كلمات
كأنني كنت أقرأ الطالع، أرى مستقبل مرسي في الفنجان، أو أتكهن أو أنني كنت أفتح المندل، قبل شهور قلت هنا: إن المرأة المصرية قادرة على خلع الرئيس أبوكرتونة وجماعته، وقلت كذلك: إن مشهد النهاية في حكم مرسي وعشيرته سيكتب بقلم حريمي، وقد صدقت توقعاتي وتحقق ما رأيته في المندل وشاهدته في الفنجان. فقد نجحت نساء مصر في خلع مرسي والشاطر وبديع والبلتاجي والعريان، ليس هؤلاء فقط، بل نجحت نساء مصر في خلع جميع الانتهازيين الذين كانوا يسيرون في ركب هذه الجماعة، أطاحت بهم من المشهد السياسي تماماً.لا أحد ينكر أبدا دور المرأة في مظاهرات 30 يونيو، تابعنا ولاحظنا جميعاً أنها كانت سباقة بالنزول والحشد والهتاف في الميادين: الشعب يريد إسقاط النظام.. ما إن تفتح فضائية تسمع أصواتهن أعلى من صوت الرجال، محجبة وسافرة ومنتقبة، موظفة وطالبة ومهندسة وطبيبة ومذيعة وبوابة وصحفية وربة بيت وبائعة، تهتف بكل كيانها: ارحل، وها هو قد رحل وصدقت توقعاتي وتكهناتي وخلعت المرأة المصرية جماعة الإخوان وللأبد من المشهد السياسي المصري والعربي.تسألون لماذا توقعت قيام المرأة المصرية بخلع مرسي وعشيرته؟، لعدة أسباب على رأسها أن الكتلة التصويتية للنساء تبلغ 33 مليون صوت، وأن الإحصائيات تؤكد أن النساء الأكثر التزاماً وحضوراً في الانتخابات عن الرجال، فالثابت بالأوراق الرسمية أن نسبة النساء من إجمالي تعداد السكان حوالي 56 ٪.وفي المقالات التي قرأت فيها طالع مرسي وعشيرته تساءلت: ماذا لو اتحدت نساء مصر في حزب أو ائتلاف أو كتلة؟، ماذا لو استيقظنا صباحاً ووجدنا حوالي ثلاثة ملايين فتاة وامرأة في الميادين والشوارع يطالبن بحقوقهن السياسية التي تتوافق ونسبتهن من تعداد السكان؟، وماذا لو قررت النساء تأسيس حزب نسوى؟، وماذا لو قررن خلع الرئيس مرسي؟، كيف ستتصدى جماعة الإخوان لهن؟، وهل د. مرسي سيحاول إقناعهن بالعدول عن فكرة الإطاحة به؟، وماذا لو فشل؟، هل ميليشيات الجماعة سوف تنزل وتتحرش بهن في الشوارع لكي يبثوا الرعب في قلوبهن؟، هل ستجند الجماعة جيشها الإلكتروني للنيل من سمعتهن؟، هل سيقومون برمي المحصنات لكي يظلوا في مقاعدهم؟وقبل كتابة هذه المقالات تحدثت مع العديد من الصديقات والناشطات وحاولت إقناعهن بتشكيل حزب نسائي حتى لو كان الحزب في شكل صفحة أو جروب على الفيس بوك، كما طلبت من بعضهن أن يفكرن في كيفية نزولهن للأميات والمعيلات منهن لكي يقنعهن برفض كراتين جماعة الإخوان، بعض من تحدثت معهن استحسن الفكرة واكتفين بكلمات شكر وثناء، وبعضهن الآخر خاض تجربة المجموعات الفيس بوكية، وبعضهن استسلمن لذهنية الرجل وثقافته المتحفظة والمتجمدة.وأيامها نصحت المتعلمات منهن بأن بداية خلع الرئيس مرسي وعشيرته من النزول إلى الشوارع والميادين والحارات في الأحياء الشعبية لإقناع المرأة الأمية والمعيلة والمرأة العاملة بألا تقبل كرتونة السكر والزيت والصابون والسمن التي تقوم جماعة الإخوان بتوزيعها قبل الانتخابات، والحقيقة أغلبهن سأل: هل من الممكن تشكيل حزب نسوي؟، وماذا عن شكل مصر في ظله؟.حاولت أن أبسط لهن الفكرة وأخفف من مخاطرها على الرائدات منهن، لكن عندما اختلي بنفسي أكتشف أن الحزب النسوي سوف يغير من خريطة مصر السياسية والاجتماعية في آن واحد، لماذا؟، لأننا سوف نشهد مباراة في فقه العورة، حيث سيحاول الذكور تدشين خطاب فقهي يكرس لإقصائهن وعودتهن إلى البيوت، وبالطبع هذه الفتاوى سوف ينتجونها ليس لأنها تعبر عن قناعتهم الفقهية الذكورية بل لخوفهم من سيطرة النساء على المناصب التي يتسيدونها بذكوريتهم.صحيح قد يخضع بعضنا «مثلما نخضع في البيوت» لرغباتهن وأجنداتهن، وقد يستسلم بعضنا تحت مبرر الديمقراطية والتعددية والشفافية، لكن البعض الثالث وهم الأغلبية سوف يرفضون تماماً سيطرة المرأة اجتماعياً في المنزل وسياسياً في الشارع، وفي ظني أن أول سلاح سيرفعه الإخوان والسلفيون لإجهاض الأغلبية النسوية في البرلمان أو في المحليات أو في ميدان التحرير أو في غيرها، هو شرع الله كما يفهمه الرجل وليس كما جاء في نصوص القرآن.صحيح المرأة المصرية لم تؤسس حزباً نسوياً، ولم تشكل تكتلاً أو جماعة نسوية، لكنها استشعرت الخطر عليها وعلى عاداتها وتقاليدها التى توارثتها من جيل إلى جيل، بذكائها الشديد خافت على مستقبل بناتها وشبابها، تركت البيت ونزلت الشارع وصرخت وقالت: لا.. يسقط يسقط حكم المرشد، وكتبت بيدها الرقيقة مشهد نهاية أبوكرتونة وعشيرته، ليس في مصر فقط بل وجهت للتيار المتأسلم في الوطن العربي كله الضربة القاضية.