عند اجترارنا لذلك الماضي الجميل ، نجد أنه لم يتبقَ لنا سوى التمسك وبقوة بآخر ما تبقى لنا من ذلك العصر الذهبي ، وهو هذا الصرح الاقتصادي الذي لم تستطع أذرع الشيطان إطفاء جذوة حركته الدؤوبة والمتواصلة ..إنها (مصفاة عدن) التي كان لوهج شعلتها الشامخة الدور الأكبر في بناء عدن وتحويلها إلى مدينة حضرية تزاحم في رقيها وتطورها الحضاري كل دول المنطقة منذ خمسينات القرن الماضي ..ومع أن الشركة البريطانية التي أنشأتها في عدن كضرورة حتمية لتموين أساطيلها الحربية والتجارية، ولمدة تجاوزت العقدين من الزمن ، وتركتها كمنشأة متهالكة تجاوزت العمر الافتراضي لها في 1977م ، وتسلمتها الكوادر اليمنية المتمرسة لتواصل مشوار نشاطها رغم كل الصعوبات التي واجهتها حتى اليوم.. وأثبت الكادر الفني من أبناء المصفاة أنه الأجدر في بقاء هذه المنشأة الحيوية في مقدمة الخارطة الاقتصادية التي يعتمد عليها الوطن على اتساع رقعته الجغرافية ، لتوفير كل أنواع وقود الطاقة لمختلف جوانب الحياة ، بل ورفد الاقتصاد الوطني إسهاماً للنهوض ببقية جوانب الحياة المعيشية والسياسية أيضاً ..وجميعنا لا يستطيع إنكار الدور العظيم الذي أطلعت به المصفاة في أشد وأصعب المراحل السياسية والاقتصادية للبلد منذ الفترات الماضية حتى اليوم.. كل ذلك لم يكن بالإمكان لولا وجود قيادة حكيمة وكوادر إدارية رفيعة المستوى وتمتلك من المواصفات والإمكانيات الذاتية والحنكة والتجربة ما يمكنها للقيام بمثل هذا الدور الصعب وشبه المستحيل أيضاً لو جاز لنا التعبير.. ومن المؤسف حقاً أن المصفاة ونخبة قيادتها العاملة قد تعرضت لشتى أنواع النقد ومختلف أصناف الاتهامات الكيدية والتشهير لأدنى وأبسط الإخفاقات التي قد ترافق كل عمل وانجاز ، متناسين أن ( من لا يعمل لا يخطئ ) وأن نسبة النجاحات والإنجازات الكبيرة التي حققتها قيادة وإدارة المصفاة قد طغت على كل الأخطاء والعمل على إصلاح وترميم وتجاوز السلبيات والتخلص منها .. ولم يقف الحال عند تلك الأبواق التي تدوي هنا وهناك بحثاً عن حيطان خرساء أو جبال جرداء لترديد صداها .. بل تجاوز الأمر ذلك إلى التهديد والوعيد بالقيام بعمليات انتحارية ودموية وتصفيات جسدية لعدد من الشخصيات القيادية والكوادر العاملة في قمة هرم المصفاة وهيكلها الإداري والأمني أيضاً !! وإذا توقفنا قليلاً عند هذا المنحنى الخطير الذي تواجهه المصفاة لنستعرض أسباب تلك التصرفات الرعناء التي يتشدق بها البعض لمحاولة النيل من هذا الصرح الاقتصادي الشامخ وقيادته ، ولنمعن النظر في الأسباب الحقيقية لمثل تلك التهديدات المتكررة ، وتخدم أي جهة ومن المستفيد الحقيقي منها لزرع حالة الخوف والقلق لدى أولئك الرجال الذين وهبوا حياتهم لحماية المصفاة بحدقات أعينهم ، وجرى في عروقهم العشق الأزلي لتلك الشبكة المترابطة والمترامية الأطراف على طول وعرض هذه البقعة الساخنة من الأرض لتكوّن القلب النابض للوطن.. وبتوقفها تتوقف الحياة - ليس لأفراد المصفاة وعامليها ومن يعولون - بل حتى لكل فرد من أفراد الوطن والذي أحس - بالملموس - المعاناة في الفترة القريبة الماضية أبان أزمة المشتقات النفطية .. لذلك إن لم تتدخل الدولة - بمعنى كلمة دولة- وبشكل فوري وحاسم للتصدي لمثل تلك التصرفات والعمل على حماية المصفاة وقيادتها من ذلك العبث، سيكون الناتج السلبي أكبر مما يتوقعه أحد ، وتكون الكارثة جماعية يدفع ثمنها الصغير قبل الكبير ، المواطن قبل عامل المصفاة ، ويتلاشى كل أمل في الاستقرار الاجتماعي والحياتي لبلدٍ لازال يبحث بكل قواه عن الوسائل الناجعة للاستقرار الاقتصادي والأمني وهو الهاجس الأول لكل فرد فيه ..
|
آراء
مصافي عدن .. و تهديدات بتصفيات جسدية
أخبار متعلقة