مشروع طريق ذمار – الحسينية .. حكاية فساد لا تنتهي
صنعاء / عادل عبده بشر ليست المسلسلات التركية المدبلجة هي الوحيدة (طويلة التيلة) ففي اليمن هناك مسلسل آخر ينافس تلك المسلسلات في عدد حلقاته وطول امدها .. انه مسلسل تطفيش المستثمرين وهو مسلسل قديم جديد وسيستمر الى ما لا نهاية في حال لم تتخذ الجهات الرسمية اجراءات جادة للحد من هذا الفساد..بين ايدينا واحد من تلك المسلسلات اليمنية الخاصة بتطفيش المستثمرين وما ينتج عن ذلك من عواقب وخسائر فادحة يتجرعها الوطن والمواطن..انه مشروع طريق ذمار- الحسينية الذي يدخل الآن عقده الرابع ولا زال يمتص المليارات من خزينة الدولة فاقت تكلفته الحقيقية عشرات المرات والافظع من ذلك ان الحكومة مهددة حاليا بدفع مليارات الريالات تعويضا لشركة مقاولات خارجية جاءت بمعداتها الى اليمن لتنفيذ هذا المشروع بعد ان رست عليها مناقصة رسمية ولكن اخطبوط الفساد لم يتركها في حالها وبدلا من تنفيذ المشروع تعرضت الشركة للهلاك والدمار.. حتى المعدات والآليات الخاصة بها والتي احضرتها بغرض تنفيذ مشروع الطريق تم قرصنتها والسيطرة عليها باساليب مختلفة بما في ذلك قوة السلاح..[c1] لماذا الان؟[/c]منذ سنوات وانا اسمع او اقرأ عن مشروع طريق ذمار- الحسينية .. عن تعثره عن الفساد المعشعش عليه .. عن المناقصات والشركات المتعاقبة على تنفيذه .. عن القروض التي يقرها البرلمان مرة بعد اخرى لتمويله .. عن كلفة تنفيذه وكيف تضاعفت مرات عدة.. عن وعن وعن .. اشياء كثيره قد نجمعها تحت عنوان ( حكاية فساد لا تنتهي)..الجديد في هذه القضية وهو ما قد يشكل اخر ضربة في جسد الاستثمار في اليمن وسٌمعة اليمن بشكل كامل في حال لم تتحرك حكومة الوفاق لمعالجة هذا الامر بهدوء واعادة الثقة لبعض المستثمرين.. ما لم فلنقرأ على مستقبل الاستثمار في اليمن السلام..[c1]محاكم دولية وتعويضات بالمليارات[/c]وفي هذا الصدد تعتزم شركة «نوراك» التركية للمقاولات رفع دعوى قضائية في المحاكم الدولية ضد حكومة الوفاق ممثلة بوزارة المالية ووزارة الاشغال لعدم ايفاء الوزارتين بالتزاماتها المالية للشركة وفقاً للعقد الموقع بين الطرفين بشأن مشروع طريق ذمار الحسينية.وهو ما سيتيح للشركة اياها انتزاع مبالغ خيالية من حكومة الوفاق كتعويضات وغرامات قد تصل الى نصف مليار دولار سيتم دفعها من قوت المواطن اليمني البسيط..وفي حال تمكنت الشركة التركية من اقناع دوائر التحكيم العالمية بان ما تعرضت له في اليمن من انهاك مادي وحجز المعدات والاليات التابعة لها قد حال دون عمل الشركة لمدة ثمان سنوات متواصلة في مكان بالعالم ..فقد تحصل الشركة على تعويضات عن كل سنة مضتها في اليمن دون عمل .. وبحسب محاسبين قانونيين قد يصل التعويض عن ثمان سنوات الى مليار واربعمائة مليون دولار اضافة الى المبلغ السابق (500مليون دولار) ستدفعه الحكومة من ميزانيتها للشركة التركية..وتأتي هذه الخطوة من جانب الشركة التركية في الوقت الذي تم تسليم المشروع المتعثر منذ 8 سنوات لـ 4 شركات محلية بكلفة 5 مليارات و500 مليون ريال.[c1]صرخة مواطن[/c]ليست المرة الاولى التي نناقش فيها قضايا فساد من هذا النوع الذي تكون جهات حكومية هي السبب الرئيس في حدوثه .. فمرات عدة كتبنا وصرخنا وغضبنا وخدشنا السماء بأقلامنا ولكننا لم نجد استجابة في كثير من تلك القضايا..الاختلاف فيما قلناه سابقا وما نقوله ونكشفه اليوم اننا الآن نعيش فيما يسمونه بعصر التغيير وفي ظل حكومة جاء بها هذا التغيير وفي حال تمكنت الشركة التركية من انتزاع حكم دولي لصالحها فان ذلك سيكون الضربة القاضية لحكومة الوفاق وستتاثر ميزانية الدولة بشكل كبير وبالتاكيد المواطن البسيط هو الذي سيدفع الثمن.. لذلك نحن نناشد حكومة الوفاق الوطني برئاسة الاستاذ محمد سالم باسندوة ان تولي هذا الامر جل اهتمامها وان تعمل على حل الاشكالية مع الشركة الخارجية بشكل يحفظ للحكومة ما تبقى من ماء الوجه وما تبقى من ميزانيتها المبعثرة.. وبما يجنبها الجرجرة في دوائر التحكيم العالمية وما سيرافق ذلك من تشويه لما تبقى من سمعة اليمن فيما يتعلق بالفساد ومحاربة الاستثمار..[c1]أصل الحكاية[/c]في العام 2004م اعلنت وزارة الأشغال العامة والطرقات عن مناقصة دولية لمشروع طريق ذمار الحسينية، وفاز التحالف المكون من شركتي «نوراك» التركية و»الرحاب» اليمنية بالمناقصة بتكلفة مقدارها 38 مليوناً و104 آلاف و397 دولاراً، في حين كانت التكلفة التقديرية التي أعدها مهندسو الأشغال تصل إلى 54 مليون دولار.وفي 14 اغسطس 2004م تم توقيع عقد تنفيذ الطريق بطول 254 كم بين حكومة الجمهورية اليمنية ممثلة بوزارة الأشغال وتحالف (نوراك/ الرحاب)، ونص العقد على أن يتم تنفيذ المشروع بالتكلفة المذكورة خلال 30 شهراً..ووفقا للمعلومات التي حصلنا عليها في هذا التحقيق من مصادر عدة او من وثائق تتعلق بهذا الامر فقد واجهت شركة «نوراك» التركية الكثير من العقبات منذ أول يوم للعمل في المشروع، حيث فوجئت عند وصولها إلى الموقع بأن التصاميم الهندسية للطريق ليست حقيقية ولا واقعية ولا صالحة للتنفيذ، وهو ما أقره مهندسو وزارة الأشغال ذاتها .. بالاضافة الى ذلك تم تغيير الاستشاري الاصلي باستشاري مصري تخصص مجاري!!.وبطلب من وزارة الأشغال تم استقدام شركة أخرى متخصصة في التصاميم الهندسية للطرقات، وظلت الشركة المنفذة للمشروع في حالة انتظار طوال فترة إعداد التصاميم ومراجعتها من قبل وزارة الأشغال ومهندسيها والمستشار المختص التابع للوزارة، واستغرقت مرحلة إعداد وتعديل التصاميم قرابة عام كامل.وأتت التصاميم الجديدة بتعديلات وتغييرات واضافات وبيانات تقتضي تعديل كل شيء في العقد، من جداول الكميات والمسافات إلى المتطلبات والأسعار والتكلفة وغيرها.[c1]تأخير وعرقلة[/c]وخلال مرحلة التنفيذ واجهت الشركة العديد من العراقيل من قبل وزارة الأشغال حيث كانت الشركة تعمل شهراً وتتوقف عدة أشهر بسبب عدم وفاء وزارة الأشغال، بالتزاماتها المالية للشركة من ناحية، وتأخير العمل من قبل «المهندسين الاستشاريين» من ناحية أخرى، ومرت فترة الـ30 شهراً ونسبة الانجاز في المشروع لم تتجاوز 40 %.[c1]سطو جمركي على المعدات[/c]في العام 2005 قامت الشركة التركية باستيراد معداتها الى اليمن مستفيدة من نظام الاعفاء الجمركي المؤقت .. ووفق بواليص شحن المعدات والآليات كان اسم الشاحن والمستورد والجهة التي يتم ابلاغها شركة نوراك للانشاء والتجارة المحدودة.. لكن هذه الشركة فوجئت بعد ذلك ان المعدات والآليات الخاصة بها دخلت اليمن باسم شركة يمنية وليس باسم الشركة المالكة لها..[c1]تسويات[/c]وفقاً للوثائق التي حصلنا على نسخ منها، فقد أبرمت وزارة الأشغال 3 تسويات ودية مع هذه الشركة المنفذة لمشروع طريق (ذمار- الحسينية)، أولها التسوية الودية الموقعة بتاريخ 19 فبراير 2008م والتي قضت بتمديد فترة التنفيذ 24 شهراً ودفع تكاليف الأعمال الإضافية وأوامر التغيير، في حين قضت الاتفاقية الثانية بتاريخ 13 إبريل 2009م بتعويض الشركة عن خسائر توقفها والأعمال الإضافية والتي تقدر بمبلغ 6 ملايين و500 الف دولار، اما الاتفاقية الودية الأخيرة فقد تم توقيعها بتاريخ 21 يوليو 2010م على أساس ان يتم سحب المشروع من الشركة التركية مقابل التزامات وتعويضات أخرى تدفع للشركة. [c1]استمرار سريان العقد[/c]بحسب اتهامات الشركة التركية فان الجهات اليمنية لم تلتزم ببنود تلك الاتفاقيات متناسية ان احد شروط الاتفاقية يشدد على ضرورة الالتزام بتنفيذ البنود واحدا تلو الآخر وانه في حال عدم تنفيذ ما ورد في الاتفاقية من التزامات وتعويضات تدفع للشركة التركية مقابل سحب المشروع منها .. فان الاتفاقية تعتبر ملغية والعقد الاساسي الموقع مع الشركة يعتبر لايزال ساري الصلاحية والمفعول..الاهمال اليمني في عدم تنفيذ شروط الاتفاقية الودية مع الشركة الخارجية جعل هذه الشركة تستغل ذلك لصالحها من خلال تمسكها بشرط سريان مفعول العقد الاساسي الموقع معها بخصوص مشروع طريق ( ذمار - الحسينية)..[c1]رسوم جمركية وغرامات[/c]تقضي الاتفاقية الودية ان تقوم الشركة التركية بفسح معداتها وآلياتها من الجمارك اليمنية خلال سبعين يوما ..رغم علم من صاغ الاتفاقية ان شركة نوراك التركية لن تتمكن من انجاز ذلك الامر لان المستندات الجمركية لهذه المعدات سٌجلت باسم شركة يمنية وليس الشركة التركية التي تمتلكها ..وبدا واضحا من هذا الشرط ان من وضعه يرغب في فرض غرامات ورسوم جمركية على الشركه الخارجية وعرقلة عملية اكمال اتفاقية التسوية وكذلك منع الشركة التركية من تصدير معداتها وآلياتها خارج اليمن واعادتها الى تركيا..[c1]ضغوطات[/c]ونحن نجري هذا التحقيق وجدنا ان تحالف (نوراك/ الرحاب) قائم على أساس 93 % للشركة التركية و7 % لشركة الرحاب مقابل «تسهيلات»، لكن الواقع يروي ان الشركة التركية تعرضت للعديد من المشاكل دون ان تحرك الاخرى ساكناً، لا سيما في متابعة الجهة الحكومية لصرف مستخلصات الشركة في التوقيت المنصوص عليه في العقد.. وبسبب ذلك التأخير وجدت نوراك نفسها مضطرة إلى الدخول في اتفاق عقد مرابحة مع مؤسسة اخرى لتمويل الشركة بنسبة 10 %، غير أن مشاكل تأخير صرف مستحقات الشركة تواصلت، ولم تعد الشركة قادرة على تسديد مبالغ التمويل المقدمة من هذه المؤسسه، وكان يتم الضغط على الشركة لغرض اصدار شيكات وسندات ذمة شاملة غرامات التأخير بواقع 3% عن كل يوم تأخير، ولم تجد الشركة سوى اللجوء للقضاء وحكمت المحكمة التجارية باللجوء إلى التحكيم بحسب العقد الموقع بين الشركة التركية والمؤسسة الممولة، ورفضت المحكمة طلب اصدار أمر أداء لمستند اقرار الذمة الذي أخذ من الشركة بغير حق، وتم حجز مستحقاتها المتأخرة أصلاً لدى وزارة الأشغال وتجميد أرصدتها في كافة البنوك، وتم حبس رئيس مجلس إدارة الشركة في السجن المركزي كما تم حجز معدات الشركة التي تتجاوز قيمتها 20 مليون دولار، في حين ان سند اقرار الذمة المأخوذ تحت التهديد لا يتجاوز مليوني دولار.[c1]تجاوز للقانون[/c]والأدهى من ذلك ان إجراءات حجز المعدات يفترض ألا تتم من قبل المحكمة التجارية إلا بضمان بنكي مؤكد أكبر من أو مساو لقيمة المعدات المحتجزة، لكن- بحسب صور وثائق حصلنا عليها - فقد تم اعتماد ضمانة من شركة اخرى، مع ان رأس مال هذه الشركة وفقاً للضمانة المقدمة لا يتجاوز 20 مليون ريال (أي نحو 100 الف دولار) فقط!!.وبعد «ماراثون» طويل من التقاضي أصدرت محكمة جنوب غرب أمانة العاصمة حكماً ببراءة رئيس مجلس إدارة الشركة التركية، وتغريم غريمه «المؤسسة الممولة» مبلغ 100 الف ريال أجور التقاضي في حين لا يعلم حتى الآن مصير المعدات التي تم احتجازها بضمانة لا تساوي حتى 5 % من قيمتها!!.[c1]تطفيش الشركة الخارجية[/c]وبالعودة إلى تفاصيل ما سبق يتضح ان ممارسات الجهة صاحبة العمل ومهندسيها والمهندس الاستشاري كانت وراء المعوقات، بدءاً بإعلان مناقصة دولية بدون تصاميم حقيقية ومروراً بمماطلات في المستحقات، والحرص الشديد على تطفيش الشركة التركية ولو على حساب امكانات البلاد وبمبررات غير حقيقية، بدليل ان جميع التسويات تضمنت تعويضات لهذه الشركة.[c1]قانون فيدك[/c]المعلومات التي استطعنا الحصول عليها في هذا الموضوع كشفت عن مدى جهل الجهات المختصة في الحكومة اليمنية بالقوانين المتعارف عليها في هذا المجال ..فالعقد الموقع مع الشركة التركية يخضع للقوانين الدولية، باعتبار مناقصة المشروع مناقصة دولية، كما يخضع تنفيذ المشروع ونزاعاته لقانون (فيدك) العالمي.. وهو ما سيتيح للشركة التركية مقاضاة الحكومة اليمنية أمام المحاكم الدولية وانتزاع تعويضات بمبالغ ضخمة من الحكومة بكل سهولة، ويكفيها ان تعتمد في ذلك على ما أقرته الحكومة من تعويضات للشركة في الاتفاقيات الودية التي تمت مع الشركة.وكل هذا على حساب الشعب اليمني وعلى حساب أبناء مديريات مغرب عنس وعتمة ووصاب، الذين قد ينتظرون عقوداً أخرى من الزمن لتحقيق حلمهم بإنشاء هذا الطريق الحيوي المهم.[c1]في الختام[/c]رغم ادعاءات الشركة التركية براءتها من كل العراقيل والمشاكل التي حدثت منذ بداية تنفيذها لمشروع طريق (الحسينية - ذمار) الا انها تعتبر ساهمت في هذه المشاكل وفي عرقلة عملية سحب المشروع منها مستغلة في ذلك تلهف جهات يمنية على تسليم المشروع لشركات اخرى بتكاليف اكثر مما كان مخصصا للشركة التركية ومستغلة جهل المسؤولين عن هذه الاتفاقيات الودية بالقوانين الدولية التي تخضع لها مثل هذه المناقصات..فمن جهة وافقت الشركة التركية على ماجاء في الاتفاقيات الودية ومنها البند الذي يلزمها بافساح معداتها والياتها من الجمارك اليمنية خلال سبعين يوما وارجاعها الى تركيا رغم علمها بانها لن تتمكن من تنفيذ هذا البند كون المستندات الجمركية لهذه المعدات مسجلة باسم الشركة اليمنية وليس باسم الشركة التركية .. وهذا يعني بقاء المعدات عالقة داخل اليمن الامر الذي يجعل الشركة التركية تستغل تجميد معداتها واجراءات الحجز عليها في حال قامت برفع قضية على الحكومة اليمنية امام دوائر التحكيم العالمية ..وطبيعي ان تتهم الحكومة اليمنية باحداث شلل في عمل الشركة التركية على مستوى العالم لمدة ثمان سنوات التي لو اشتغلت فيها لكانت حققت مكاسب سنوية بمئات الملايين من الدولارات وطبيعي ايضا ان تطالب الحكومة اليمنية بتعويضها عن جميع خسائرها للسنوات الثمان الماضية..من جهتين :الاولى : تعويضات تتعلق بالمعدات والاليات التي لا زالت محتجزة حتى اليوم في اليمن بخلاف لو تم اطلاقها بحسب الاتفاقية الودية لكانت الشركة التركية قد تمكنت من تشغيلها في مشاريع اخرى خارج اليمن وحققت ملايين الدولارات سنويا من تاجير هذه المعدات..الجهة الثانية: مع استمرار صلاحية الشركة التركية في تنفيذ الاعمال بمبلغ 100 مليون دولا ر سنويا على سبيل المثال فان قيام الجهات اليمنية بحجز المعدات والاليات التابعة للشركة التركية يعتبر قد حال دون عمل الشركة لمدة ثمان سنوات متواصلة في أي مكان بالعالم وحرمها من مئات الملايين من الدولارات كانت الشركة ستكسبها جراء تلك الاعمال..وفي هذا الامر فاننا نناشد رئيس الحكومة ان يتدخل ويمنع تطور الامر ووصوله الى المحاكم الدولية ويقوم بحل الاشكالية مع هذه الشركة بطريقة ودية تكفل عدم التعرض لخسائر فادحة تستنزف خزينة الدولة..