محمـــد حسنيــن هيـــــــــــــــــكـل فــي حــوار صحــفـــي جــديـــد:
* اجرت الحوار : لميس الحديدي:في حلقة جديدة من حلقات (مصر أين وإلى أين)؟ مع الكاتب الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل، والتي تقدمها الإعلامية لميس الحديدي على قناة cbc المصرية ، تحدث الكاتب والصحفي الكبير محمد حسنين هيكل مساء الخميس الماضي عن عمق مصر الاستراتيجي وصورة من صور الالتحام الثقافي والتاريخي كانت عن سوريا والإقليم.. صراع المصالح والاستخبارات والصراع الدولي بين الحاضر والتاريخ...تاريخ هذا الصراع ومستقبله وسلط هيكل أضواء كاشفة على الأزمة في المنطقة العربية ودورها في النظام العالمي الجديد الذي يعيش طور تشكله بآليات جديدة ومراكز قوى عالمية تقوم على المشاركة أكثر من المغالبة، مشيرا إلى أن ملامح القوى الجديدة في العالم آسيوية بامتياز تتصدرها الصين وروسيا وقد تلحقهما الهند، وبين هذه اللحظات الفاصلة يتحدث عن الأزمة السورية والحلول المقترحة فضلاً عن إماطة اللثام حول لغط زيارات عمرو دراج ومحمد بشر له..* نبدأ بما رشح عن لقائك بقياديي الحرية والعدالة، محمد بشر وعمرو دراج؟** في العادة لا أرد على تليفونات مجهولة، صباح الأحد الماضي رن الجرس الثالثة ظهراً، لم أرد، رن ثانية ثم ثالثة، فقررت الرد، لأني شعرت بأن ثمة شيئاً مهماً، فوجئت بالدكتور بشر، وأنا أسمع عنه جيداً ولم ألتقه. بدأ يتحدث عن برقاش، وقال: الإخوان ليسوا طرفاً، ونحن على استعداد أن نشترك في التحقيقات لكشف الحقيقة. لم تتجاوز المكالمة الدقيقة والربع، قلت له: لن نستطيع النقاش عبر التليفون، لنلتق ونتناقش، واتفقنا على الثلاثاء. جاء في موعده، وفوجئت بأن معه الدكتور دراج، رحبت بهما، وبدآ حديثهما بمجموعة رسائل، أولاها من المستشار أحمد مكي، أتحدث بدقة لأني معتاد على كتابة ملخص أي لقاء. الثانية عتاب من الدكتور هشام قنديل على حديثي معك عن تفاصيل المقابلة، يبدو أنه شعر بأني تحدثت باستخفاف، وهذا ليس صحيحاً، ثم بدأ «بشر» يتحدث عن برقاش وعن الأحوال الجارية، وفضلت الاستماع لوجهة نظرهما، ولم يتحدثا عن الحرية والعدالة نهائياً. فوجئت بالضجة التي قامت حول اللقاء، على طريقة رواية شكسبير «ضجة كبيرة على شيء لم يكن».* هل تقصد أنهما كانا ممثلين لنفسيهما؟** الحديث كله عن برقاش وفقط، لنفي اتهام الجماعة بحرق برقاش. وأنا مستعد لقبول ذلك، لأني أسمع عنهما كل خير. المهم حينما استخدم «بشر» تعبير «انقلاب»، قلت له: أرجوك لا أريد أن أسمع كلمة انقلاب، ولا أريد الحديث عن أمور تجلب الاختلاف، لأن ما جرى في مصر أكبر كثيراً وأعقد من أن يكون انقلابا. تحدثا عما سمياه شرعية، فقلت: الكلام عن الشرعية فيه قسوة، والشرعية بالتأكيد تختلف عن وضع اليد، واستفضت في معنى الشرعية، ثم قلت لهما إن بداية الأزمة أنكم رفضتم مطلباً شعبياً واضحاً وهو الاستفتاء على الرئاسة المبكرة، وهذا عقد الأزمة. قالا: لم نرفض، الجيش اشترط أن يتم ذلك خلال 10 أيام، والدكتور مرسي رأى أن يتم بعد الانتخابات البرلمانية. استشهدت بديجول عام 68، حين أحس من مظاهرات الشباب بأن ثمة تمردا على شرعيته، فطرح نفسه للاستفتاء وفاز بنسبة 54 %، وهي نسبة كافية لطمأنته، وأعلى مما فاز به مرسي، مع ذلك وقف وسط الناس، وقال: «في ظل هذا الظرف القاسي على فرنسا لا أعتبر هذه النسبة كافية لتثبيت حكم»، وغادر إلى قريته واعتزل الحياة. ثم شددت على 3 أشياء رئيسية: هناك جمهور واسع جداً خرج يطالب برئاسة مبكرة، وأنا أتفهم عقلية أن أحداً يصل للسلطة بعد يأس طويل وفي ظرف لم يتخيله وليس من صنعه، لأن 25 يناير أكبر بكثير من الإخوان، وهذه الأوضاع لا تحتمل الحديث عن وضع يد واستيلاء، لأنه هنا أشبه بالغزو.* هل تحدثت معهما عن العنف؟** نعم، أحكي وأمامي ما كتبته. تحدثا عن اعتقالات، فقلت لهما ابحثا عن حل. ردا بأنهما يعرفان هذه الأمور كلها فقلت لهما إذاً فلتبحثوا عن الحل فقالا: نحن نعرف أن الفريق السيسي قابل للتفاهم. قلت: ضعا في اعتباركما أن هناك إرادة شعبية ورفضاً قاطعاً للمصالحة. قالا هذه حملات كراهية. وتحدثت عن أهمية الحفاظ على الجيش بوصفه الحائط الأخير للبلد. كانا يستمعان جيداً، وكان واضحاً جداً أن اللقاء ليس به أي تفاوض. هما قالا: مع من نتخاطب ونتحدث ونحن قادتنا في السجون؟ وأنا أعلم أنهما ليسا مفوضين ولا يمثلان أحداً، ولا أنا أمثل أو أتفاوض عن أحد.* هل طلبا منك وساطة؟**لم يحدث، الدكتور بشر قال إنهما لم يحملا مبادرات من أحد، ولا هو حمل مبادرات من طرف آخر، وهذا توصيف منصف للقاء. الالتباس جاء من قولهما إني طلبت لقاء ممثلي الحرية والعدالة، وهذا لم يحدث، لم يرد اسم الحزب خلال حديثنا نهائياً.* كيف قرأت طريقة حديثهما ورد فعلهما؟** الحوار نفسه كان عادياً، هما يتحدثان عن موقف جماعتهما، وأنا أتحدث عن محظورات متربصة بالبلد، مع ذلك طوال الليل جميع الناس يهاتفونني، وأظن أن أناساً أكثر هاتفوك، وكأن ثمة مفاوضات تجرى خلسة، وهذا لم يحدث، الموضوع كان عن برقاش لا عن شيء آخر. أعتقد أنهما سعيا ليضعا وجهة نظرهما أمامي، وأنا مجرد استطلاع للآراء، وهذا كله مشروع، لكن الضجة التي أثيرت على لا شيء أقلقتني، لأنها دليل على أن البلد مستثار جداً والشكوك غالبة على الناس.* هل شعرت بأنهما مازالا تحت تأثير صدمة ما حدث؟** فترة الصدمة مرت، نحن أمام طرف يبحث عن مكان له في مستقبل، يتصور أنه له مكان فيه. حتى خلال حديثهما عن الشرعية، كان واضحاً جداً أنهما مسلمان بأن العودة لما سبق غير ممكنة، وأن ثمة حقائق فرضها خروج ملايين الناس. أعتقد أن الفترة التي سبقت الخروج، عام بأكمله، تشير إلى أن حتى وضع اليد غير قادر على التصور هنا، فوضع اليد سهل على الأرض، لكن وضع اليد على بلد بشعبه وثقافته وتاريخه وحضارته أمر صعب. الدلائل أثبتت أنهم لا يعرفون شيئاً عن العالم ولا عن إدارة الأوطان، الأمر لهم أشبه بشهوة تملكت أحدهم لشيء ناله في ظرف معين، ولا يريد التخلص منه.* إذاً هم يبحثون عن ثغرة حوار مع المجتمع أو القيادة؟- القيادة، لست أنا طريقها. والمجتمع قد أكون طرفاً فيه. هم خرجوا من الصدمة، لكنهم لم يستوعبوا تداعياتها. أراهم في فترة ما بعد الزلزال، تحت وطأة توابعه.* هل يعون وجود رفض شعبي متزايد ضدهم؟** مازالوا يخلطون بين الإخوان والإسلام، وأن ما يرونه اعتداء عليهم تم على الإسلام نفسه. أنا لا أستسيغ ما حدث في المنيا، هذا شق يُراد إحداثه بين طوائف الأمة، هذا شق كان مفهوماً حدوثه في القرون الوسطى. وأيضاً إرباكهم المتعمد لحركة الشارع.* ألم تشعر بأن مراجعة فكرية تلوح في الأفق؟** هناك بداية لها، لكن أظن أنهم عاجزون عن تصور المستقبل، ومازال رهانهم الرئيسي هو البلبلة حول الدستور وإرباك المرور في الشوارع. هذا جزء من الأوهام، فهم يعتمدون على فكرة راسخة، ويتصورون أنها سندهم، ولديهم خلط بين الوطن وما هو خارج الوطن، بين الوطن والدين، فالشعب يرفضهم، لكنهم يتصورون أن لديهم سنداً من شيء أكبر وأعلى.* وماذا عن العنف ضد الكنائس، وسيناء، والمظاهرات المسلحة، والعنف ضد الناس؟** يتصورون أن خلفها أطرافاً أخرى، فكرة المظلومية ثابتة باستمرار. عندما تحاول الناس أن تكون عنيفة ويرتد العنف عليهم بشكل أو بآخر، فهم يلجأون لفكرة الشهادة والاضطهاد والمظلومية. الغريب جداً أن هذا يترافق مع الاعتماد على الموقف الإقليمي والدولي، ألمحا لها لكن لم تقل صراحة. سألتهما ألا تتصلان بأحد؟ قالا إنهما كانا يتصلان فيما مضى بشيخ الأزهر واللواء محمد العصار. الآن توقف كل شيء بسبب ما يعتبرانه تعنتاً وانقلاباً. عامة مع الإفاقة من الصدمة، يبدأ الناس في رصد خسائرهم وتحديد مواقعهم. هم لم يبدأوا بعد، وهؤلاء يحتاجون لوقت ليشفوا من أثر الصدمة، ولا أعرف كيف يمكن للمجتمع أن يتيح لهم هذه الفرصة؟* ثم؟** أي حوار مع الإخوان، الآن، خطأ وبلا فائدة. اتركي الأبواب مفتوحة، أرسلي لهم ما تريدين، لكن مسيرة المجتمع لابد أن تمضي، في الأمد القصير، دون أي اعتبار، إلا سلامة البلد، التي أراها معرضة لخطر كبير جداً، ولم يعد في وسع أحد أن ينتظر حتى يتحقق الوفاق.* نأتي لسوريا، لنبدأ من مشهد المبادرة الروسية، هل هي لتعطيل الضربة العسكرية؟** مشكلة سوريا أن الحديث هو عن خيارات سيئة أو أسوأ، نختار ما بين الكارثي والمأساوي. فلا النظام ولا المعارضة يمكن الدفاع عنهما، كلاهما يلعب بأقدار البلد، الذي أراه، ومستقبله في خطر، وخلفه مستقبل الأمة. بالنسبة لموضوع الأسلحة الكيماوية، لنتذكر أنه عندما بدأ السباق النووي في الخمسينيات والستينيات، وبدأت محاولات الحد من انتشاره، من أنتجه اكتفى بما عنده، ومن حاول ووجد صعوبة وجد في الغازات السامة والبيولوجية سلاح الفقراء لردع السلاح النووي، هكذا لا توجد دولة عربية واحدة لم تنتج أسلحة كيماوية أو بيولوجية، كلها لديها مخزون منها.* بما فيها مصر؟** بما فيها مصر.. لأنها أسلحة كان من السهل إنتاجها، بمساعدة خبراء ألمان هاربين، مثل الدكتور بيرز الذي جاء إلينا، وعمل في قطاع الصواريخ ثم ذهب للصين.* هل هذا مازال مستمراً؟** الكل أنتج ثم ادرك أن هذا لا يجدي، لكن حمولة كبيرة منها، وبالطبع القضية في سوريا، أصلاً، ليست السلاح الكيماوي. هناك مشكلة يراها النظام أمنية، ولا يستطيع إنهاءها، ويراها الطرف الآخر تحتاج حلاً عسكرياً، لكنه لا يستطيع ذلك. في أراضيها ما بين 60 - 70 ألف مقاتل من 48 جنسية. بدأت بالتأثر بالربيع العربي، وحدثت مشاكل في دمشق ودرعا، والنظام لم يحسن التعامل معها، ولم يستمع «بشار» لنصائح كثيرين، ورد بالمقولة الشهيرة: «مصر ليست تونس.. وسوريا ليست مصر»، لم يدرك أن لدينا موجة عاتية من الرغبة في التغيير، وإن افتقدت الرؤية والبرامج والقيادة، المهم أن الحالة الثورية دعت كل الأطراف إلى الخطأ في الحسابات، ورغم ما رأيناه على مدار العامين ونصف العام، من تدفق السلاح والمقاتلين، فمازالت هناك دولة وشعب يدافع عن هذه الدولة، بشكل أو بآخر، فهناك حدود مفتوحة، ويصعب غلقها.* وماذا عن مشكلة هذه الأسلحة في سوريا؟** المعارضة مصرة على جلب التدخل الخارجي بأي شكل، في المرة الأولى، قيل إن النظام هو من استعملها، ثم ثبت أن ذلك غير صحيح. هذه المرة تكرر ذات الاتهام، وأنا أشك في ذلك لعدة أسباب:أولها: أن النظام لم يكن في حاجة لها، بعد انتصاره في معركة القصير، الذي يمكنه أن يبنى عليه، وقد اقترب من إعلان انتصاره.ثانياً: ثبت أن الشريط الرئيسي الذي استعمل في إدانة النظام أذيع، قبل المجزرة بيومين أو ثلاثة، على «يوتيوب»، وأن هناك أشرطة سابقة أو مزورة، ولو كان الأمريكان متأكدين لكان موقفهم أقوى 100 مرة. الواضح أن أطرافاً تضغط على أوباما للتدخل في دمشق، كما ضغطت للتدخل لدعم مرسي.ثالثاً: المراقبون تواجدوا، قبلها، في بعد لا يتجاوز 30 كلم عن موقع المجزرة.لا أعتقد أن أوباما يريدها، لأن العالم كله يسأل: وماذا بعد؟ الأمريكان وأوروبا، بينما عناصر التكفيريين والجهاديين وجبهة النصرة هي الأكثر بروزاً في الصورة، وخلافاتهم الداخلية أكبر منها مع النظام. موقف في غاية الصعوبة، إذا ما وجهت الضربة وسقط النظام، سيتأثر كل مكان بالمنطقة، فرغم أن كل رئيس أمريكي، بموجب ثقافتهم، يبحث عن حربه، وعن فحولته، تردد أوباما وأرسل الكرة للكونجرس، رغم أن لديه الصلاحيات الكاملة لفعلها، لماذا؟ لأسباب كثيرة، أولها.. سؤال ماذا بعد؟ ثم قوة روسيا القادمة وبشدة.ثالثاً: الصين التي لم يتوقف أحد عند حجم التواجد الصيني في إيران، التي تصدر كل بترولها لبكين. رابعاً: الشعب الأمريكي لا يريد حروباً، وهذا موضوع طويل. لكن أيضاً أنت أمام رئيس ليس واثقاً من نفسه وهو في مدته الثانية، رجل في مأزق ولا يعرف كيف يتصرف.* وجاءت المبادرة الروسية كمخرج من الأزمة؟** هي مبادرة أمريكية أصلاً.* لأنها صدرت على لسان «كيري»؟** «كيري» قالها علناً، وكانت أساس المفاوضات مع الروس في قمة العشرين. أتعجب من أن عرباً محبطون، لأن أوباما لم يستجب للضربة، لماذا نفكر، دون عقل، وبثارات قديمة لا نعرف مبعثها، دون أن نجيب عن سؤال ماذا بعد؟ غريب جداً أن نلحظ أن الموقف البريطاني كان رئيسياً في ضربة العراق، ثم ليبيا، لأنها مستعمراتهم القديمة، ثم نجد الجزء الذي اقتطعه الأمريكان من التقرير المقدم لمجلس الأمن.. قالوا (بناء على معلومات فرنسية)، وهذا دليل على أنها ليست من عندهم، ويبدو أنها مستقاة من إسرائيل. على الكل أن يقف ويتنبه: ماذا فعل بالعالم العربي؟ دعينا نعود إلى بريطانيا وفرنسا، ونحن أمام عالم جديد يتشكل الآن.* هناك نظام عالمي جديد؟** نعم، ممكن أن يطلق عليها شراكة عالمية، لأن الحديث عن النظام يعكس وجود قيادة، لكن نحن أمام مرحلة تشكيل في طور ترسيم ملامحها، من لهم قيمة في هذا التشكيل هم الأقوى على مواجهة المستقبل، أمريكا بالتأكيد، لكن بطريقة أخرى، فبدلاً من هايبر باور، تنازلت إلى سوبر باور، وبدلاً من أن تنفرد بالقوة والقيادة، تكتفي بمقعد القائد، لأنها لا تستطيع أن تحتفظ بما اعتادت عليه بأوضاعها الاقتصادية الحالية، ومع تنامي قوة روسيا والصين، فالقرن القادم «آسيوي»، فالهند تلحق بهما. إنجلترا وفرنسا تملكان ذكريات الإمبراطورية، بدون وسائلها، وهما تحاولان عن أمريكا. قد يكون لأوروبا الموحدة مكانها في المستقبل، حلف الأطلنطي، لكن ليس دولة منها وحدها.* والعرب؟** نحن من استدعينا التدخل الأجنبي، منذ عام 74 ونحن نتصور أن الحل لدى أمريكا، وحتى عندما حاول الاتحاد الأوروبي التدخل في أزمات الشرق الأوسط، كان يقال لهم: «من فضلكم لا تتدخلوا وتفسدوا اتفاقاتنا مع أمريكا، هي تقدر وأنتم لا تقدرون». الرئيس «ميتران» قال لي: «باريس ليست محطة للسفر من القاهرة إلى واشنطن، دورها أكبر من ذلك». والغريب جداً هو ما مصلحة أطراف عربية لتمويل المعارضة السورية؟ هذه ألغاز لا أفهمها.* في حلقة سابقة حدثتنا عن تكليفات الناتو الجديدة للسيطرة على دول بالمنطقة في إطار صراع المصالح..** عندما نرى في الوطن العربي أنظمة استوفت عمرها وفي طريقها للسقوط، بالتزامن مع تنازل أمريكا عن مكانة الهايبر باور إلى السوبر باور يحدث تغيير مواقع القوى. واشنطن بحثت، وعرفت أن المنطقة ستحدث بها تحولات، وأنها لابد أن تكون مؤثرة، ولأن القوى العسكرية قد لا تكون الوسيلة المثلى، بحثت عن إحياء حلف الأطلنطي، الذي اعتقد الناس أنه انتهى مع نهاية الحرب الباردة. خشيت اكتشاف المنطقة أمام الروس، وشكلت لجنة برئاسة مادلين أولبرايت، وضعت تقريرها، في مايو 2010، والذي رصد التحولات المتوقعة، ونصح بالتعامل معها بطريقة مختلفة، وبأن للناتو دوره في «التقاء المصالح»، وهذا ما بدا في ليبيا. كما نصح بأن حلف الأطلنطي، ممثلاً في تركيا، وهكذا بدا الدور الأردوجاني، الذي كساه وزير خارجيته، أحمد داوود أوغلو، بأحلامه العثمانية، ونظمت قواعد انطلاق إعلامية وسياسية واقتصادية، وصُدر كنموذج للاقتداء به عربياً. أعرف أن أوباما قال لرئيس عربي: «انظر في عيني، خلال عامين لن نحتاج بترولكم». لكن الأهم من الاكتفاء هو السيطرة على المنابع، فالتاريخ يقول إنه لا بدائل للطاقة. ودور تركيا هو النفاذ لمواقع البترول، وحماية خطوط أنابيب الغاز. تركيا حلمت بسقوط سوريا، فهي مربط السيطرة على المنطقة، لأسباب كثيرة جداً، هي الكيان الجريح الذي مزقته كل الأطماع، منذ وعد بلفور وسايكس بيكو.* وإسرائيل؟** أتمنى أن تطلعي على اتفاق أمني عقدته مع أمريكا لتبادل المعلومات الاستخباراتية يمكن تل أبيب من كل المواد الخام للمخابرات الأمريكية، بما فيها كل مكالمات العالم، أي أن لديها محادثات وصفقات كل ما يجري، وإسرائيل بالطبع تريد اكتمال سقوط النظام العربي، دون أن تحارب، فالعرب يقتلون بعضهم، وهي في منتهى السعادة.* وإيران؟**الصراع الدولي ينتقل من الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى، وإيران تسمى في الجغرافيا «القاعدة»، فهي هضبة مرتفعة مطلة على آسيا والبلقان، موقع استراتيجي وحليف مطلوب. لو قرأنا الوثائق لعرفنا أن أمريكا وإسرائيل وضعتا في مايو 73 سيناريو لغزو السعودية بواسطة إيران - الشاه، إذا ما حدثت قلاقل. وإيران مهمة أيضاً لأنابيب الغاز، وسوريا، عملياً، هي مدخل خلفي لطهران. لكن وضعها مختلف، فالغرب لا يريد تدمير إيران، بل استردادها بإسقاط النظام الحاكم فيها. إيران هي الهدف الرئيسي في معركة سوريا.* وحزب الله؟** موقفه في منتهى الصعوبة، وأخشى أن تتحول لبنان إلى وضع أصعب، فهي نافذة في حائط النظام العربي، مصنوعة من الزجاج المعشق، نظام هش، يسقط إذا ما اهتز الجدار.* والخليج؟** دوله في خطر، منذ عام، كنت مدعواً لندوة هناك، وتحدثت عن الأمن الخليجي ومستقبله، فالصراع هناك كله على النفط، وبدائل الطاقة كلها لم تعد تسمح بتنوع آخر، بعدما حدث في اليابان بفوكشيميا. البترول مازال مهماً، صحيح أنه لم يعد كذلك للولايات المتحدة، لكن السيطرة عليه مهمة: كيف للدول الست المطلة على الخليج، المواجهة لمنطقة آسيا التي تشهد نمواً في القوة.* من أين الخطر وهو موال لأمريكا؟** إذا كانت الولايات المتحدة الآن تتنازل، وهناك دول تنمي قوتها في الجناح الآسيوي، الصين واليابان، واحتياجاتها للوقود والطاقة تزداد، وهناك دول آسيوية لها قواعد انطلاق في دول الخليج عبر العمالة الآسيوية الوافدة، التي أصبحت غالبية هناك، وتمثل خطراً داهماً، خاصة أن الخليج لم يعد يعتمد على عمقه العربي.* هل تتوقع ضربة عسكرية لسوريا؟** لا أعتقد، الكل يميل لحل سلمي ينتج عنه نظام قوي، الكل يراهن على أن نهاية فترة رئاسة «بشار» 2014، وأنه يصعب ترشحه ثانية، وسيخلفه شخص محل توافق. لو جاء 2014 والأزمة مستحكمة، ستلحق سوريا بفلسطين.