نبض القلم
إن الإنسان اجتماعي بطبعه، فلا يستطيع أي شخص أن يعيش لوحده فكل فرد لا يحيا إلا في جماعة، هكذا شاءت إرادة الله حين خلقت الإنسان، فقد جعل الخالق عز وجل من خصائص الإنسان أن يعيش في جماعة، ومن طبيعة الجماعة الإنسانية أن يرتبط أفرادها بعلاقات متنوعة تربط بعضهم ببعض، على شكل دوائر متداخلة، تبدأ بالدائرة الأولى وهي الأسرة، ثم تتسع هذه الدوائر حتى تشمل المجتمع كله، الذي ينتمي إليه الفرد، وقد تتسع لتشمل الإنسانية كلها.ومن طبيعة الجماعة الإنسانية احتياجها لحاكم يقيم نظامها الاجتماعي، ويمنع عدوان بعض أفرادها على بعض، من أجل ذلك ظهرت الحاجة في المجتمعات المتحضرة إلى الحكومة، ومن أجل ذلك أيضاً صارت الحكومة عاملاً أساسياً لتحقيق الأمن والاستقرار في المجتمع، لأن المجتمع بحاجة إلى سلطة تضبط فيه النظام وترعى شؤون الأمن، وتحقق العدالة بين الناس، وتحمي البيئة من التلوث وتقاوم الأوبئة وتكافح الأمراض المعدية، وغيرها من المسؤوليات.وتنشأ بين الحكومة وأفراد المجتمع التزامات في صور حقوق وواجبات، حتى تكون المسؤولية مشتركة، أي أن المسؤولية مسؤولية اجتماعية، فإذا قام كل فرد في المجتمع بمسؤوليته فمعنى ذلك أن المجتمع قام بما عليه من مسؤوليات وأدى ما عليه من واجبات.فإذا كانت الحكومة مثلاً مسؤولة عن ضمان صحة أفراد المجتمع فإنها ممثلة بهيئاتها مسؤولة عن اتخاذ الإجراءات الوقائية لحماية الناس من الأمراض الوبائية، فهي مسؤولة عن توفير التطعيمات اللازمة لإكساب الجسم المناعة ضد الأمراض الشائعة، ومسؤولة كذلك عن عزل المرضى المصابين بالأمراض المعدية، حتى لا يختلطوا بالأصحاء فينقلوا المرض إلى المخالطين لهم، ومسؤولة أيضاً عن إصحاح البيئة بتوفير المياه النظيفة الصالحة للشرب، ومسؤولة عن تنظيم أعمال المجاري والتخلص من الفضلات وجمع القمامة ومراقبة الأغذية الفاسدة وفحص الحيوانات المذبوحة للتأكد من خلوها من الأمراض التي قد تصيب الإنسان، ومسؤولة عن إجراءات الحجر الصحي في الموانئ البحرية والجوية للتأكد من سلامة الداخلين إلى البلد من المسافرين وخلوهم من الأمراض المعدية، ومسؤولة عن تنظيف الشوارع والحارات من القاذورات والأوساخ، ومسؤولة عن تطهير مصارف المياه وردم البرك والمستنقعات للقضاء على البعوض وغيره من الحشرات. غير أن مسؤولية الحكومة لا تنفصل عن مسؤولية أفراد المجتمع، فالمسؤولية جماعية.إن المواطن الصالح هو الذي يلتزم بواجباته تجاه أفراد المجتمع ولا يتخلى عنهم عندما يكونون بحاجة إلى مساعدته.والمواطن الصالح هو الذي يتعاون مع أفراد مجتمعه في السراء والضراء، ولا يتخلى عنهم وقتما يكونون بحاجة إلى مساعدته، وهو الذي يبادر دوماً لعمل الخير، ويتصدى باستمرار لأعمال الشر.والمواطن الصالح هو الذي يبارك كل بادرة طيبة يقوم بها بعض أفراد المجتمع، ويساند كل جهد مثمر لصالح المجتمع، ويتعاون مع كل شخص لخدمة المجتمع، وهو الذي يسهم بفاعلية في الأعمال الخيرية التي يستفيد منها المجتمع.والمواطن الصالح هو الذي يتعامل مع بقية المواطنين تعامل الأخ لأخيه باعتبار ذلك واجباً دينياً يحثه عليه ديننا الإسلامي الحنيف، واستجابة لقوله تعالى: «إنما المؤمنون إخوة» (الحجرات، 10) وبمقتضى الإخوة الإسلامية ينبغي على كل فرد أن يراعي مصالح الناس ويحافظ على حقوقهم وأموالهم وأعراضهم، لأنهم بالمقابل سيحافظون على حقوقه وأمواله وعرضه. وبمقتضى الأخوة الإسلامية ينبغي على كل فرد في المجتمع أن يتحمل المسؤولية الملقاة على عاتقه تجاه الآخرين بأمانة ونزاهة وإخلاص وتجرد من المصلحة الخاصة، بل وتغليب المصالح العامة.