محمــد حسنـيـن هـيــــــــــكل فـــي آحـدث حـواراتـــه الصحفيــة :
اجرت الحوار : لميس الحديديأجرت الاعلامية المصرية المعروفة لميس الحديدي حوارا صحفياً مع المفكر العربي الكبير محمد حسنين هيكل بثته قناة ( سي بي سي) المصرية مساء أمس الأول الخميس ، وصف فيه مصر بأنها لا تشهد انفتا سياسياً وأمنياً بل انفلات السلطة بحسب تعبيره .وقال هيكل ان شهر يونيو الحالي يعتبر شهرا كاشفا وخطيرا في تاريخ مصر ونظامها السياسي ، واتهم الرئيس مرسي بأنه يتصرف بصورة ارتجالية تستلزم محاسبته ، منوهاً بأن الرئيس المصري قادم من حزب الحرية والعدالة، وتنظيم الإخوان، وهو جاء رئيساً وبدعمهم وبأموالهم، وإذا لم يكن هناك من يحاسب أو من يراجع أو يعدل فهناك أمر خطير.ونظرا لأهمية هذا الحوار تعيد صحيفة ( 14 اكتوبر ) نشره تعميما للفائدة :* المشهد الراهن مرتبك فوضوي.. كيف ترى هذا المشهد بعد اقتراب عام على عهد الدكتور مرسي؟** بأمانة شديدة، شهر يونيو الحالي يعتبر شهراً كاشفاً وخطيراً في تاريخ هذا البلد وهذا النظام، وهناك 3 كوارث وقعت على مدار 3 أسابيع متلاحقة، كل واحدة منها تكفي لإسقاط نظام بمفردها، كانت البداية في الأسبوع الأول من الشهر الحالى، بمؤتمر الحوار الوطنى لمناقشة أزمة النيل الذي أذيع على الهواء، وعندما شاهدته حزنت وأحبطت، وعندما جاء الأسبوع الثانى، فوجئنا بالمؤتمرالذي عقد بقصر المؤتمرات حول قصر النيل الذي بدأ بأغنية عن النيل وهذا غريب، ولا أعلم لماذا اختيرت هذه الأغنية، وانتهى المؤتمر بأن كل الخيارات مفتوحة، ولا أعلم لماذا استعار قصيدة ليس لها علاقة بالنيل وكان الأحرى أن يستعين بقصيدة لا تخطئها عين، وهي قصيدة أحمد شوقي الشهيرة عن النيل التي غنتها «أم كلثوم» وهي «أيها النيل»، بدلاً من استخدام قصيدة لا تمت للموضوع بصلة، وأرى أنه اجتماع غريب انتهى بعبارة غريبة، وهى أن كل الاحتمالات مفتوحة، وهي عبارة لا يملك أن يقولها ولا يملك أحد في العالم أن يقولها، ثم جاء الاجتماع الثالث تجاوز فيه الرئيس الخط المسموح.* هل هناك خطوط مسموح بها لأي رئيس؟** هناك عدة مسائل، أولاها أنه لا يملك أي رئيس أن يتجاوز حدود الأمن القومي المصري، والأمن القومي لأي بلد محدد باستمرار بالجغرافيا والتاريخ أو بالممارسات المتبعة التي لا يملك فرد أو نظام حتى أن يغير فيها، والأمن القومي المصري يستند إلى الوجود في سوريا والعلاقة بها لا تقبل المناقشة، وإذا خرجت من سوريا وفقدت التأثير على الوضع في سوريا، ستخرج مصر من آسيا بالكامل، إضافة إلى انحسارنا في أفريقيا، وأرى أنه اتخذ قراراً يخالف القرار الاستراتيجي المصرى يتعلق بالأمن القومي المصري.* مارأيك بقطع العلاقات مع سوريا ؟ ** لا يملك الرئيس أن يخرج مصر من سوريا، ومن أغرب الأمور التي حدثت أن الدولتين الكبار اجتمعتا، ومندوب الجامعة العربية في الأمم المتحدة قال لا حل لهذا الصراع الدائر في سوريا سوى تدخل القوتين، وهذا موقف متشابك ولا أريد الولوج فيه بالتفصيل لكن الموضوع عند القوتين أفضى إلى أمور هامة، أولاً أن هناك مفاوضات وهناك حل سلمي، وليس ثمة مناقشات في شيء غير ذلك، إضافة إلى مؤتمر «جنيف2»، وأن هناك محاولة تدخل وأنه يجب أولاً أن يتوقف الاقتتال هناك، ما حدث في تركيا والمشهد السوري يضع لنا صورة عامة بأن الأزمة السورية ستحل أو على الأقل في طريقها للحل..* هل حاول ربما إرضاء أو مغازلة الأمريكان؟** ما قيل لي إنه حاول إرضاء أطراف نفطية تصور أنها بإمكانها أن تساعده.* هل تقصد قطر؟** قطر أو السعودية أو غيرهما، على أي حال القرار الاستراتيجي المصري، خاصة إذا اتصل بالأمن القومي، لا يملكه رئيس الجمهورية، ولا يمكن أن يكون موضعاً لصفقة مهما كانت الأمور، وقيل لى إنه يحاول إرضاء السلفيين وهو شيء غريب جداً، قم بإرضاءالسلفيين كما تشاء، لكن ليس في مثل هذه الأمور، ويكفي أن المشهد العام للمؤتمر جعلني أشعر بأن القرن الـ (18) أطل من شاشات التليفزيون على الرغم من أننا في القرن االحادي والعشرين . * كيف قرأت دعوة مرسي للجهاد؟** شيء لا يُتصور، وأنا أريد أن أحيله إلى ما قاله «أوباما» من تصريحات مؤخراً بأنه لا يريد أن تجد الولايات المتحدة الأمريكية ولا يستعد أن يجدها في صراع بين السنة والشيعة في العالم الإسلامي، وعندما يتلفظ رئيس جمهورية بلفظة «النظام الرافضي» فهذه كارثة .. لأن ذلك يعيدنا إلى العصر الذي رفض فيه الشهيد الحسين بن علي وأنصاره مبايعة يزيد بن معاوية ولياً للعهد في ظل نظام معاوية بن أبي سفيان حيث أطلق فقهاء معاوية على كل من رفض تلك البيعة صفة (الروافض) ، وأنا أتصور في ضوء ذلك أن إيران قوة في المنطقة يجب أن يحسب حسابها، سواء أردت أن تكون صديقاً لها أم عدواً، وعليك وأنت ترسم السياسة أن تأخذ أموراً في اعتبارك، أولاً أن تحدد الأطراف اللاعبة في المنطقة، ثم تقرر ماذا تريد أن تفعل، وسأذكر لك قصة كيف يدار الأمن القومي للبلاد؟ كنت في زيارة للبيت الأبيض في عهد الرئيس «كيندي» وكنت مع مستشار الأمن القومي الخاص به جورج باندي، ودخل «كيندي» وعرض عليّ أن أشرب سيجاراً، وكنت لا أحب هذا النوع، وهو سيجار فلوريدا، وحدث ذلك معي مراراً وتكراراً، فما كان مني إلا أن أخرجت السيجار الخاص بي، وبمجرد أن أشعلته انتفض «كيندي»، وقال لي «كوبي» فقلت نعم، قال اطفئه لو اشتُمت رائحته في المكان ووصل إلى الخارج قد يفرض الكونجرس سحب الثقة مني، لأن كوبا دولة عليها عقوبات وعليها حصار، وأنا أذكر المثال هنا لأكشف لكِ كيف تكون الحسابات .* من يسائل الرئيس إذن؟** هذه مسألة مهمة جداً وأنا أرى أننا في موقف خطير جداً، وأرى أن الرئيس تصرف تصرفات خاطئة وعليه أن يراجع نفسه، فقراره يختلف مع قواعد الأمن القومي المستقر عليها، فهو ليس قراراً عادياً يمكن التغاضي عنه، فقد عزلنا عن آسيا وجعل مصر محاصرة في أفريقيا، وأود أن أشير إلى أن قراراته متناقضة فهو من دعاة رفض التدخل الأجنبي في سوريا، ومع ذلك يطلب فرض حظر على الطيران الجوي الذي لن يتحقق إلا بضرب الدفاعات الأرضية لسوريا، أنت أمام مشهد جديد أنت وضعته ورسمته وستستمر هذه التداعيات.* ((مرسي)) عزلنا عن آسيا وجعلنا محاصرين بالمشكلات في أفريقيا .. من يحكم مصر؟** مرسي قادم من حزب الحرية والعدالة، وتنظيم الإخوان، وهو جاء رئيساً وبدعمهم وبأموالهم، وإذا لم يكن هناك من يحاسب أو من يراجع أو يعدل فهناك أمر خطير..* هل يحاسبه محمد بديع مرشد التنظيم؟** كنت أريد ما هو أكثر من ذ لك، وهم أخبروني ما مفاده أنهم اكتشفوا أنهم تورطوا في الحكم ولم يكن لهم فيه، وقلت هذا جيد، إذن ماذا لو خرج المرشد وقال ولا أجد في ذلك غضاضة، ولأن «مرسي» منهم، وهم المرجعية، ماذا لو قال الدكتور بديع: «اكتشفنا أننا أهل فكر ومبادئ لكننا لسنا أهل سياسة وحكم»، ونحن سوف ننسحب من المشهد كله، فمن الممكن أن نتركه لحق التجريب وحق المعرفة والتعلم لكن لا يمكن أن نترك اختراق الأمن القومي المصري إما أن نصحح أو نعتذر عنه أو يساءل عنه؟* هل تنصح «مرسي» أن يتنازل ليس فقط عن هذه القرارات بل وعن الحكم؟** أنا واحد من الناس التي تفرق دائماً، خاصة في ضوء التطورات الأخيرة، بين «الشعبية» و«الشرعية»، فالشعبية بطبيعتها تتـأرجح صعوداً وهبوطاً، وهي لا تؤثر في الشرعية لأنه يحاسب عليها في نهاية المدة، لكن المشكلة أن الذي حدث في الأسابيع الثلاثة الماضية تجاوز كبير لدرجة لا يمكن معها التساهل فيه، أو رَدّه للتجربة والخطأ ما لم يصحح مرسي أخطاءه وهي بالضرورة أخطاء الإخوان . * هل تلك القرارات تهدد مستقبله؟** أعتقد أنها تهدد مستقبل البلد أكثر مما تهدد مستقبله، وأنا أعتقد أن ما حدث في هذه الأسابيع يهدد الدور المصري والقيم المصرية والقوة المصرية، وأعتقد أنه يهدد حتى الوجود المصري بأسره ..* هل كان المؤتمر بالفعل لنصرة سوريا أم إنه كان للحشد الموجه للداخل؟** في كل الأحوال يكفيني جداً ما رأيت، وهو كان مهيناً جداً لهذا البلد ولتاريخه ولمستقبله، وفى كل الأحوال خارج الزمن وخارج السياق وخارج الضرورات وخارج الأمن القومي المصري وهذا ما يعنيني قوله .* كيف رأيت وجود التيارات الجهادية في المؤتمرين «النيل وسوريا»؟** في كل الأحوال، حتى في تعيينات المحافظين الأخيرة، أرى أنه غلّب المصالح والرؤى الضيقة والمتخلفة على مستقبل ضروري وفاعل لهذا البلد وبلا حساب أو تقدير، وهذا ما يفجعني.* لا يمكن أن أنهي هذه الفقرة دون التعرض لتظاهرات (30) يونيو المرتقبة، هذه الطاقة من الشباب التي ظهرت في مجموعة «تمرد» التي دعت إلى الانتخابات الرئاسية المبكرة وتلاحم الناس معها، كيف ترى ذلك؟** أنا أرى أن كل الأطراف الموجودة في الساحة إما حائرون من الموقف أو أقل قدرة من الموقف، الجزء الذي يسعدني في هذا المشهد هو الطاقة المتجددة لهذا الشباب، لأنه كان موجودا في 25 يناير وكان موجوداً في الميادين، وكنت أتصور أن الروح خملت في هذا البلد لكن الشباب أدهشني جداً لأنني وجدت فيه طاقة متجددة وأفكاراً تلائم كل مرحلة، وأنا خائف جداً من عناصر الانفلات لأن الإخوان من الممكن أن تعمل حسابها والمؤسسات أيضاً وأنا آسف جداً أنني لن أستطيع أن ألوم انفلات الشارع ما دامت السلطة منفلتة تتخذ مثل هذه القرارات ومشهد الاجتماعات، فكيف أحزن على طفل أو ولد صغير يلقي الطوب على المبنى، وأنا أرى أحدهم يقوم بحرق البلد، وإذا أحببتِ أن تتحدثي عن الانفلات، فالانفلات الحقيقي في هذا البلد هو انفلات سلطة ..* كانت لك مقولة شهيرة بأن مسؤولية أي حاكم مصري هي الوحدة الوطنية والحفاظ على مياه النيل؟** ليس لدى أي رئيس مصري مهمة إلا هاتين القضيتين.* هل تُحمل الرئيس مرسي مسؤولياته في ذلك؟** أنا خائف جداً لأننا نواجه موقفاً في غاية الصعوبة ولا أحب أن أستخدم هذه الألفاظ والتعبيرات وأتمنى أن يقول أحدهم للرئيس أنت أمام شيئين، أنت أمام قضية كبيرة جداً لكن نزلت عليها أزمة طارئة، وأرجوك قبل أن تقارب القضية قم بحل الأزمة الطارئة، بمعنى أن لديك مشكلة مياه النيل التي عالجها «مبارك» بالإهمال، و«مرسي» يعالجها بالارتجال، وبين الإهمال والارتجال ثمة مصالح حيوية لهذا البلد حياة أو موت تضيع.. فأنت أمام أزمة محتقنة نظراً لإساءة التصرف مرات كثيرة جداً، وأزمة الدكتور مرسي أنه لم يقرأ الملفات أو يطلع على أوراقك بالقدر الكافي، ومن الممكن أن تكون السلطة جذبتك بأكثر مما قامت بشدك المسؤولية، لكن في هذه المشكلة، مشكلة مياه النيل، أرجو أن تنحى السلطة جانباً، وأن تنظر للأزمة أولاً، ومطلوب الآن تخفيف حدة التوتر مع إثيوبيا .الرئيس مرسي سافر مرة إلى جدة، وقال لقد استعدنا موقفنا في المنطقة العربية، وسافر مرة ثانية إلى أفريقيا، وقال استعدنا دورنا الأفريقي، القضايا لا تحل بهذه الطريقة أبداً، لا أحد يقول لي إن زيارة لوزير خارجية أنهت الاحتقان، الحقيقة أن الأوضاع محتقنة جداً لأسباب معقدة أكثر مما تبدو على السطح، وأريد أن أقول له: راجع ملفاتك جيداً وأوراقك، لأننا كنا في عام 2007 أو 2008، على وشك أن نحل هذه الأزمات أو على الأقل نتوصل إلى حل في ذلك الوقت، ووفقاً للوثائق الموجودة أمامي، فإن الحكومة الأمريكية حذرت الحكومة المصرية في هذا الوقت، وقالت: «خلوا بالكم مياه النيل قنبلة موقوتة وستنفجر ما لم تتقدموا لعلاجها» وبالفعل ضربت أجراس الإنذار، وبدأ الناس يتقدمون، بشكل من الأشكال دخلنا في مفاوضات أدت إلى اتفاقية «عنتيبي» بما فيها الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل واتفق على كل شيء، لكن ظلت هناك مادة واحدة وهى المادة «34» أو «35» لم يتفق عليها، الخاصة بالتعهدات التاريخية والحقوق الموروثة عن الاتفاقيات..* كيف أخطأ الدكتور مرسي في التعامل مع هذه الأزمة وماذا كان يجب أن يفعل؟** عليه أن يقرأ ملفاته وأن يعي أن مياه النيل في خطر، وأن إثيوبيا أعطتنا فرصة، وأجلت الأمر لمدة (6) أشهر حتى نكون منصفين، وعندما زار الوفد الشعبي إثيوبيا وقال لهم «زيناوي» وقتها سننتظر بعض الشيء لكن نحن لم نفعل شيئاً لأن (الإخوان) جعلوا من الأخونة والتمكين هدفهم الأكبر واستراتيجيتهم الأعظم .* أزعجك الاجتماع الذي أذيع على الهواء ومن يتحدث عن العبث بالأمن القومي ومن يتحدث عن فكرة الطائرات؟** هذا المؤتمر عرّى مصر، بمفهوم التعرية تحولنا من التجريف إلى التعرية، هذا الكلام لا يليق ببلد في حجم وتاريخ ومكانة مصر .. وهذه الأسابيع الثلاثة كانت كارثة فظيعة.* إذاعته على الهواء كانت مقصودة أم ليست مقصودة؟** لا أعرف؟ وعلى أية حال إذا كانت مقصودة فهي مصيبة وإذا لم تكن مقصودة فالمصيبة أكبر، حيثما تولي وجهك ستجدين الكارثة، ولو كان قرأ الملفات ووجد خطاب موسيفيني لم يكن سيفعل ذلك، وكنت أتصور أن يقترح أحد مستشاريه عليه أن يوسط دولة عربية، ولتكن الجزائر، مثلاً وتدعو إلى مؤتمر قمة لأن الأزمات لا يمكن أن تحل إلا بلقاءات على مستوى الرؤوساء، وفي إطار إفريقي أوسع من أن تكون على مستوى وزير خارجية يزور إثيوبيا ..وكان على «مرسي» أن يحادث رئيساً أفريقياً يثق فيه ويفضل أن يكون عربياً، ويقول إن مكانة مصر ودورها لا يمكن أن يقبل فيه هذا، ويجدد الدعوة ويأتي بفريق مستعد على مستوى القمة، وليس الموظفين، الذين أرسلوا وتعلموا بهذه الطريقة الكارثية، ويذهب الرئيس بعد أن يدرس الملفات ويحاول تخفيف الاحتقان لأن وقت الأزمات قد يكون هناك عناد، والرئيس مرسي يتحدث عن العلاقات التاريخية مع أفريقيا، وأود أن أقول له إن العلاقات مع أفريقيا كان بها الكثير من المشكلات وتتطلب جهوداً مضنية للتعامل لبناء الجسور مع أفريقيا، لكن على مدار الوقت تاريخياً كانت الأنظار تتوجه إلى الشمال دون الجنوب طوال الوقت، ونحن في حقيقة الأمر لم نصل إلى قلب أفريقيا، وأمامنا خريطة، وسنتحدث عن الحركة عبر التاريخ، بأننا تحركنا عبر البحر الأحمر إلى مضيق باب المندب الممر البحري ودخلنا على بحر العرب .والطريق الثاني عن طريق درب الأربعين و درب الأربعين حالياً يبدأ من أسيوط في صعيد مصر ويمتد حتى الواحات الخارجة ثم يسير جنوباً ماراً بواحة سليمة وبئر النطرون، ويستمر حتى يصل إلى الفاشر في غرب السودان من عند أسوان كان يمتد الطريق إلى مالي ثم سلجماسة ماراً بدنقلة، وهي من البلاد الكبيرة في السودان ومنها إلى سول، وهي آخر بلاد مالي، ثم على قاعدة كوكو في بلاد البرتو وتمبكتو في مالي، لكن المجرى الحقيقي لنا لم تبدأ الحركة عليه إلا في القرن التاسع عشر في زمن محمد علي، وكان هدفه البحث عن الذهب أو المقاتلين ليجندوا، والحقيقة لم يجد الاثنين وجاء الخديو إسماعيل بنفس الطريقة، بمعنى أننا دخلنا في التباسات شديدة جداً ثم خرجنا بطريقة مزرية بمعنى أننا في عام 1925-1924 أثناء خروجنا من السودان، ونحن دخلنا إليها بطريقة خاطئة، حيث دخلنا بحثاً عن أشياء لم نجدها، ووصلنا قرب منابع النيل، ولم نكن نحن من وصلنا بأنفسنا من خلال الجمعية الجغرافية الملكية لاستكشاف منابع النيل في وقت اقتسام منابع إفريقيا وقت مؤتمر برلين الذي عقد في القرن التاسع عشر، طوال الوقت كان الصراع المحموم على إفريقيا، وتسارعت الدول لاقتسام مستعمرة إفريقيا ووجدت دول أوروبا وقتها أنها تحتاج لإبرام اتفاق عام 1985 في برلين ثم وزعت القارة بينها وقيل للخديو إسماعيل وقتها وغيره فلتخرجوا من القسمة .* دعنى أعود بك إلى مشهد وقوف الرئيس وهو يقول كل الخيارات مفتوحة ماذا يعني هذا؟ ** أنا أعتقد أن هذا تعبير سيئ، أولاً لأنه لا توجد دولة بوسعها أن تقول إن كل الخيارات مفتوحة في أي شيء ، ونحن نتعامل معه لا بد أن نقدر أولاً حجم المصلحة، ثانياً ما الوسائل للعمل فيها، وهل هي مقبولة من عدمه؟ لا بد أن ينسى كل من يتحدث العمل العسكري لأنه مستحيل، لأسباب أولها لا يليق أخلاقياً على فرض أنه ممكن لكن هو غير ممكن، العمل الوحيد المسموح هو أن تفعلي مثلما فعل الراحل عمر سليمان، عندما كانت هناك محاولة لاغتيال «مبارك» في أديس أبابا، من خلال محاولة عمل حرب عصابات من خلال إريتريا بهدف ازعاج النظام الإثيوبي، لكن السؤال هل أستطيع عمل ذلك والدخول في حرب عصابات مع إثيوبيا وإلى أين ستذهب بي الخطوة؟ موضوع مياه النيل ليس جديداً، وموضوع العمل العسكري غير مقبول لغياب مدى الطيران، وعلينا أن نفكر إذا كان بين دول حوض النيل وهي 11 دولة، 10 منها ضدنا ونحن بمفردنا، وجنوب السودان أيضاً .. كيف ستكون نتائج الحلول العسكرية ؟* هل فشلت السياسة ؟** سياسة الارتجال التي تبناها «مرسي» أوصلتنا للأسف الشديد إلى مأزق لا بد أن نجد لنا مخرجاً منه، وهو مؤتمر على مستوى القمة الذي أتحدث عنه يزيل الاحتقان أولاً قبل التفاوض، من خلال عزل الأزمة عن الموضوع، وأول الأمور في إدارات الصراعات هو الفصل بين المُلِح والضروري والضاغط والتوتر، ثم نتقدم إلى الموضوع وكيفية حله، وما هي الوسائل التي يمكننا استخدامها ؟ وعلينا ألا نتحدث خارج المكان والزمان .* هل السد خطر ؟** على وجه اليقين خطر ..لأن هذا السد ليس بمفرده، لكنه سيخلق سابقة بالانفراد بالعمل في أفريقيا، وأنا أرى هناك ملامح للحديث عن مشروعات أخرى، ودعيني أقول لكِ ونعترف بأن السدود أصبحت لغة هذا العصر منذ أن أسس سد الميسيسيبى والبولدردام، ونحن بدأنا في أفريقيا ببناء السد العالي، ولا يمكن أن تتصوروا حجم الفقر في إثيويبا. وقد شاهدته بنفسى عام 1950، ولا أريد أن يبنى هذا السد خارج الموافقة المصرية، لا أريده أن يكون سابقة لمشروعات أخرى لا نستطيع أن نصدها، ولا أريده أن يكون بمثابة خروج لمصر من أفريقيا، لأننا فعلياً لا نستطيع تحمل هذا .* هل هو خروج من آسيا وخروج من أفريقيا ؟** “سد النهضة” ليس خطراً بمفرده لكنه سيخلق سابقة في الانفراد بالعمل في إفريقيا. بل وخروج من العالم أو العصر بأكمله.* على الرغم من أهمية نهر النيل فإننا لانعرف عنه الكثير كيف كان التعامل طوال العهود والسنوات السابقة مع النيل؟** هذا كلام مهم جداً وتحضرني الآن مقولة شهيرة لـ «تشرشل» يقول فيها: من أراد أن يتحدث في السياسة فليقرأ التاريخ قبل أن يعرج على السياسة، ولكن رد عليه أديب آخر اسمه «ساموسيت» قائلاً إذا تكلمنا في التاريخ ربما ندخل في أمور كثيرة ونتوه جداً، لكن على من يقرأ التاريخ أن يجد لنفسه بداية، وأن يجد لنفسه النهاية، ويحاول وهو يتابع أن يركز على عصر أو فكرة أو شخصية، وعودة إلى النيل نحن أخذناه في عصور قديمة، ويجب أن نعرف أن نهر النيل ينبع من حيث لا يعرفه أحد ولا يمكن أن يتخيل منابعه، والفكرة التي ظلت سائدة أن هذا النهر ينزل من السماء وتحديداً من القمر، وفى العصر الإسلامي قيل للناس أن هذا النهر هو من أنهار الجنة، ولم يبدأ بحث حقيقي لاكتشاف منابع النيل ,* هل اهتمت مصر الملكية بقضية النيل؟** الملك فاروق كان مهتماً بالكشوفات الجغرافية، وأعتقد أن الملك فؤاد كان مهتماً بالكشوفات بشكل أو بآخر، ويحكي كاتب ألماني هو إميل لودفنغ المشهور، أن مصر سنة 1107 تعرضت لشح في المياه، وأحدهم ذهب وأخبر الخليفة الحاكم بأمر الله، آخر حكام الفاطميين، قال له أحد الملوك موجود في الجنوب عند منابع النيل، وجاء الحاكم بأمر الله بأحد السادة الأقباط قريب من البابا، ويدعى «ميخائيل» وأرسله بكثير من الهدايا للملك في الجنوب، ويبدو أنه لم يكن هناك موانع سدود أو غيره، لكن يبدو أن زلزالاً قد حدث وهشم بعض الصخور التي سدت مجرى النيل فانقطعت المياه، والملك فؤاد كتب كتاباً عن النيل على مدار 3 سنوات، وتعامل معه وكأنه إنسان، وأنه حياة يقوم بمعالجتها، وقابل الملك فؤاد 4 مرات، وهو يكتب هذا الكتاب، وكل هذا لم يؤثر لكن أوروبا الاستعمارية بدأت تتحدث عن مياه النيل والخديو إسماعيل تطوع بأننا ننفق، وكان في ذهنه أمور غريبة جداً، بأن بنوك أوروبا في ذلك الوقت كانت لديها مستعمرات ملك الدولة، فهم يريدون أن تكون لهم مستعمرات مملوكة بشكل خاص لهم مثل مستعمرة الكونجو لملك بلجيكا فتصور الخديو إسماعيل في ذلك الوقت وإبان إفلاس الخزينة المصرية أن بإمكانه أن يبحث ويجد مستعمرات هناك تكون ملكيته الخاصة، لكن عندما اتفقت الدول في مؤتمر برلين على اقتسام كل شيء، طلبت منه الخروج، فخرج، وبمقتضى ذلك حصلت إنجلترا على مصر والسودان وكينيا وأوغندا وهي كل المناطق، وألمانيا كانت في تنزانيا وكانت إنجلترا هي المهتمة بمياه النيل، وفي هذه الفترة كان محصول القطن هو الغالب، وكانت ترتب وقتها، وبالتالي من نظم اتفاقية النيل هي القوى الاستعمارية الإنجليزية، وأنا أعطيها الفضل من هذا، ولدي كتاب من 30 جزءاً يتحدث عن أي حركة للمياه في نهر النيل، بكل شيء وبكل تفاصيل .* يعني لا أسرار في مياه النيل؟** لا توجد أسرار.. عندما يقولون ثمة أسرار أضحك، ما الأسرار، المنابع كلها تحت، وليس لدينا سوى التصرف الذي يبدأ عند أسوان، ولا يزيد حجمه على 60 مليار متر مكعب، ماذا لدينا؟ المهندسون القدامى الكبار قدموا لنا رصداً مهماً لذلك، ولكن على أية حال إنجلترا كانت مهتمة بمياه النيل .* أول اتفاقية كانت عام 29؟** أول تكليف كان محمد باشا محمود سنة 28 أبلغه الإنجليز أن مصر لديها حق ومكتسبات، وكانت لها مصلحة وقتها، وهم يتحدثون عن مياه النيل والحقوق التاريخية، ونحن اتفقنا على هذه الحصة التي تصل إلى أسوان، ولا يمكن لأحد أن يمسها، هي تعهد، وبعد السد العالي صب جل اهتمامنا على وضع اتفاقية مع السودان، وكان شرط البنك الدولي وما لدينا عن نهر النيل كان إجراءات .