المعارضة السياسية عادة تحمل معنى المضمون التنافسي بين جماعات سياسية لها تصورها الخاص في كيفية سياسة المجتمع وإدارته للوصول إلى السلطة، وهي تعني بالأساس مخالفة الرأي السائد سلطويا، فلها أجندتها النضالية الخاصة بها، وهي تستغل التناقضات بين السلطة والشعب وحالة اللااستقرار والتذمر والاستياء، مما يحدو بالناس اتخاذ مواقف مناوئة للسلطة، ويكون المجتمع المدني والأحزاب السياسية خارج السلطة تنشط للعمل لمجيء بديل عنه يحلّ محل الفئة الحاكمة، والمعارضة في هذه الحال طالما تتكئ على الشعب فينبغي عليها أن تكون صادقة معه، لا تكون اللعبة فقط هي وسيلة للوصول إلى السلطة فحسب، وليس لتغيير النهج، ويغدو الفريق الحاكم كالفريق السابق أي (حكومة قيصرية برداء بلشفي) بتعبير بليخانوف في حالة روسيا..، فالمعارضة يمكن لها المطالبة بتسويات عديدة متفق حولها، وينبغي ألا تكون السلطة هي الهدف، أما الهدف الأساس فهو التعددية السياسية، مبدأ تداول السلطة، حرية التعبير والإعلام، العمل على التنمية الاجتماعية والاقتصادية، الشعب مصدر التشريعات، فصل السلطات (التنفيذية، التشريعية، القضائية) فمن يقبل بهذا يعني أنه ساوى نفسه بالآخرين، فلا يبقى حينئذ غير التنافس عبر صناديق الاقتراع، ليحدد من الحاكم ومن هو المحكوم، واللعبة الديمقراطية هذه لا بد أن تستمر.. علينا أن نتنبه إلى أن التغيير قد يحصل بطرائق مختلفة، ربما يكون بسبب التدخل الخارجي، وقد تكون نتيجة تحولات في الساحة الدولية، وفي حالات لا يتنبأ بها لا الحاكمون ولا المعارضون، وهذا ما جرى في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وأيضا بعد انفضاض الحرب العالية الثانية، وما حصل من تغييرات كبيرة، حيث كان اختفاء نظم ولّى عهدها، وانبثاق نظم جديدة حلت مكانها..إنّ الديمقراطية الحقيقيّة هي حراك اجتماعيّ وسياسيّ وثقافيّ مستمرّ من أجل تحقيق المصلحة العامّة، وصيانتها، والدّفاع عنها في مواجهة المصالح الذّاتية الضيّقة للماسكين بالسّلطة. ويُعدّ الصّراع السّلمي بين القوى السّياسية من أجل الوصول إلى السّلطة -بحسب قواعد سلميّة عامّة ومثبتة- الآليّةَ الأنسبَ لتحقيق ذلك الهدف، ولُبَّ الحراك الاجتماعي والسّياسي والثّقافي، وجوهره. ممّا يعني أنّ صراع الأحزاب والقوى السّياسية -في الأنظمة الدّيمقراطية- من أجل الفوز بالسّلطة والبقاء فيها عن طريق كسب رضا المواطنين؛ هو مؤدٍّ في النّهاية إلى تحقيق المصلحة العامّة وضمان استمراريّتها. وهذه العمليّة كلّها تفترض وجود قوّة قوى سياسيّة في السّلطة، تحاول تحقيق برامجها؛ مع الحرص على تحقيق المصلحة العامّة خشية من فقدان رضا المواطنين عليها، وقبولهم بها. فإذا ما لم تحظ بذلك القبول الجماعي؛ فإنّها قد تخسر السّلطة. ذلك أنّه يُفترض -في ظلّ الأنظمة الديمقراطيّة- وجود طرف آخر في العمليّة السّياسية؛ وهو المعارضة. فهي تهيّئ نفسها لاستلام السّلطة؛ بوضعها برامجَ ومشاريع تكسب بها رضا المواطنين، مع السّعي -في الوقت ذاته- إلى كشف مكامن الخلل في عمل الماسكين بالسلطة، وإثارة الرّأي العامّ ضدّهم.يعني مصطلح (المعارضة) في السياسة في الاستعمال الأكثر عمومية أن أية جماعة أو مجموعة أفراد يختلفون مع الحكومة - على أساس ثابت وطويل الأمد عادة - ولو أن المصطلح يمكن أن يصف المعارضة المتعلقة بالقضايا في إطار تشريع واحد أو اقتراح سياسة.ويطبق المصطلح على نحو أكثر تحديدا على الأحزاب في المجلس النيابي التي تختلف مع الحكومة وترغب في الحلول محلها و غالبا ما تمارس المعارضة في الإطار الشرعي وضمن المؤسسات الثابتة. ففي بريطانيا العظمى، يتيح التشريع الرسمي في الدولة للمعارضة ممارسة نشاطها بملء حريتها. غير أن المعارضة قد ترفض أحيانا النظام السياسي القائم فتتمرد عليه مما يضفي عليها طابع التطرف. وخلاصة القول، تضم المعارضة الأشخاص والجماعات والأحزاب، التي تكون مناوئة، كليا أو جزئيا، لسياسة الحكومة.ثمة دول لا تسمح مطلقا بوجود أحزاب معارضة، في السياسة مصطلح المعارضة مقترن بالأحزاب السياسية أو أي مجموعات أخرى تعارض حكومة، مجموعة سياسية أو حزب سواء في منطقة أو مدينة أو دولة. تختلف درجة المعارضة من بلد إلى آخر ومن نظام سياسي إلى آخر، في الأنظمة السلطوية أو الليبرالية قد تكون المعارضة مقموعة أو مرحباً بها. في بعض البلدان وخاصة في العالم الثالث قد تتحول المعارضة السياسية إلى معارضة مسلحة وهذا ما قد يسمى تمرد مسلح أو ثورة أو قد تتدهور الأمور لتصل إلى ما يسمى حرب أهلية جملة استبداد الأغلبية تستخدم في النقاشات حول نظم الديمقراطية وحكم الأغلبية وفيها يتم انتقاد السيناريو الذي يتم من خلاله اتخاذ القرارات من قبل أغلبية ما تحت ذلك النظام ما يضع مصالح الأغلبية فوق مصلحة الأفراد المخالفين لهم. وما من شأنه أن يجعل الفرد في الواقع مضطهدا تماما كما يتم من قبل طغاة أو مستبدين يساهم وضع حدود على القرارات التي يمكن أن تقدمها أي أغلبية مثل الحدود الدستورية لصلاحيات البرلمان أو استخدام وثيقة حقوق في النظام البرلماني بإمكانها عادة الحد من المشكلة.إن مشكلة الأنظمة السياسية الفردية تتركز بخوفها من تأشير مكامن الخلل في عملها السياسي وما سيتبعه من إخفاقات عدة تتركز في الجانب الخدمي وتوزيع الثروات والمساواة في المداخيل المالية وما شابه، بمعنى ان الخلل لن يصدر من المعارضة بل من ادارة الحكم الفردية التي تبدأ بحالة الاستحواذ على كل شيء وإلغاء نهج المساواة والعدالة في توزيع الفرص والثروات وحصرها بأفراد الحزب او الكتلة الحاكمة، من هنا تأتي أهمية أن يكون الحكم ديمقراطيا داعما للمعارضة التي تصوّب الأخطاء وتراقب الزلل لتشكل حماية دائمة لنظام الحكم وتؤدي دور الموجه والمنبه على الأخطاء والحث على تصحيحها، وفي أحيان كثيرة تشكل المعارضة حكومة ظل داعمة للحكومة الأصل، وبهذا تكون عنصر إدامة وتصحيح ومراقبة إيجابية تهدف الى قمع النفوس (الحاكمة) التي قد تحاول الاستئثار بالسلطة وامتيازاتها وتحصرها بحزبها أو الأفراد المقربين من قادتها كالبطانة والحاشية وما شابه، ناهيك عن إيماننا بأن الأنظمة السياسية التي تدعم المعارضة وترعاها وتنظر لها بعين الشراكة الايجابية لا بعين العدو المتربص بالحكم، هي الأنظمة الأكثر تطورا وقدرة على السمو بشعوبها وأممها إلى مصاف الدول الحكيمة المتطورة. في حين يعني غياب المعارضة تخلفا سياسيا مقيتا وخوفا من السقوط والطرد الحتمي من كرسي الحكم وما يتبعه من فوائد ومصالح متعددة، وهو أمر تنبذه التجارب الديمقراطية الناجحة، لذلك غالبا ما نلمس شيوع (حس المؤامرة) بين الأحزاب السياسية التي لا تؤمن بوجود الصوت المعارض لأنها ترى فيه مصدر خطر يهدد امتيازاتها، وبدلا من رعاية هذا الصوت كونه يمثل العين الصائبة التي تؤشر إلى مكامن الخلل السياسي والإداري الذي يحدث هنا أو هناك، فإن مثل هذه الأحزاب التي تنزع إلى الأسلوب الفردي في الحكم ستجعل من هذه العين المراقبة الراصدة المصحِّحة، عينا منافسة و(متآمرة) وهي برأيهم ووفقا لنظرتهم لا تبغي التصحيح والتصويب المخلص بل هدفها الوصول إلى كرسي الحكم ومنافعه (الجديرة بالنضال؟!!).وهنا تحديدا تكمن المعضلة التي تعاني منها الشعوب والأمم المتخلفة، ويتضح ذلك البون الشاسع بينها وبين الأمم المتطورة التي تصنع المعارضة قبل أن تصنع أنظمة حكمها. ولذلك سيظل مبدأ صنع المعارضة السياسية ودعمها ورعايتها من صفات وركائز الأمم المتطورة، فهي تبحث بصورة مؤسساتية دستورية متواصلة عن كيفية صنع أصوات وعيون معارضة تقف بالمرصاد للنظام السياسي كأفراد أو كمؤسسات وتراقب أنشطتها كافة وتمحّص قراراتها بدقة العارف المصيب وتؤشر الزلل وتطرح رؤى التصحيح ومنافذ الحلول وقد يصل الأمر بالدعوة والعمل على إزاحة النظام السياسي الذي لايمتلك القدرة على تلافي الأخطاء ولا يتحلى بإرادة التصحيح والعزوف عن القرارات التي قد تلحق ضررا جسيما بالبنى الحياتية للشعب.[c1] دكتوراه في القانون وخبير في القانون العام ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية وعضو بالمعهد العربي الأوروبي للدراسات السياسية والاستراتيجية بجامعة الدول العربية[/c]
|
آراء
المعارضة في النظم السياسية
أخبار متعلقة