علي الذرحاني قبل مدة ليست بالقصيرة كتب صاحب هذا المقال مناشدة الى رئيس جامعة عدن يحثه فيها على التفكير بإنشاء قسم أو شعبة للفنون الجميلة في جامعة عدن ، لأننا اليوم في زمان يتحدثون فيه عن تكامل المعارف والعلوم والفنون وكافة الرياضات البدنية التي تعمل على تكامل شخصية الإنسان الحضاري والرفع من مستواه اجتماعياً وفكرياً وذوقياً وبدنياً وصحياً وسياسياً .. الخ. والى وقت قريب كانت جامعة عدن بلا قسم للفنون الجميلة وكأنها كانت كالجسد المشلول الذي ينقصه شيء؛ فيها معظم التخصصات باستثناء الفنون الجميلة التي تسمو بذائقة الأجيال وتهذب وجدانهم وتكسبهم رهافة في أحاسيسهم ومشاعرهم وتصنع منهم اناساً مبدعين وكوادر أصحاب مبادرات وابتكارات ومخترعات وأصحاب رؤية وكشف. وقبل مناشدتي لرئيس جامعة عدن بإنشاء قسم أو شعبة للفنون في الجامعة كنت قد طرحت هذه الفكرة على الزميل والفنان محمد عبده دائل عندما كان منتدباً من مكتب الثقافة بعدن إلى كلية الهندسة لتدريس مادة الرسم الحر بالكلية وقلت له : بحكم علاقاتك الطيبة مع رئيس الجامعة حينها كان الأستاذ الدكتور / صالح باصرة وكان نائبه في ذلك الحين هو رئيس الجامعة الحالي الأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن حبتور فأعجب الزميل والفنان والدكتور محمد عبده دائل بهذه الفكرة وقال لي أنها في باله وتشغله منذ أن التحق بالجامعة وهي هاجسه مثل ما هي هاجسي ويتمنى أن تتحقق قريباً وترى النور خاصة وأن هناك جامعات حكومية وأهلية حديثة النشأة ولم يتجاوز عمرها أصابع اليد وتوجد فيها كليات فنون جميلة وتربية فنية وأقسام فنون جميلة بينما اعرق جامعتين في اليمن في عدن وصنعاء ليس فيهما قسم أو شعبة فنون جميلة وربما يعود السبب في ذلك إلى وجود أناس داخل الجامعة يرون أن الاهتمام بالفنون هو اهتمام بشيء من المحرمات . ومرت الأيام حتى رأينا وسمعنا خبر إنشاء قسم فنون جميلة في كلية الآداب - جامعة عدن وكل هذا تحقق بجهود حثيثة قام بها الفنان محمد دائل الذي سيدخل التاريخ بصفته المؤسس التدشيني لقسم الفنون الجميلة بجامعة عدن. وقبل أن يولد هذا القسم الفني والتخصصي بكلية الآداب كان الزميل محمد دائل قد وجه لأكثر من فنان تشكيلي في عدن دعوة الانضمام إلى الهيئة التدريسية التي ستتولى عملية التدريس في هذا القسم الوليد وكنت احد أولئك المدعوين في هيئة التدريس برغم صغر حجم مؤهلي الجامعي الذي لا يتعدى البكالوريوس وهذا معناه أن هذا القسم في حاجة ماسة إلى دعم جامعة عدن ورفد القسم بأساتذة كبار أصحاب مؤهلات جامعية عالية متخصصة في كافات مجالات الفنون الجميلة سواء كانت تشكيلية أو مسرحية أو موسيقية .. لقد كان لي شرف تلبية دعوة رئيس قسم الفنون الفنان والدكتور محمد دائل بزيارة القسم في كلية الآداب بخورمكسر وشاهدت طلاب القسم وهم في فناء كلية الآداب منهمكون في الرسم أمام « سانداتهم » أو حوامل لوحاتهم يعبرون عما يجيش بدواخلهم ويتنافسون في اكتساب وتجويد أسس ومبادئ وأبجديات الرسم والتصوير واكتساب تقنياته المختلفة خاصته الرسم والتصوير الأكاديمي الصارم .. تراهم في فناء كلية الآداب وكأنهم كالفاكهة وسط مائدة الطعام المتنوع والشهي التي ينقصها الحلويات فكانوا هم فاكهة المائدة بل وزهرتها الفواحة البهية وسكرياتها. إن هذا القسم الفني المتخصص يحتاج من جامعة عدن المزيد من التركيز عليه والاهتمام به أكثر فأكثر لان الشعوب المتقدمة والمتحضرة والمتطورة يعود سبب تقدمها وازدهارها إلى أخذها بأسباب العلم والمعرفة والفنون والتكنولوجيا والرياضات البدنية والتركيز على مراكز الأبحاث والدراسات الرصينة . ومن الأساليب التي يمكن بواسطتها الاهتمام بهذا القسم أن تحاول جامعة عدن البحث عن مقر مناسب وواسع للقسم لكي يتهيأ ويتأهل في المستقبل ليصبح كلية مستقلة للفنون الجميلة تشمل فنون الرسم والمسرح والموسيقى والعمارة والديكورات وفنون الحاسوب وغيرها من الفنون المعاصرة والحديثة ويا حبذا لو يتم التنسيق بين وزارة التعليم العالي ووزارة الثقافة لتحويل وانتقال معهد جميل غانم للفنون الجميلة إلى كلية فنون جميلة تتبع جامعة عدن لان هذا المعهد الرائد في السبعينات والثمانينات قد أهمل كثيراً وتدهورت أوضاعه حتى صار كالخرابة التي تنعق فيها البوم وتعيش فيها الكلاب والقطط والأغنام ولا يوجد فيها الآن إلا طلاب لا يتجاوزون عدد أصابع اليد في معهد فني طويل وعريض ومن دورين ناهيك عن الدور الثالث «البدروم» . أنني اشد على يد الزميل والفنان محمد دائل الذي حاول جهده بأن يصبح هذا القسم حقيقة ملموسة ويكفيه فخراً انه المؤسس التدشيني لهذا القسم بمساعدة رئيس جامعة عدن وهو الآن يحاول أن يصنع فيه شيئاً جميلاً في الوقت الذي تمر فيه البلاد بأوضاع لا تحسد عليها وكأنه يريد أن يقول للعالم دعونا نحلم ونصنع وردة جميلة تطمس القبح الذي يسود هذا العالم في الوقت الراهن ونشاهده من خلال القتل وسفك الدماء والتدمير والاغتيالات وإهلاك الحرث والنسل والفساد في الأرض وسيادة الحقد والكراهية والبشاعة والقمع وظلم واستبداد الإنسان لأخيه الإنسان .. وكأن ميلاد هذا القسم الجميل هو زهرة أو رسالة جميلة متفتحة في وجه أعداء الحياة وأصحاب النفوس المريضة والمعقدة والمتحجرة التي لا تعرف سوى اليأس والإحباط والقنوط وكل أشكال القبح والشناعة والبشاعة والتدمير.
|
ثقافة
الفنون الجميلة في الآداب فاكهة جامعة عدن
أخبار متعلقة