عام على الرحيل:
رحم الله أبا العلاء المعري الذي تخلد بأبياته قائلاً:(إن حزناً في ساعة الموت اضعاف سرور في ساعة الميلادصاح هذي قبورنا تملأ الرحب فاين القبور من عهد عادتعب كلها الحياة وما أعجب إلا من راغب في ازدياد)رحمة الله عليك يا حبيبنا هشام باشراحيل، ونحن اليوم نودع عاماً كاملاً على رحيلك العطر، كعطر وجودك بيننا وسمو مكانتك ورفعة مقامك الذي تبوأت به الشموخ والإباء في عدن التي ما كنت إلا ابنها وفارسها وصاحب القول والتأثير فيها .. لقد أوحشتنا أيها الغالي، فلم يعد للجلوس طعم أو حلاوة في ديوانك الذي أسسته في مقر (الأيام) .. صحيح ان هناك من هم في المكانة، لكن هناك فرق، وأي فرق يا هشامنا، وهكذا هي مشيئة الله الخالق عز وجل .. سبحانه ان رفعك إليه روحاً طاهرة في أرض انت كنت فيها الشهيد، وهل أجمل من ميتة شهيد في بلاد الغربة، حتى ولو أنها قد جعلت بُعداً بيننا وبينك، ولم نرك إلا جسداً مسجى في مقبرة القطيع إلى جوار (الأسرة الكريمة) الأبوين والابنة .. ونعم المرقد ايها الفرقد.حقيقة أنا أشعر بندم وألم كبيرين، ندم ناتج عن عدم رؤية الغالي قبيل دفنه .. وألم كبير لما صاحب الجنازة من فوضى واطلاق نار من قبل قوات الأمن التي لم تحترم الرجل حياً وميتاً .. فقد سجنته وقيدت حريته وأولاده ولاحقته وهو في طريقه الخالد إلى مقبرة القطيع .. وكم كانت المأساة ان يجازى السيد هشام بهكذا جحود ولؤم من قبل من يفترض بهم توفير الأمن والأمان، تألمت ومازلت .. عندما رأيت الزائرين لهشام في فراش المرض، وزاد ألمي وأولئك ياخذون صوراً تذكارية بجانبيه بغرفة منزله في حين أن الرجل كان عرضة للقتل والعسف، وأولئك كانوا دافنين رؤوسهم كالنعام، خوفاً من بطش السلطة المجرمة .. آلمني كثيراً أن يتاجر أولئك بهكذا مواقف يريدون منها إظهار مؤازرتهم لهشام ولـ (الأيام) ولـ (آل باشراحيل) .. وهم كاذبون فلقد رأينا الرجل يقف كالطود لم تثنه الانواء، بل تخلى عنه كل من كان يتقرب منه في منتداه وينشر البيانات وغيرها .. كلهم لم يحركوا ساكناً إلا قلة قليلة مخلصون أوفياء ويعرفهم الناس ويعرفهم آل باشراحيل ولا نحتاج إلى ذكر كثيرين من أولئك الذين نراهم اليوم يذرفون دموع الزيف والكذب، وهم في وقت الشدائد كانوا أجبن من قول كلمة .. ويا للاسف على مواقف المتخاذلين.عموماً نحن اليوم نكتب بقلوب يعتصرها الألم إزاء فراق رجل نادر لم ولن تنجب عدن مثله، بل ولن تجود .. فلله ما أعطى وله ما أخذ، وربما هي رحمة المولى بهشام ان جنبته ما هو حاصل، ولو كان حياً بيننا لكانت آلامه قد تضاعفت، ولما قوي على تحمل المشهد .. خاصة وان المواقف اليوم تتلون كما تتلون الحرباء متنكرة، دافعة الخطر عما حولها!نتذكرك اليوم (أبو باشا وهاني ومحمد) .. نتذكر سجاياك التي رفعت الجميع إلى مصاف عالية .. نتذكرك وأنت الذي كنت تجمع عدن بمن فيها، صغيراً وكبيراً. نتذكر مواقفك الرجولية التي لم يعد لنا اليوم إلا تخيلها بعد رحيلك، وقد ضاعت القيم والاخلاق .. نتذكرك وندرك انك معنا تردد ما قاله أحمد شوقي:(وإنما الأمم الاخلاق ما بقيت .. فإن همو ذهبت اخلاقهم ذهبوا).وماذا عسانا ونحن نودع عاماً على رحيلك الخالد غير تذكر مواقفك وحنانك الذي غمرت به الكثيرين وفتحت به قلبك ومنزلك وصحيفتك وعدنك التي هي مدينتنا الغالية كغلاوة طبعك واصلك، وأنت الكبير فينا، المعلم لنا، المدافع عنا، ماذا عسانا أن نقول وأنت الذي لا يحتاج إلى قول، فلقد ملأت الدنيا تنويراً وتثويراً وثقافة، وجعلت من نفسك قرباناً لعدن، باذلاً دمك من أجل الوطن، واستحققت بذلك ان تكون (سهيل) كوكبنا الهادي في ظلمة الحياة ومصاعبها الجمة، ماذا نقول عنك وأنت الحاضر فينا حضوراً طاغياً، غير ان نطلب لك المغفرة والرحمة، سائلين الله ان تكون خواتيم اعمالنا قد قربتنا إلى 1 % مما قدمت واعطيت ووفيت .. إن شاء الله تعالى.يا أيها الغالي الخالد .. لك علينا وعداً ما حيينا ان تكون هذه الذكرى محط خلود وتخليد لك، وان نذكرك في صلواتنا ودعائنا بمثلما ندعو لآبائنا وأهلينا، فأنت في مقدمتهم، لأنك أوفى الأوفياء .. وسلام عليك في خلودك ورقدتك الأبدية، وحتى نلقاك نستودعك الله .. يا أغلى الرجال.