نعيش في زمن مختلف متوج بأخطر الشعارات، وافتك المقولات .. نحن في لحظة تحدي المصائر، ووقت استرداد الحقوق، انتزاع الاستحقاقات المغيبة، ومطالبات بحزمة محاكمات واقصاءات وتهميشات .. يبدو المشهد، وكأن الشعب يثور على نفسه، أو شرائح منه تنتفض غضباً وتهديداً أو ايذاءً على شرائح أخرى في إطار النسيج المجتمعي ذاته ، أشياء مختلطة ومحتقنة يصعب الزعم بصحتها كلها .. ارتفعت من القاع وطلعت متسللة من بين تشققات سطح الوعي العام .. ظاهرة، حاجة اسمها ثقافة التبرير السائدة في مواكب التغيير متعاطفة ومتداخلة مع هيجان التثوير.افكارها سامة ودخيلة، وتتلخص في توفيرها غطاء أو أكثر من غطاء للانتهاكات المشينة، فتنتشر بين أفق مسارح الجرائم، سحب تضليل، ووسائل شرعنة للعمليات الاجرامية، ولتقريب الصورة أكثر يحصل هجوم لبعض الشباب على مكتب التربية أو الصحة أو البريد، وتسرق أشياء ومحتويات ثمينة، نقدية وعينية، وفي الشارع وفي داخل الملتقيات الوضع استهجان هذا العمل التخريبي باعتباره اعتداء على مكاتب حكومية وخدمية هي ملك الشعب غير ان المنطق يغيب حينما تسمع البعض (المكلف بالمهمة) يستشيط غضباً ويحتقر الرأي المتزن غير المتحيز، ويبرر لتلك الأفعال الشنيعة واخواتها على شاكلة:ـ عندهم حق، شباب بلا عمل، الحكومة ما شغلتهم وغيرها من هذه التبريرات الساذجة التي هي ليست عفوية، إنما مبرمجة بقدرات مهارية بارعة مرت على الكثيرين وقتها، بمن فيهم مثقفون ومتعلمون.وأعيدكم إلى ما قبل عامين أو ثلاثة .. لنتذكر حوادث تحولت إلى ظاهرة مستفحلة، وهي سرقة السيارات الحكومية حتى بوابير النظافة .. ظهرت بفترة متزامنة في أربع محافظات: عدن، لحج، أبين وشبوة، وعممت ثقافة التبرير .. ضرورة سرقة اية سيارات حكومية حتى الشيولات (الغرافات) وفتاوى بأن سرقة الدولة حلال حتى ان كثيراً من المدن لم تعد ترى فيها مركبات حكومية،وان مرت بعضها مصادفة .. يكون معها حراس (بودي جارد) .. يا أخي هؤلاء السرق مساكين، والحكومة فاسدة، وعندهم عائلات بالله كيف سيطعمونها؟! يا إلهي كلام ناعم، حلو لكنه كاذب وموجه بالريموت، والطريف .. ما حصل في إحدى المدن الكبيرة حيث تم سرقة السيارات وأثاث كل المكاتب .. ما عاد بقي شيء، طيب الشباب تعودوا على فلوس، ألوف، قات مطول، وغذاء مندي ماذا يعملون؟! اخيراً وجدوها .. بدؤوا يسرقون سيارات المواطنين ويبيعونها في اليوم نفسه.حصل هنا تطور مثير وطريف ان سيارتين جديدتين مسروقتين كانتا تابعتين لبعض المشجعين على السرقات .. فأسقط في أيدي الجميع، وجرت مراجعة وكم مرات حصلت اصطدامات بين المدافعين عن الحق العام والخاص وبين انصار ثقافة التبرير، وغالباً الصوت المرتفع يدل على ضعف حجة صاحبه .. يلجأ إلى تغطية عورته وسفاهة رأيه بافتعال ضجيج وضوضاء، لذلك عديدون من الشرفاء أثروا السلامة، مع علو مؤقت للزبد، وانزووا جانباً، وبقي قليلون يقارعون ويتحملون التهديدات بالتصفيات والاتهامات السخيفة غير ان الحق ينتصر ويطفو على ماء الباطل .. وكم ذا بأبين من بواطل، ودماء ودموع هواطل، وكثرة من النساء البواكي الثواكل وحال كله كسل وتواكل طبعاً مش توكل كرمان.والله انه شيء جارح للنفس والضمير ما تسمعه من رجال ثقافة التبرير .. خذا هذا المثال الثالث في إحدى نقاط أبين في رمضان ارتفع أذان المغرب فتجمعوا يفطرون في اللحظة ذاتها اقتربت منهم سيارة وترجل مسلحون وقال لهم الجنود تفضلوا طبعا وهم في السيارة فنزلوا ورشوهم وقتلوهم جميعاً .. جريمة تقشعر لهولها الأبدان وتنكرها كل الأديان، ولك ان تتخيل بعض دعاة التضليل التبريري ينتشرون ويقولون: الله أكبر، قتلهم .. حلال، هؤلاء جنود الطاغوت، جنود النظام .. الخ! ماذا جرى؟ الهرم انقلب والعقول تم اختراقها، وشجاعة النفس، أو ما تبقى منها تم استئصالها.المسألة واضحة .. تحويلات سريعة مغرية وشحن فوري، الله أكبر .. الله أكبر عليكم .ثقافة التبرير تتوازى وتتناغم مع اعمال الاجرام، وقد تسبقها بمسافة ما .. لتعبيد الطريق، وتهيئة الاذهان لقبول ما سيحدث بعد يومين أو ثلاثة على أساس انه افراز طبيعي لسياسة النظام أو الحكومة أو كليهما .. إلى ان تفاقمت الأحداث بحراك ساخن مسلح في صنعاء وبعض المحافظات حتى أوصل الاحتقان إلى المبادرة كحل وسط أو بارقة انقاذ، وفي اثناء التنفيذ ما تزال جراحات هنا، واعتمالات هناك، فرسان ثقافة التبرير رفعوا في البداية شعارات ناعمة ومطالب مشروعة .. هذا في الظاهر لكن وراء الأكمة وتحتها وداخلها .. حقنا سامة لم تنفضح إلا وقت طويل .. بعد ضحايا بريئة، وانتهاكات مريعة، وانهيارات فظيعة في البناء المؤسسي، أو المستوى الخدمي كانت معظم النخب التي باعت ضميرها للشيطان، بالدولار، فارسة الثقافة التبريرية التدميرية التي غزت العقول، وغرست القناعات التي تريد إلا من رحم ربي .. هذا الربيع الدموي الزائف حمل أكبر تسونامي من الكذب في اليمن والبلدان العربية التي زارها .. هوس بالمظاهرات، شهوة باراقة الدماء، شبق بالتحرش والاغتصاب، ادمان بالتفجيرات، وهيام بأصواتها المرعبة التي عندهم مثل أغاني كوكب الشرق لدى متذوقي الفن الراقي، سمومهم الفكرية بكل أريحية، مخترقون عقول العامة، وكثير من الخاصة بالافكار العدوانية الهدامة، والسلطات ساكتة عنهم متناسية أن الفكر يواجه بالفكر .. مما جعلني أتذكر حكاية هتلر الذي كان يعرف خطورة هذا النوع، لذا عمد إلى اختطاف قادة الأحزاب والنخب، الفاعلين منهم، وأرغمهم على احتساء كؤوس من الخردل أو مادة شبيهة به، وفي أوضاع مهينة، وتركهم فخرجوا صاحين، مؤدبين جيداً كل ما يتحدثون به .. صاروا احرص من الدبلوماسيين المعروف عنهم .. حذرهم الشديد وحرصهم الدقيق في انتقاء الكلمات المناسبة للمقام، ولسنا مع نهج هتلر النازي الذي اضاع المانيا .. بسراب نقاء العرق الأري لكن من باب الدعابة وتداعي الخواطر.لقطات< شارك فرسان ثقافة التبرير في إفساد المعترك السياسي، وتعطيل الحياة الاجتماعية، ورداءة الجوانب الخدمية.< مضامين تلك الثقافة .. أفتك من سموم الأفاعي.في زحمة الرذاذ الكلمي، والصخب الإعلامي .. ذبحوا اللغة العربية عدة مرات.< التنظير التبريري السياسي لم يكن شريفاً، وكان شريكاً في حجم التدمير الحاصل.< ضعف المناعة المجتمعية، وانحلال الحصانة الاخلاقية، وتدهور الأوضاع المادية .. ثقوب نفذت منها سهام التبرير السلبية.< سؤال: هل أنت مع الثورة على القضاء أم مع القضاء على الثورة؟!< كثر الكلام التكرار، الحوار حول نقطة معينة حداً ما فوق الاشباع .. يثير الغثيان .< خاص جداً بفرسان ثقافة التبرير، هل مصادفة أن تأتي المفردات التالية متشابهة في المضمون والرسم والجرس الموسيقي: مؤامرة، مظاهرة، مغامرة، مناورة، متاجرة، مقامرة، مساومة، محاورة، مفاخرة، مهاترة، مكابرة، مشاورة، مخابرة، مصاهرة؟!< متى تنتهي حكاية: إذا وافقت معي في كل ما أريد فأنت قديس، وان خالفتني، وعارضتني فأنت ابليس؟! من ليس معنا فهو ضدنا .. مقولات غبية!< (أحمل عصا غليظة، وتحدث بهدوء)الرئيس الأمريكي روزفلت[c1]أخر الكلام[/c] خلا من الفضل غير اني ***اه في الحمق لا يجارىشاعر قديم
مــع ألـغـام الفكر الهدام
أخبار متعلقة