وقد شهد المركز إقبالاً كبيراً منذ اليوم الأول لافتتاحه ويقوم بتقديم الخدمات اللازمة في مجال التأهيل النفسي ونشر الوعي المعرفي في أوساط الأطفال بكيفية حماية أنفسهم من الإساءة إضافة إلى برامج وأنشطة تدريبية للأمهات وغيرها من الأنشطة الموجهة للمرأة والطفل.