وفيات النساء بسببه تفوق كل الأسباب المؤدية لوفاة الأمهات..
إعداد/ زكي الذبحاني لا يخفى على الكثيرين حقيقة مرض السل المروعة، فقد سقى البشرية جمعاء كؤوس الألم والمعاناة في الماضي البعيد والقريب ولا تزال المعاناة بسببه ماثلة حتى زماننا.ليس بالضرورة بمجرد تلقي المرء لعدوى السل أن يصبح مريضا تظهر عليه أعراض المرض وعلاماته. فالجهاز المناعي- كما تذكر المصادر- كفيل بإيقاف جراثيم السل، لكنها في الوقت ذاته تكون محمية بجدار سميك ُيمكنها من البقاء حية بداخله لسنوات وسنوات. وبضعف مناعة حامل العدوى ومتى سنحت الفرصة، ينكسر الحصار فتنشط تلك الجراثيم وبذا تزداد فرص الإصابة وظهور الأعراض وتبعاتها بشكلٍ أكبر. حقيقة المعضلةيصاب في كل عام (مليونان إلى ثمانية ملايين) شخص حول العالم بالمرض، غالبيتهم بما يمثل (95 %) من الحالات هم من البلدان النامية .فيما يقتل من البشر حول العالم أكثر مما يقتله مرضا الملاريا والإيدز باجتماعهما. إذ يلقى ما يربو على مليون ونصف مليون شخص حتفهم سنوياً بسبب السل، فيما يصاب بالمرض كل عامٍ نحو (9) ملايين شخص، بينت ذلك الإحصاءات والمسوحات الوبائية على مستوى العالم، ُمشيرةً إلى أن حجم وفيات النساء بسببه يفوق حجماً كل أسباب وفيات الأمهات.كما أنه يقتل من الشباب والبالغين حتى اليوم أكثر مما يقتله أي مرضٍ معد آخر، وما أكثر ضحاياه من الأطفال.بينما يشكل السل على المستوى المحلي إحدى أهم مشاكل الصحة ؛ حيث بلغ المعدل السنوي لحدوث الإصابة بالمرض- استناداً لأحد المسوحات - حوالي (12ألف)حالة سل رئوي إيجابي سنوياً، ولا تتوجه للمعالجة من هذه الحالات سوى ( 75 %) بما لا يتعدى (9 آلاف) حالة سل في كل عام.أما ما تحقق من نسبة الشفاء للمرضى فهي بواقع ( 85 %). فيما يقدر عدد الوفيات بين مرضى السل سنوياً بنحو (2500) حالة وفاة. أنواع الداء ومصدرهكثير من حالات الإصابة بالسل - مع الأسف- غير مكتشفة، تعمل على نشر العدوى وتنامي وازدياد حالات الإصابة، فارضة المزيد من الصعوبات والأعباء، لما يقابل هذا الأمر من شيوع الإهمال وعدم الاهتمام بضوابط الوقاية وإجراءاتها بين الناس. فضلاً عن عدم تقيد بعض المصابين بالمرض بخطة العلاج.وإذا جئنا إلى تعريف هذا المرض، فإنه - بحسب المصادر الطبية- مرض تسببه بكتيريا عصوية الشكل تتمتع بقدرة كبيرة على مقاومة الجفاف ومقاومة دفاعات الجسم، وهو أيضاً واسع الانتشار لدرجةٍ تجعل أياً منا عرضة لعدواه إن لم نأخذ حذرنا منه، ويصنف ضمن قائمة الأمراض الوبائية القاتلة.وحينما تتأذى الرئتان بهذه الجراثيم يبدأ الشخص المتلقي للعدوى بالسعال وإخراج القشع (البصاق) من الرئتين ولا يجد سهولة في التنفس. وبالتالي إذا لم ُيعالج معالجة صحيحة يمكن أن يموت بسبب هذا المرض.وأشكال السل وأنواعه كثيرة، فقد يصيب أي عضو من الأعضاء داخل الجسم، إلا أنه يصيب الرئتين بشكل أساسي ؛ ويصنف عموماً إلى :- سل رئوي : يصيب الرئتين إذا ما ثبت بفحص البصاق أنه إيجابيا عندها يسمى بالسل الايجابي القشع (البصاق) ويكون معدياً. أما غير المعدي فيسمى بالسل الرئوي السلبي القشع.- سل خارج الرئة: يمكن أن يصيب أي عضو في الجسم (كالجهاز البولي -التناسلي -الأمعاء-العظام -المفاصل - الغدد اللمفاوية - سحايا الدماغ - العمود الفقري..إلخ).العدوى ومسبباتهاتكمن المشكلة في قدرة عصيات السل على البقاء على قيد الحياة لعدة ساعات خاصةً في الأماكن المظلمة قليلة التهوية غير المعرضة لأشعة الشمس، أكدت ذلك المعلومات الواردة في دليل التثقيف الصحي للبرنامج الوطني لمكافحة ودحر السل بوزارة الصحة، مضيفةً أن عدوى السل تنتقل عن طريق-التنفس: من خلال سعال أو عطس المريض واستنشاق الشخص السليم المتلقي للعدوى عبر التنفس لجراثيم السل المتناثرة في الرذاذ المتطاير في الهواء لتصل إلى أعماق الرئة، مع العلم بأن هذه (المتفطرات) يمكن القضاء عليها بالهواء النقي عبر التهوية الملائمة وأشعة الشمس القاتلة للجراثيم خلال نصف ساعة .بالتالي يجب على المريض بالسل وضع منديل على فمه عند السعال أو العطس وعدم البصق على الأرض حتى يجنب الآخرين العدوى.- جهاز الهضم: عن طريق شرب الحليب الملوث من ضرع بقرة مصابة بالسل، لكن العدوى من هذا النوع أصبحت نادرةً الآن.الأعراض والتشخيص بطبيعة الحال، تظهر أعراض السل الرئوي تدريجياً، ولا يلاحظها المريض إلا بعد عدة أسابيع من تلقيه العدوى وربما بعد أشهر.وتفيد المعلومات الواردة عن البرنامج الوطني لمكافحة ودحر السل بوزارة الصحة بأن أعراض الإصابة بالمرض تشمل: السعال المستمر الذي يمكن أن يترافق مع ألم في الصدر ونفث الدم أحياناً، مصحوباً بنقص الشهية وفقدان الوزن مع ارتفاع درجة حرارة الجسم وتعرق ليلي والتعب عند بذل أدنى مجهود ..هذا في حالة السل الرئوي.أما في حالات السل خارج الرئة، فيصاحبها نفس الأعراض السابقة دون سعالٍ أو ألمٍ في الصدر ونفثٍ للدم. كما يمكن معها ظهور أعراض خاصة بحسب مكان الإصابة.وقد تبدو أعراض السل بدايةً كثيرة الشبه بأعراض الإصابة بالسعال والنزلات التنفسية المعتادة فيصعب التفريق بينها وبين أعراض السل، لكنه ومع حدوث واستمرار الأعراض التنفسية والسعال دون طروء تحسن للمريض بعد تناوله المضادات الحيوية العادية ومهدءات السعال لمدة (3-2 أسابيع) فحينها يجب أن يُفكر من ظهرت لديه هذه الأعراض أنه ربما يكون مصاباً بمرض السل، وعندئذٍ يلزم عليه التوجه لأقرب مركز صحي دون تأخر.ويتحدد دور الطبيب في هذه الحالة، في القيام بالفحص وطلب تحليل ثلاث عينات متتالية من البصاق لكشف (عصيات كوخ)، وطلب أشعة للصدر في حال أن ظهرت نتيجة إيجابية لفحص البصاق، وذلك للتأكد من وجود إصابة من عدمها.عواقب الإهمالفي حال أهمل المريض تناول أدوية السل أو امتنع عنها، فمن الممكن أن يشتد عليه المرض أكثر مسفراً عن مضاعفات خطيرة تزداد معها معاناة المريض وتشكل خطراً على سلامته، ومن أبرز هذه الاعتلالات وفقاً للمصادر الطبية:- سعال يصاحبه خروج الدم .- حدوث فجوات في الرئة مع نفث للدم، ما قد يستدعي استئصال الجزء التالف.ويوصي الأطباء ذوو الاختصاص بأنها مما يجب التنبه إليه خشية وقوع مضاعفات سيئة جداً لا تحمد عقباها تواصل سعال الطفل لأكثر من أسبوعين وتنفسه بسرعة على غير المعتاد. ففي هذا مؤشر على معاناته من التهاب رئوي أو ربما من مرض السل الرئوي. إلى جانب ذلك يظل المصاب بالسل عرضة للوفاة في مراحل متقدمة من الإصابة عندما تسوء حالته كثيراً. فيما تزداد الوفيات بشكلٍ كبير جراء هذا المرض بين الأطفال دون السنتين من العمر وبين كبار السن (فوق سن الخمسين).الطريق إلى الوقايةالكل مطالب بتجنب عدوى السل ما أمكن بالابتعاد عن كل ما يقود إلى العدوى، والتحلي بروح المسؤولية.. بألا يعرضوا الآخرين للعدوى، وذلك من خلال اتباع جُملة من التدابير والإرشادات الوقائية التي ستسهم -من دون شك- في حال أن طبقها الجميع والتزم بها في زوال وانحسار خطورة مرض السل وتداعياته بمرور الوقت وربما زواله، وأهم هذه الإرشادات بحسب المصادر الطبية.- تجنب السعال أو العطس في وجوه الآخرين، والحرص على وضع مناديل لتحول دون ذلك.- التخلص السليم من المناديل والأقمشة الملوثة بإفرزات الفم والأنف للمريض.- تجنب البصق على الأرضيات والأسطح أو على الأدوات وما شابه .- الامتناع عن التدخين بأشكاله المختلفة كونه يزيد من تفاقم حدة المرض؛ ومن شأن تداول تدخين المداعة والشيشة بين الناس تسهيل وتيسير نقل العدوى ونشرها بين المدخنين .ومن شأن اتخاذ جملةً من الإجراءات الحاسمة، العمل على الحد من انتشار عدوى السل، من مثل تحسين الأوضاع والأحوال الصحية والاقتصادية والاجتماعية للناس، خاصةً ما ارتبط منها بظروف المعيشة والمسكن، كالتهوية المناسبة والتغذية الملائمة..إلخ ؛ إلى جانب الاكتشاف المبكر للحالات، خصوصاً بين الفئات الأكثر عرضة للعدوى مثل (مخالطي المرضى- السجناء - نزلاء المصحات..) وذاك من خلال إخضاعهم للفحوص اللازمة وفحص البصاق. بالإضافة إلى إجراء صور إشعاعية للصدر.النظام العلاجييتعين على كل مريض بالسل الالتزام بخطة البرنامج الوطني لمكافحة السل بالعلاج تحت الإشراف اليومي المباشر، فهي المتبعة والمعتمدة في كافة أنحاء البلاد، ويقدمها البرنامج عبر المرافق الصحية من خلال وحداته التي أسسها في المستشفيات والمراكز والوحدات الصحية على طول البلاد وعرضها.وتفرض خطة المعالجة هذه- كما ورد في توصيات البرنامج الوطني لمكافحة السل- استمرار المريض في العلاج لمدة معينة حتى وإن شفي من مرضه ولم يُعد يشكو من شيء قبل انقضاء مدة العلاج، فلا ضمان في تحقق الشفاء تماماً من السل إلا بتناول المرضى يومياً للأدوية المضادة للمرض.والهدف من توفير برنامج مكافحة السل للأدوية اللازمة في جميع المديريات بالمحافظات من خلال المرافق الصحية يصب في قالب حرصه على تخفيف العناء على كاهل المواطن كي لا يضطر للسفر إلى المدن- لاسيما إذا كان يعيش في الريف- من أجل أن يحصل على العلاج.وتتطلب معالجة مرض السل مثابرة واهتماماً للوصول إلى الشفاء تماماً، وعلاجاً منتظماً يلتزم فيه المريض ويواظب على تناوله للأدوية بشكلٍ يومي بلا انقطاع تحت الإشراف المباشر وفق لإستراتيجية معالجة متبعة عالمياً تسمى (الدوتس) والتي يخضع خلالها المريض لعلاج منتظم يمتد لفترة تمتد إلى (6 أشهر) في الفئة العلاجية الأولى، وتقسم إلى مرحلتين:كما أن أدوية المرض بالمجان، ُتصرف للمريض دون مقابل.-المرحلة الأولى : تسمى المرحلة البدائية أو المكثفة تستمر لشهرين، ويتناول المريض خلالها أربعة أدوية مركبة في قرص واحد، ويتحدد عدد الأقراص اللازمة للمريض بناءً على وزنه .وفي نهاية هذه المرحلة بالتحديد عند اليوم السادس والخمسين، يُعاود فحص بصاق المريض للتأكد من خلوه من جراثيم السل، فإذا بقي منها شيء ُتمدد المعالجة بالأربعة الأدوية لشهر آخر (28 يوماً).- مرحلة المتابعة والاستمرار: تعقب المرحلة الأولى مباشرة دون فاصل زمني ولو يوماً واحداً ويتعاطى فيها المريض دوائين في قرص واحد لأربعة أشهر (120 يوماً).أما بالنسبة لمرضى الفئة الثانية فيتعاطون الأدوية المقررة لثمانية أشهر من خلال مرحلتين:-الأولى: مكثفة لمدة شهرين (56 يوماً) يتناول خلالها المريض خمسة أدوية، وبعد ذلك أربعة أدوية لمدة شهر (28 يوماً).-الثانية: وهي مرحلة المتابعة التي تمتد إلى خمسة أشهر (140 يوماً)، ويتعاطى خلالها المريض ثلاثة أدوية. وللعلم، فقد ثبتت فاعليتها في ضمان الشفاء للمصاب بشكل قاطع . كما يتم تطبيقها في كافة المستشفيات والمرافق الصحية في البلاد .فإذا كانت المسافة بين المركز الصحي أو المستشفى أو وحدة الرعاية الصحية الأولية وبين سكن المريض تستغرق ثلاثين دقيقة سيراً على الأقدام.. حينها يمكن أن تتم المعالجة، بتناول المريض للعلاج في المرفق الصحي القريب منه بشكلٍ يومي تحت الإشراف المباشر لعامل الرعاية الصحية الأولية.كذلك من خلال المعالجة القصيرة الأمد تحت الإشراف اليومي المباشر (DOTS) يمكن إعطاء مريض السل أدويته في المنزل من خلال عامل الرعاية الصحية ؛ ولا مانع من اختيار المريض لمن يشرف على معالجته ممن يجد فيه الثقة، كأحد أفراد أسرته أو قريب أو صديق.إلى ذلك، فإن الانتظام في العلاج والوقاية كلاهما مهم في منظومة الصحة العامة وذلك لقهقرة ودحر هذا الداء كون السل داءٌ قابل للشفاء وما عاد علاجه مستحيلاً طالما اتبع المريض خطة علاجية محكمة ينتظم خلالها مع المعالجة لستة أشهر أو أكثر تبعاً لأوضاع الاستجابة العلاجية المقاومة للمرض.وبالمقابل، نجد أن جهل المجتمع بأبسط معايير الوقاية الشخصية لوقفِ العدوى، وكذلك التملص أو عدم انتظام المريض بالسل في تناول الأدوية المقررة له ظناً منه بألا حاجة لهذا الانتظام، فيه تصعيد يفاقم خطورة السل، وينذر بمشكلةٍ أوسع فيها خطورة على المرضى وهي ظهور مقاومة لجراثيم السل للأدوية المضادة.