فصل من كتاب
تمهيــــد :في بداية وجود الإنسان على الأرض، وتكون وعيه، شاهد ظواهر طبيعية وبيولوجية وفلكية عديدة، منها الكواكب والنجوم ثم رؤيته، وهو مصاب بالدهشة والذهول، رياحاً تزمجر وعواصف تدمر، وبرقاً يلمع، وأمطاراً تنهمر ورعداً يجلجل وسيولاً عاتية تتدفق في الوديان، منحدرة من أعالي الجبال الشاهقة، وصواعق تشعل النيران في الأشجار والغابات ونجوماً تتلألأ وتتلوى في الأفق، ذات ذنب على هيئة ضياء ساطع أو نور خافت، وسحباً تجري في السماء فتحجب نور الشمس أو ضوء القمر، ومياهاً تندفع في بطون الأنهار كالطوفان فتكتسح وتغرق أرضاً، وجراداً يأكل الأخضر واليابس.ويتضح من الحكاية السالفة مدى الارتباط بين الظواهر الطبيعية والدين والمعتقد الشعبي.وخلال سعي الإنسان على وجه الأرض - بين الحين والآخر - ترتجف تحت قدميه، في زلزال، تهزه هزاً، فتشق الأرض، وتدمر الجبال، وإذا ببركان يثور هنا وهناك، فيلقي من جوفه حمماً وسعيراً تتصاعد أدخنته إلى عنان السماء(2 )، كل هذه الأمور وغيرها لا ريب في أنها أفزعت الإنسان وأخافته، وطبيعي أنه كان لا يستطيع أن يدرك مغزاها ومعناها كما ندرك نحن ذلك في أيامنا الحاضرة، ومن هنا تجسدت في خيال الكائن البشري قوى أسطورية أكبر منه وأعتى، فأرجع ما رآه إلى معبودات وأشباه آلهة تمسك بمقاليد الأمور، وتتحكم في الأمطار والبرق والرعد والزلازل والبراكين والرياح ... الخ، ومن ثم، فقد عبد النجوم والكواكب السيارة كالقمر (المقة) و (عثتر) وغيرهما، كما اخترع لكل ظاهرة من هذه الظواهر إلهاً أو إلهة، فكان إله المطر يسمى (حَوْل) ( 3)، كما كان يوجد إله البرق، وإله النيل، وإله الخصب والإله القمر ... الخ(4).الأصنام والكواكب :الثابت، تاريخياً، هو أن العرب القدامى عندما كانوا يعبدون الكواكب والنجوم ويخاطبون الأصنام بما تحويه من تجاويف، كان يسود الاعتقاد لديهم بأن الشياطين تجيبهم بصوت مسموع من داخل الأصنام، فيظنون أنها الآلهة. وقد لعب الكهنة دوراً أساسياً في صنع تلك الحيل والترويج لها خدمة لأغراضهم.ومن آثار عبادة الكواكب والنجوم قديماً، في بعض مناطق اليمن، طريقة لبعض المشعوذين تسمى (الرصد)، وفيها يترصد المشعوذ طلوع نجم معين ثم يقوم بمخاطبته بتلاوات وبعد ذلك يتلو طلسماً آخر يحمل في طياته تعابير وثنية، ويلي ذلك أن يؤدي المشعوذ حركات يزعم أنها تعمل على استنـزال طاقة هذا النجم لخدمة أغراض المشعوذ، وبذلك يتمكن (مزعوم الساحر) من الحصول على ما يريد باعتبار أن النجم هو الذي أعانه على تلبية طلباته.ويزعم البعض أن أثر مزعوم هذا السحر لا يمكن إحداثه إلا إذا ظهر النجم مرة أخرى. وهناك نجوم لا تظهر في العام إلا مرة واحدة، فينتظرون ظهوره ثم يقومون بتلاوة فيها استغاثة بهذا النجم لكي يلبي لهم رغباتهم(6 ).ومن آثار عبادة الكواكب في اليمن القديم أيضاً تشبيه الحبيب بالقمر والهلال وهو ظاهرة منتشرة في شعر الغزل اليمني وخاصة الحميني.الموت والليل والجان :كذلك فقد أرق الموت، بما يحمله من معاني الفناء والزوال والسكون، الإنسان، وأخافه، ولا ريب أن الظلام هو عباءة الموت لارتباط الظلمة بالوحشة والقبر المغلق، وهناك معتقد قديم كان يرى أن (عزرائيل) يركب جناح الليل، ويذهب، خلاله، لقبض أرواح الناس، ويساعد على انتشار الاعتقاد المذكور أنه في الليل، تهيمن روح السكون على الكائنات ويجثم الصمت على الأحياء والجماد، وينام الإنسان والحيوان فيكون ذلك هو ما يسميه البعض (الموت الصغير).وكنتيجة للمعتقدات الوثنية التي كانت تؤله الشمس والقمر نجد في معظم الأشعار والأغاني اليمنية قديماً وحديثاً تشبيه المحبوب بالقمر والشمس والنجوم ... الخ، كما أنه لا زال يسود الاعتقاد في كثير من المناطق اليمنية أن الشمس تكره الجن وتحول دون أفعالهم الشريرة، ولذلك فهم يعشقون الظلام والليل. وإلى عهد قريب كان معظم النساء في الريف اليمني، ولازال عدد كبير منهن في المدينة أيضاً يحجمن عن كنس أرض البيت في المساء أو أثناء الليل، لكيلا يزعج ذلك، حسب اعتقادهن، الجان الذين يظهرون في ذلك الوقت، كما يحذر الآباء والأمهات من ضرب الأولاد ليلة الجمعة، لكيلا (يلمسهم)، أثناء الضرب، أفراد الجان، أي حتى لا يصيبهم مس من الجن، أو الجنون. ويحذر عدد غير قليل من اليمنيين، لا سيما الأطفال، من النظر في المرآة ليلاً خشية أن تؤذيهم الجان بظهورها في المرآة والحلول محل صورة من ينظر إليها، وكما قدمنا فإن بعض سكان اليمن لا يحبذون صراخ الأطفال أثناء الليل، لأن ذلك من شأنه، حسب معتقداتهم الخرافية، إزعاج الجان فيؤذي الأطفال.وهكذا نرى المعتقدات الشعبية تضرب جذورها عميقاً في الماضي بل، وفي أعماق اللاوعي البشري، وتمتد فروعها حتى الحاضر، فنجد معظم الناس في الوسط اليمني والعربي، لازالوا يعتقدون، على سبيل المثال، أن الليل وظلامه هما المسرح المناسب لظهور الأشباح الشريرة، وخاصة مزعوم الجن والعفاريت والشياطين، لذلك فإن هذه الفئة من الناس يجتنبون العديد من التصرفات عند حلول الظلام، خشية أن ينالهم أذى هذه الكائنات، فهم، مثلاً، يتورعون عن صفع الأطفال على وجهوهم في الليل، لأن ذلك من شأنه أن يعرضهم لضربات الجن الذين يظهرون في الليل، كما أن الآباء والأمهات يحذرون الأطفال من الصراخ في الليل لأن الصراخ، في اعتقادهم الخرافي، يزعج الجن ويستدعيهم فيحضرون لإيذاء سكان البيت.ووفقاً للمعتقد الشعبي اليمني والعربي عموماً، فإن الجان لا يظهرون إلا في الليل، ابتداءً من غروب الشمس، لذلك فإن المرأة في بعض البلاد العربية، تحجم عن فتح جرة الزيت بعد مغرب الشمس، بسبب الاعتقاد الشائع بأن ذلك يقلل من بركته، كما أنها (المرأة) لا تعمد إلى فتح الجرة إلا بعد أن تذكر اسم الله فتقول: بسم الله وبركة الله، وإيد الله قبل إيدي، إذ تعتقد أن الزيت يفقد بركته إذا لم تذكر اسم الجلالة، كذلك يسود الاعتقاد لدى كثيرين، بأن الكائنات الخفية (الشيطانية) إنما تظهر لفرد واحد فقط، ولا تحب التجمعات البشرية.منابـــع الخـــوف :نجد في المجتمع اليمني أن مرتكز وجود الإنسان، كان وما فتئ قائماً، إلى حد كبير، على الفزع والخوف إزاء الأرواح الشريرة شأنها في ذلك شأن الكوارث الطبيعية والتخلف والحروب القبلية والمجاعات والكوارث الطبيعية وفوضى الحياة وطغيان الحكم واستبداد الحاكمين وما في حكم ذلك، حتى تبدو بعض المظاهر الطبيعية مخلوطة بالخرافات لشدة غرابتها.ويشترك الإعلام الحكومي في ترويج الخرافات حتى أصبح الوعي العام يكاد يكون مرادفاً لها. وعلى سبيل المثال فقد ورد في إحدى الصحف الحكومية الممولة من المال العام أنه:وفي اليمن أيضاً فإنه على الرغم من استعمار بريطانيا لمدينة (عدن) وضواحيها واحتكاكها بأوروبا والعالم، كذا فرض الاحتلال (الأوروبي) حمايته على المناطق الأخرى في جنوب البلاد قرابة مائة وتسعة وعشرين عاماً. فلا زالت الجرائد (الصحف) الواسعة الانتشار هناك تنشر مقالات لبعض قرائها تعج بالشعوذة والمعتقدات البالية والتناقضات الواضحة. وعلى سبيل المثال فهذا الكاتب يقرر في مقالة صغيرة له بعنوان: (السحر والسحرة) بأن السحر من الشرور التي أرادها الله عز وجل من هذه الدنيا للابتلاء والاختبار، ولكن لم يرضه، ونهى الإنسان عن ممارسته.السحر والسحرة :فالسحر يعتبر أخطر أمراض العصر، لأنه سلاح فتاك خفي، يستخدمه شياطين الإنس في إشقاء أعدائهم من الإنس، والشيطان صاحب الغواية هو زعيم كل متمرد على القيم الأخلاقية والقيم الدينية، وهو كذلك صاحب اليد السفلى في مسالة السحر والشر، ولغباء البشر وحقد بعضهم على بعض، يستجيب لندائه زمرة قليلة، لكن قلوبهم تنطوي على شر كثير وحسد كبير لذوي النعم والفضل، والسحر وهو الطريق الذي يحققون من خلاله بعض ما فاتهم، ويدركون به من سبقهم ويتحكمون به فيمن ناوأهم وعاداتهم، وهم لغبائهم الذي لا حدود له، يعلمون أنهم قد باعوا الآخرة ونعيمها بنعيم زائل هو نعيم الدنيا الفائت ( 9).ويعتبر الجن والعفاريت (الشياطين) من أهم منابع الخوف الأزلي في اليمن وهي كثيرة، حيث يسود الظن والاعتقاد بأن شرها مقدر حتماً على الإنسان ولا نجاة له منها مطلقاً، مهما بلغ مقدار علمه أو قدر جاهه أو عمق اعتقاده الديني وطُهْر حياته الخاصة والعامة.ويؤكد المؤرخون وعلماء الاجتماع أن الاعتقاد بالجن متأصل في التراث السامي، وله ركائز في العديد من الآيات القرآنية التي تخالف عموماً سائر اعتقاداتنا الشعبية والأسطورية عنه. فالأهالي يؤمنون بأنه يتشكل كما يريد، ويسرق لنا، ويسكن الأماكن المهجورة أو مع الناس. وقد يعشق الجني ويصادق، ويخاصم الإنسي، أو يؤاكله (إلا إذا نطق هذا باسم الله أو باسم الصليب كما يعتقد العرب المسيحيون)، كما قد يغني الجان، ويرقص، ويغسل ثيابه، ويقيم الأفراح.ويذهب البعض، في شطحاته “العلمية”، في مضمار تبرير الخرافات وتأصيلها، إلى حد الزعم بأن الشيطان لا يستطيع أن يوسوس إلينا من خارج أجسامنا وإنما من الداخل. ولما كان الدم يغذي المخ ويصل إليه بسهولة، فعن طريق جريان الشيطان في الدم، يمكنه الوصول إلى مناطق التفكير والإدراك لدى الإنسان ونقل أفكاره الخبيثة إليها، ومن ثم، إملاء التصرفات الشيطانية عليه.ويسود الاعتقاد الخرافي لدى كثيرين في اليمن وغيرها من بلدان العالم المتخلف أن الجان للشخص القادر على جمعهم، ثم على تفريقهم وفق طرائق سحرية خاصة. والمخيلة الشعبية التي جعلته حيواناً ذا رأس بشري، أو ذا عدة رؤوس، نسجت عدة مزاعم مرتبطة به وخلقت، وبالتالي، طقوساً ملائمة للتعامل معه. ومن ذلك أننا اليوم إذا سكبنا الماء على الماء لإطفائها نستأذن الجان، أو نبسمل أو نقول له (دستور) كما في مصر لكي نصرفه عنا.الأوليــــاء :يذهب بعض المفكرين المعاصرين إلى أن أولياء الله الصالحين في الإسلام ليسوا، بالضرورة، شخصيات تاريخية، ولذلك لم يبذل واضعو الأساطير الجهد حتى يضعوا أحداث حياتها في سياق تاريخي معقول. أما العامة - وهم الذين تلقوا هذه الأساطير في شغف ونهم عظيمين، وكانوا دوماً على استعداد لتقبل المزيد - فعنايتهم بالتحقيق أضأل بطبيعة الحال، ولا بأس في أن تزعم الكتب أن رأس أبي الشهداء الإمام (الحسين بن علي) قد أتى به الفاطميون إلى القاهرة، أو أن تزعم العامة أنه قد تدحرج بعد من كربلاء إلى مصر (عبر البحر الأحمر). وما من جهد يطلب، متى أرادوا إقحام المعتقدات الوثنية في الإسلام، أكثر من تغيير اسم الإله إلى اسم مسلم، تسبقه كلمة (السيد) أو (الشيخ) أو (الولي)، بل وأحياناً يسمى الولي باسم البلدة التي عاش فيها أو يُنسب إليها، كـ(الشيخ شطا) أو (الشيخ الطنطاوي) ( 10).ويسقط الناس على الولي قدرات لها علامات، هي ما نطلق عليه: الكرامات التي تميزه عن سائر البشر، ويسود الاعتقاد لدى كثيرين بحدوث ظواهر خارقة على أيدي هؤلاء الأولياء، تدل على ما يتمتعون به من امتياز عن سائر الناس، ومن قوة فائقة نظراً لارتباط حياتهم، أثناء ميلادهم أو خلال حياتهم، بكرامات وخوارق هي في المرتبة الثانية بعد المعجزات.ولا تقتصر المعجزات والكرامات والأعمال والأفعال الغريبة على الولي بل تشمل أتباعه أحياناً كما في المثال التاريخي التالي:وفي مضمار الحكايات الخيالية التي تروى عن (أحمد بن علوان) (13) أن أمه كانت مدة حملها به تساهر النجوم كل ليلة، وترى كل ليلة نجماً له مائة قرن وعشرون ذنباً، ولأنها كانت تنبهت من رؤيته سمته (الباهوت) وكانت تتصور أنه ينفخ في بطنها أنفاساً ضوئية، وعندما ولدت خرج مع الوليد ما يشبه الشعلة، وعلى شدة إضاءتها أنست بها القابلة وقالت للأم:وكانت لذلك الوليد مخايل فريدة كالتي يتصورها القصاصون لطفولة الأنبياء.بعدما ولدت أم (ابن علوان) صعدت إلى السطح لكي ترى النجم، فرأته وقد تحولت قرونه إلى حراب نارية، كما استحالت ذيوله إلى آذان خيول، ولم تعد تفزعها تلك الرؤية، فتنبأت بخطورة شأن وليدها وجسّم لها هذا التصور نور ابنها إلى السماء كلما رأته، كأن بينه وبين النجوم حديث أسرار.هذه الحكاية تشير إلى كرامة خصت (ابن علوان) وهو جنين رأتها (أمه) نيابة عنه، أما تسميته بـ (الباهوت) فهو في الحكايات على تسمية (شيخ العفاريت) أو (الباهوت).ومما ينسب إلى (ابن علوان)، أنه وهو من منطقة (تعز) الشجراء، كان يأكل صبيحة كل يوم من أيام صغره من شجرة (الذفيرا)، وهذه الشجرة تقاوم البرد والحر وتخضر في وجه الشتاء والصيف ولها روائح كالبهارات الحادة، ويستعملها أهل المناطق الوسطى في القهوة عند ولادة المرأة وفي نقاهة المريض، ويمسحون بماء أوراقها وجه الوليد كتعويذة، وتقول الحكاية : أن (ابن علوان) أول من أكل من هذه الشجرة عن وحي صوتي من حولها أو من دخيلة أغصانها، فقد سمع صوتاً يناديه: كل يا أحمد (الذفيرا). وهذا الإيحاء يدل على سحريتها واستخدامها ضد السحر باعتبارها مهنة شيطانية، وضد الشياطين، وبسبب أكل هذه الشجرة كان (ابن علوان) يسافر في الشعاب فتخافه كل الوحوش (14).والإجماع لدى فقهاء المسلمين هو أن كرامات الأولياء حق، وهي ظهور الأمر الخارق يجريه الله على أيديهم وإن لم يعلموا به، مثل (قصة أصحاب الكهف)، ولذا فإن بين كرامات الصالحين وما يشابهها من الأحوال الشيطانية فروق متعددة، وكرامات الأولياء لا بد أن يكون سببها الإيمان والتقوى، لذا فهي أمر يجريه الله عز وجل على يد عبده المؤمن، ما مؤداه أن الكرامة لا تظهر على فاسق وإنما يختص بها ولي.ومما ورد في بعض كتب التاريخ اليمني بهذا الصدد ما يلي:هيمنـــة الخرافـــة :كان الناس، في اليمن، - ولا يزالون يلجأون - إلى الشيخ أو الولي أو العارف بالله (16 ) (حياً كان أو ميتاً)، لاحتمائهم بمقامه (17) ولاعتقادهم في كراماته، واعترافاً ببركاتهما (18 ) التي تنساب من يدي الشيخ وهو يتمتم بذكر الله والرسول، وقد يطلق البخور، فيشيع حوله جواً من الطمأنينة والهدوء، وفي تلك الأقوال والأفعال تأثير لا يمكن تجاهله على حالة المريض المعنوية، وهذا لا ينكره الطب النفسي الحديث .. فالإنسان نفس وبدن، وكلاهما يؤثر في الآخر، وقد يشفى المريض ويبرأ، اعتقاداً منه في معجزات شيخه أو وليه أو قديسه ... الخ.ونجد كرامات الأولياء اليمنيين المزعومة منتشرة أيضاً حتى على أحدث وسائل العلم وأعظم منجزات العقل الإنساني (الطائرات الحديثة)، التي لم يبخل المسئولون في اليمن عن تزويدها بالمعتقدات الشعبية كي يزداد ركابها علماً ودراسة باليمن واليمنيين، وقد يستفيد صناعها مما لدى اليمنيين من أفكار وإبداعات فيطورون تلك الطائرات العملاقة على ضوء هذه الأفكار؟!وعلى سبيل المثال ورد في مجلة (اليمنية) الصادرة عن : (الخطوط الجوية اليمنية)، العدد (12)، يوليو / سبتمبر 2004م:ولم يفت المجلة المذكورة أن تصب جام غضبها على الإمام (أحمد حميد الدين) الذي هدم - حسب زعم المجلة - قبر الولي (ابن علوان) ونهب باب مسجده الخشبي البالي كي يضعه على باب قصر الحكم في تعز بدلاً من الباب الملكي القديم ( 20)؟!على أن بعض الأولياء في اليمن ترتبط المعجزات والخوارق المنسوبة إليهم بنضالهم السياسي. وعلى سبيل المثال فإن البعض يؤكد أن الدارس الاجتماعي يرد الاستغاثة بـ (ابن علوان)، ويعلل الحكايات عنه إلى مواقفه الجريئة إلى جانب الشعب وإلى مقاومته مستغليه، فامتدت عن الولي المذكور الخرافات بعد موته من واقع حياته النضالية، فلأنه كان نصير إنسان زمانه، أصبح نصير الناس بعد موته، كامتداد عظيم متخلف عن حياته العظيمة.وينطبق ذلك على كثير من الأولياء عبر العصور، وعلى سبيل المثال نطالع في بعض كتب التاريخ اليمني ما يلي:وفي بعض المناطق اليمنية لا زالت المرأة الراغبة في الحصول على طفل عن طريق الحمل تذهب إلى أحد قبور الأولياء أو لمقابلة أحد الزهاد الذي يعطيها مقابل مبلغ تدفعه، حجاباً تحمله في أحد أجزاء جسدها الخفية، وقد تذهب إلى المقابر القديمة فتبوح لبعض الموتى برغبتها وتطلب منهم معاونتها على تحقيقها.كما ساد ولا زال هناك اعتقاد لدى بعض اليمنيين، بأن تراب قبر ولي ما كفيل، بسبب كرامته، بطرد الحشرات السامة من منازلهم كالحيات والثعابين، وأن دواء الحمى مرهون بأوراق شجرة (22 ) مبروكة وأنه يمكن للجان تقمص الإنسان وتحكمه به في صور وأشكال مختلفة وأن بعض الحيوانات والحشرات ما هي إلا شياطين تشكلن بأشكالها .. الخ.وقد اعترض البعض على تلك المعتقدات:الهوامش: (1 ) كتاب: (بهجة الزمن - يوميات يمانية في القرن الحادي عشر)، للمؤرخ: يحيى بن الحسين بن القاسم، تحقيق: الأستاذ عبدالله الحبشي.(2 ) وقديماً كان يسود الاعتقاد بأنه قد تتقاتل طوائف من الجن، فيثير قتالها عواصف الغبار، ولذلك فسر الجاهليون حدوث العواصف والزوابع بفعل الجن. ولا زال الأمر لدى الكثيرين في اليمن كما كان في الجاهلية، فيفسرون الزوابع الترابية بأنها بتأثير الجن أثناء عراكهم أو غيره.(3 ) واحولاه الليلة.(4 ) ونشاهد بعض أدعياء السحر والمشعوذين ينطقون بأسماء بعض الكواكب أو تلك التي ترمز لها ويخاطبونها موهمين الآخرين بأنه بذلك يتم سحرهم وينفذ ويتحقق أمام الرائي.(5 ) (بهجة الزمن)، م. س.(6 ) ولا يخفى ما في هذه الطريقة من تعظيم لغير الله سبحانه وتعالى واستغاثة بالمعبودات الوثنية القديمة، وهنا ينطبق قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد).(7 ) م. س.(8 ) صحيفة (الثورة) “حكومية”، العدد (14117) وتاريخه 7 /7 /200م.( 9) أبو بكر جعفر، لحج، راجع مثلاً: المقالة المنشورة له في صحيفة (الأيام) “يمنية”، العدد (3883) وتاريخ 2 /6 /2003م.(10 ) الأستاذ حسين أحمد أمين، (دليل المسلم الحزين)، الطبعة الثالثة، 1987م، مكتبة مدبولي.( 11) (يوميات يمانية)، تأليف: المؤرخ العلامة اليمني الكبير (يحيى بن الحسين بن الإمام القاسم)، تحقيق: الأستاذ العلامة عبدالله الحبشي.( 12) يوميات يمانية، م. س.( 13) أحمد بن علوان: (ت 665هـ / 1267م): هو أحمد بن علوان بن عطاف بن يوسف بن مطاعن بن عبدالكريم بن حسن بن إبراهيم بن سليمان بن علي ابن عبدالله بن محمد بن عيسى بن إدريس بن عبدالله بن عيسى بن عبدالله بن الحسن المثنى بن الحسن السبط ابن علي من فاطمة بنت رسول الله r .ويذكر أن (ابن علوان) ولد في قرية عُقالة (بضم العين المهملة) وهي قرية من قرى (جبل صبر)، أما (الجَنَدِي) فيقول: إنه نشأ بموضع يعرف بـ (ذي الجنان) من جبل (ذُخر)، وفي حين تجمع كل المصادر على أن وفاة الشيخ (أحمد بن علوان) كانت سنة (655هـ / 1267م)، فإن أياً منها لم يشر إلى تاريخ ميلاده.( 14) البردوني، (فنون الأدب الشعبي في اليمن)، دار الحداثة، لبنان، الطبعة الثانية، 1988م، ص (74).(15) ص ( )، كتاب العمري.(16 ) ومعظم الأولياء هم من السادة الذين ينحدرون من سلالة النبي محمد .( 17) سنة 1081هـ :وفي هذا الشهر : اتفق أن السيد (جعفر بن مطهر الجرموزي) متولي (العدين) هرب بعض أصحابه إلى مشهد الشيخ (صلاح)، فأمر السيد بإخراجه من الحوزة فلم يساعده أحد فسار بنفسه وأخرجه، قال الراوي: فخرج عليه حنش عظيم في مجلسه ومكانه، وما زال يراه في كثير من أوقاته فسار إلى (المذيخرة)، فلم يشعر إلا بذلك الحنش أطل عليه من باب مكانه فصاح وحصل معه بعض طيش ووحشة، وكان السيد جعفر قد تقبل بلاد العدين هذا العام بقبال كبير كل شهر ستة آلاف، فجار على الناس بسبب (القطعة) والقبال.(18 ) والبركة تعني بالضرورة الشعور بالعجز. كما أن الإحساس بأهمية البركة يعني التقليل من دور الإنسان في الخلق والإبداع والتغلب والتفوق.والأدعية تقوم، أساساً، على أمل سحري في الخلاص من خلال الاعتقاد بجبروت الأفكار والكلمات وما تتضمنه من رغبات لم يترك لها من مجال للتحقيق في الواقع، سوى التعلق الخرافي بجبروت الأفكار من خلال أدعية الرجاء والتمني، وأدعية اللعنة والسخط سواء بسواء. وهكذا نجد أن جبروت الرجال يحل محل قوة الفعل التحويلي كأداة للتغيير إلى الأفضل، كما أن روحية الاستجداء والاحتماء تحل محل المطالبة بالحق والعمل على انتزاعه.( 19) مجلة (اليمنية)، إصدار: الخطوط الجوية اليمنية، العدد (12)، يوليو / سبتمبر 2004م. وليس صحيحاً ما ورد فيها بشأن الباب المذكور.(20 ) والجدير بالتنويه أن هذه المجلة توزع مجاناً كما تزود بها كافة الطائرات ليتزود المسافرون بالخرافات الواردة فيها وهم يمخرون آفاق السماوات بأحدث منجزات العقل البشري من وإلى مختلف الاتجاهات.(21 ) م. س.، ص (50). ومنطقة (المظلل بالغمامة) صارت الآن منطقة سكنية هامة في حي (جامعة صنعاء) ولا تزال تحمل ذات الاسم التاريخي.(22 ) ولا يمنع أن يكون هناك من الخواص الكيميائية أو الطبيعية في التراب أو ورق الشجر ما يجعلها ذات تأثير معين. ولكن الاعتقاد فيها لا يكون بسبب ذلك وإلا كان اعتقاداً خرافياً.[c1]* التفاصيل راجع صفحة رقم 7 بصيغة PDF[/c]