الوحدة في ذكراها الثالثة بعد العشرين ..
لقاءات/ لــؤي عباس غالبتحتل القضية الجنوبية المرتبة الأولى في سلم أولويات المرحلة التي تعايشها اليمن وهي اليوم القضية رقم واحد بين القضايا التي يناقشها الحوار الوطني القائم .. في مثل هذا اليوم من العام 1990م كانت الوحـدة، التـي نحتفل اليوم بذكراها الثالثة بعد العشرين مـؤكدين على حقيقة التغييرات الجذرية التي يشهدهـا الواقع المعاش في موازين ومراكز قوى الحشد الجماهيري على امتداد الساحة الوطنية وفي تراتبية هرم السلطـة وكذا في مجمل أولويات وحجم التطلعات الشعبية.. نحتفل اليوم بهذه الذكرى والأوضاع قد اختلفت خاصة و رموز من رفعوا العلم الوحـدي في صبيحة 22 مايو 1990م قـد أصبحوا خارج هرم تراتبية السلطة وأصوات الشعب مرتفعة بين دعوتين “وحدة بصيغة جديدة” و “فك ارتباط نهائي ” بحثا عن مستقبل أفضل..كثير من النخب تتحدث عـن الكيفية التي ستحل بها القضية الجنوبية وطريقة معالجة تداعياتها خاصة والقيادة السياسية تعمل على قدم وساق لحل هذه المشكلة بروشتة علاج ثلاثية الأبعاد الأول عبر لجنة الحوار والثاني عبر لجنة الأراضي والثالث عبر لجنة تظلمات الخدمة في السلكين المدني والعسكري ..إذا المشكلة الجنوبية اليوم هي حجر الزاوية في مستقبل البلاد وطبيعة نظام الحكم الذي سيكون بعد الاستفتاء.نريد مستقبلاً أفضلبداية وصف الدكتور سعد الدين بن طالب وزير التجارة والصناعة في كلمة ألقاها على مؤتمر الحوار الوطني بأن حلقة فولاذية محكمة استحكمت وبشكل متنام على الدولة بعد حرب صيف 1994م على الدولة وكل مقدراتها ..اتخذت من الجنوب أرضاً للنهب والفيد والغنيمة ، مضيفا إن مكونات هذه الحلقة تملكت المال والجيش..وقال متسائلا : ألم تكن السبب أولاً في تعطيل وثيقة العهد والاتفاق في 94م؟... وقال بأنه كان من الواجب أن تعاد هيكلة الجيش والأمـن قبل بدء الحوار وأن ينزع السلاح والمال من أيدي هذا القوى الغاشمة وإن بداية الخطوات في هذا الاتجاه شيء مطمئن... مضيفا أن التحدي اليوم يبقى في خلق المواطنة الحقيقة.. وعليكم فحص العقود النفطية والامتيازات العبثية التي حصل عليها شخوص تلك القوى ولازالت سارية حتى اليوم ويرفضون التنازل عن أي منها لتعرفـوا حجم الخلل، أننا في الجنوب لا يمكن أن نسلم شعبنا وأرضنا لهذه الحالة من جـديد..وقال متأسفا “ بأن الأحزاب التي بعضها يمثل تلك القوى لم تتعرض لهذه المعضلة وذلك لا يطمئن ...لا نريد أن نرسم لكذبة جديدة في الخطاب في الًمُثل والعدالة والديمقراطية ، سمعنا كثيراً من قبل ، ولكننا لا نرى أي مجهود لتطبيق ذلك...إذ قال “حقوق المرأة والديمقراطية والسلطة المحلية كلها كانت كذبات ، لم تطبق ولم نري أي إرادة سياسية لتطبق ذلك، رأينا الاستقواء بالسلاح حتى أيام قليلة ماضية وسقط شهداء جدد وقتلى بدم بارد..مختتما كلامه إننا بهذا نطلب مستقبلاً أفضل.القضية الجنوبية قضية هوية مـن جانبـه قـال الناشط السياسي والسكرتير الثاني لمنظمة الحزب الاشتراكي اليمني في محافظة عدن قاسم داؤود في تصريحات إعلامية :إن القضية الجنوبية تعني الشعب في الجنوب، وهو صاحب الحق بها وللقضية بعدان، سياسي وحقوقي خصوصاً لجهة بعض الإجراءات التي حصلت بعد حرب 94 فقد دخل الجنوب في الوحدة مع الشمال في عام 90 وبعدها حصل انقلاب على الوحـدة، حيث تحول الجنوب بعد الحرب العدوانية الظالمة في عام 94 من شريك في مشروع الوحدة إلى شعب واقع تحت الاحتلال ..فالقضية الجنوبية جاءت باعتبارها قضية حقوقية، وتاريخية وقضية هوية، يضاف إليها أن الجنوب كان صاحب دولة دخل في شراكة عام 1990 مع الشمال في إقامة جمهورية جديدة على أنقاض ما كان يسمى “الجمهورية العربية اليمنية”في الشمال و”جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية”في الجنوب..كان من المفترض أن تذوب الجمهوريتان في نظامهما الإداري والمالي وكل فلسفتهما في إطار الجمهورية الجديدة كلية تماما، وأن يتم الأخذ بالأفضل من التجربتين في الجمهوريتين، لكن الذي حصل هو إنزال علم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وكان ذلك مؤشراً واضحاً على انه منذ البداية كان يراد لها أن تنتهي نظاما وفلسفة وتاريخاً وأرضاً وهوية، هذا كان واضحاً ومبطناً غير معلن من الطرف الآخر، وبالتالي فقد باشر الطرف الآخر منذ أول يوم للوحدة، بالاغتيالات للطرف الثاني الشريك في الوحدة لقادة الحزب الاشتراكي اليمني ومن يمثل الجنوب واستمر إلى حرب 1994م التي كانت شكلاً من إشكال التجلي الحقيقي للفكر الباطني للشريك الآخر بأن الجنوب كان مراداً له حسب فلسفتهم عودة الفرع إلى الأصل وهذا هو مربط الفرس وهذا هو الخطأ، خطأ نظري وتاريخي وأخلاقي، فالطرف الجنوبي كان شريكاً لكن في المناصب وليس في السلطة، فمنذ اليوم الأول لم يكن شريكاً في السلطة، بمعنى أنه أعطيت مناصب كثيرة للجنوبيين منذ توقيع الوحدة إلى اليوم، لكن السلطة ومحاورها تدار من قبل الطرف الآخر... فالقضية مرتبطة بحق هذا الشعب أن يعيش في دولة، أن يعيش في تطلعات وان تكون له سيادة على أرضه ..وهذا لا يعني أنه ليس للشمال الحق في التطلع إلى مستقبل أفضل، لكن قضية الجنوب لها عناصرها ولها مقوماتها وخلفيتها ولها مجتمعها الذي هو معني بها، القضية الجنوبية هي قضية هذا الشعب الذي دخل في مشروع وحدوي وتم إجهاضه ... فالقضية الجنوبية تتعلق بتاريخ الشعب الجنوبي والوضع الذي كان يعيشه وتطلعاته، معاناة لثلاثة وعشرين عاماً وانقلبت في الأخير على اليمن كله، فحروب صعدة في الشمال، امتداد لــ حرب 1994 في الجنوب .مأزق الوحدة .. والقضية الجنوبية بينما قال الناشط السياسي والكاتب الصحفي عبدالله علي صبري إن “ القضية الجنوبية هي الرديف الآخر لمأزق الوحدة اليمنية القائمة منذ 1990 ويتجه الحراك الجنوبي الحامل للقضية إلى الحل عبر فك الارتباط عن الشمال وإقامة دولة الجنوب الذي يذهب بعض عناصر الحراك إلى إنكار هويته اليمنية لتشكل القضية الجنوبية في جانبها المتطرف أزمة هوية تدفع إلى الحسرة، خاصة إذا عرفنا أن ساسة ومثقفي الجنوب كانوا رواد الوحدة اليمنية بالقول وبالفعل، بعكس الوضع في الشمال حين ظهرت أصوات متحفظة على الوحدة مع نظام كانوا يصفونه بالاشتراكي / العلماني ويقول: اجدد ما أكدته أكثر من مرة “بأني لا أجد مدخلاً لمعالجة هذه الأزمة إلا عبر بوابة الاعتذار لما لحق بالجنوب منذ حرب 1994م ومعالجة كل ما يتصل بها من تداعيات حقوقية وسياسية، ثم لا بد من الاعتراف بحق الجنوبيين في تقرير مصير الوحدة ابتداء، ثم ليكن الحوار حول خياري الوحدة والانفصال وأيهما أنجع لليمن ككل أو حتى للجنوب منفرداً.لا إكراه في السياسة ويقول صبري معلقا حول وجود طبخات جاهزة للحوار حول حل القضية الجنوبية بأن الحل يكمن بالحوار على المكشوف وليس بالكولسة وطبخات السر (ففي حال وجدت عناصر الحراك أن خيار الانفصال مطروح على طاولة الحوار، فإن الرشد السياسي سيقتضي التفكير بالمصلحة الوطنية للجنوب ولليمن ككل، وقد يجد الحراكيون قبل غيرهم أن الفيدرالية تبقى الخيار الأنسب لمستقبل اليمن بغض النظر عن التفصيلات الواردة بهذا الشأن، لكن من المهم أن يكون هذا الخيار نابعاً عن حوار جنوبي / جنوبي بعيداً عن أية ضغوطات خارجية، وإلا فإنه كما لا إكراه في الدين فلا إكراه في السياسة ولا في الوحدة”.طمع القيادات وعدم كفاءتها من جانبه قال عز الدين عبدالسلام العنسي الأمين العام المساعد لمجلس الشورى أعتقد إن بداية القضية كانت سابقة لعام 1994م ويمكن رصد بداياتها من عام 1990م أو قبله فالإشكال كان تراكميا ..و النظام الذي حكم في الجنوب آنذاك كان مخالفاً لما هو سائد في المنطقة كلها تقريباً، وهذا دلالة على عدم قدرة فهم المعنيين حينها لطبيعة المنطقة واليمن فالخدمات المجانية التي كان يقدمها الحزب آنذاك ما هو سببها؟ وهل كانت تتكفل بها السلطة هناك من ثروة البلد أو من الديون؟ وهنا تتكشف المنطقة الرمادية إذ تراكمت كثير من الديون على النظام هناك وهو أمر عجل بفرار النظام إلى الأمام نحو الوحدة.. إن ما حدث في عام 94 كان نتيجة طبيعة لتلك الاتفاقات التي حدثت في عام 89 ،90 فلم تكن القيادتان على مستوى البلدين مؤهلتين لأن تخوضا تجربة ما تسمى الوحدة، لسبب واحد أنهما تابعتان لأحزاب شمولية، فكيف يمكننا القول إننا كنا ننادي بالوحدة العربية أولاً، إذا كان ابن الضالع لا يقبل ابن الضالع وبعد ذلك ابن الضالع لم يقبل ابن أبين وشبوة والعكس، وهذا إشكال كبير ... وقال مختتما كلامه كانت حرب صيف 94 نتيجة طبيعة بسبب قصر نظر الأطراف وعدم فهم كل طرف للآخر، وبدرجة رئيسة غياب المشروع الوطني الذي كان يمكن أن يكون عامل استقرار لليمن الجديد، وعندما غاب المشروع الوطني بقينا نتكلم على مصالح.وفي هذه المرحلة المصيرية الحرجة والحساسة التي يمر بها البلد وخاصة ونحن نمر بتحدي الحوار ومخرجاته يكون الوضع أكثر تعقيدا وإذا تأخرت المعالجات فنحن قادمون لا محالة على أزمة انفصال وسيزداد تعقيد القضية يوما أثر آخر ...الحقيقة أن ما نحتاجه هـو معالجات على ارض الواقع تخلق رضى شعبياً بالتزامن مع وجود دولة حامية ضابطة.الاستجابة لمظلومية أبناء الجنوبوقال عبدالله علي صبري عضو مؤتمر الحوار الوطني حول الذكرى الثالثة و العشرين للوحدة “لم يعد هناك شك أن الوحدة بصيغتها القائمة بحاجة إلى مراجعة عميقة، بحيث يصل الجميع إلى توافق وطني يؤسس لانطلاقة يمنية جديدة، وبروح تحاكي ما حدث في الثاني والعشرين من مايو 1990.وإذا كانت النخبة الحاكمة في شمال وجنوب الوطن قد انفردت حينها بتفاصيل إعلان الحدث الأهم في تاريخ اليمن المعاصر، وبصياغة الدولة الفتية، ثم سرعان ما دخلت مع بعضها في اشتباك أفضى إلى حرب صيف 1994، فالمعوّل هذه المرة أن أغلب مكونات المجتمع اليمني ستكون حاضرة وشاهدة لهذا الميلاد الجديد للوحدة وللدولة، وبشكل يفترض أن يستجيب لمظلومية أبناء الجنوب وغيرهم ممن يلتفون حول القضية الجنوبية.أقول هذا وثمة تسريبات أن الحكومة بصدد إعلان اعتذار رسمي للجنوب ولصعدة عن الحروب السابقة وتداعياتها المؤسفة، وحال صدقت هذه التسريبات تكون اليمن قد فتحت الطريق للرشد وللحكمة المطلوبة إزاء معالجة الأزمات المستعصية والمعقدة، انطلاقاً من أهمية النظر إلى المستقبل دونما حسابات ماضوية تجرنا معها إلى مماحكات ومناكفات لم يعد لها مكان اليوم، وبالأخص أن الشباب والثوار الذين خرجوا ينشدون التغيير، وبذلوا في سبيل ذلك دماءهم وكل ما هو نفيس؛ ينتظرون الوفاء لتضحياتهم عبر تحقيق أهداف الثورة في بناء دولة مدنية قوية ذات سيادة ينعم في ظلها كل مواطن بالحرية والعزة والكرامة، وتحظى اليمن أيضاً بمكانة محترمة بين شعوب ودول المعمورة.