في تقرير لمركز أبحاث ودراسات الشرق الأوسط
الجزائر/ متابعات:أكد مركز أبحاث ودراسات الشرق الأوسط، أن دعوة أحد زعماء تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي لضرب المصالح الفرنسية في أنحاء العالم، التي تم الإعلان عنها خلال اليومين الماضيين، تؤكد من جديد علي التهديد الذي تمثله هذه الجماعة وخطرها المتصاعد علي استقرار المنطقة.ودعا أبو عبيدة يوسف العنابي رئيس «مجلس الأعيان» بتنظيم القاعدة إلى، خلال تسجيل تم بثه علي الإنترنت يوم الثلاثاء الماضى، إلى استهداف المصالح الفرنسية في «كل مكان»، رداً علي ما وصفه بالعدوان علي «مالى»، وانتقد «الحملة الصليبية الجديدة من فرنسا واحتلالها لأرض من أراضي المسلمين»، داعياً إلى «التعبئة الشاملة».ورداً علي هذا التهديد أعلنت السلطات الفرنسية اتخاذها مجموعة من الإجراءات الاحترازية داخل الأراضي الفرنسية، مؤكدة أنها تأخذ تلك التهديدات بمحمل جدى، كما أكدت اتخاذها إجراءات لضمان أمن السفارات الفرنسية بالخارج، لاسيما بعد الهجوم الذي استهدف مقر السفارة الفرنسية في طرابلس في الرابع والعشرين من إبريل الماضى، إضافة إلى تأمين الأماكن التي توجد بها القوات الفرنسية بالخارج.ولم يكن هذا التهديد هو الأول من نوعه، فقد قام تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي بتهديد فرنسا عدة مرات من قبل، وكان آخرها في مارس الماضى، حيث دعا التنظيم الإسلاميين في شمال أفريقيا إلى محاربة فرنسا، التي أرسلت جنودها لقتال الجماعات الإسلامية في مالى، كما دعتهم إلى عدم ترك الساحة للعلمانيين.وكانت فرنسا قد شنت عملية برية وجوية في يناير الماضي لإنهاء سيطرة الإسلاميين علي شمال مالى، في محاولة منها لمنعهم من السيطرة علي كل أراضي الدولة التي يعيش فيها 16 مليون نسمة، واستخدامها كقاعدة لشن هجمات علي دول أفريقية مجاورة وعلي الغرب.ونجحت تلك العملية في إنهاء سيطرة الإسلاميين علي شمال مالي وأسقطت مئات من القتلى، وبدأت القوات الفرنسية انسحابها التدريجي من مالي منذ الشهر الماضى، تمهيداً لنقل المهمة إلى القوات الأفريقية في أسرع وقت، مع الإبقاء علي ألف جندي فرنسي في مالي بشكل دائم لمكافحة الإرهاب.ويري فريق من المراقبين، أنه مع العلم بأن هذه الرسائل الإعلامية التي تصدر من حين لآخر عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي تعتبر من أبرز أسلحة التنظيم لخلق أجواء من القلق والتهديد غير أنه لا يمكن الاستهانة بهذه التصريحات واعتبارها مجرد «تهديدات سطحية».ويُبرر هذا الفريق وجهة نظره بأن الجماعات الإسلامية استطاعت جيداً استغلال فترة احتلالها لشمال مالي لمدة عشرة أشهر، لتبسط سيطرتها علي أماكن استراتيجية في منطقة غرب أفريقيا، وبعد هجوم القوات الفرنسية وقتلها العشرات من قادتها تمكنت أعداد كبيرة من المقاتلين من الفرار إلى كهوف في الجبال ومخابئ في الصحراء وقاموا بتخزين الأسلحة والإمدادات استعدادا للهجوم في الوقت المناسب.ويؤكد هذا الفريق من المراقبين أن صفوف الإسلاميين، التي كان يهيمن عليها في السابق مواطنون من شمال أفريقيا بقيادة مقاتلين مخضرمين من الحرب الأهلية في الجزائر، قد تضخمت خلال الأشهر الأخيرة من خلال انضمام مئات المقاتلين من مالي ودول مجاورة إليها، مثل موريتانيا والنيجر ونيجيريا، بدافع العقيدة والحاجة لإيجاد فرصة عمل، وهذا الأمر يؤكد خطورة التهديد الذي يمثله ذلك التنظيم وجديته.فهؤلاء المقاتلون تمكنوا من إقامة شبكة من العلاقات والروابط الشخصية والأيدولوجية مع جماعات سكانية في مالي أهملتها الدولة، كما أنهم نجحوا في تجنيد مئات الأطفال، إضافة إلى الشباب العاطل الذي أصبح في إمكانه كسب نحو 300 دولار شهرياً، وهو مبلغ كبير بالنسبة للاقتصاد الراكد في شمال مالى.وعلي الرغم من اختلاف تلك الجماعات كثيرا حول الاستراتيجية والعمليات، وحدوث انشقاق بين صفوفها في بعض الأحيان مثل انشقاق «حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا» عام 2011 عن تنظيم القاعدة في المغرب، غير أن المراقبين أجمعوا أن هذه الجماعات تستطيع أن تقوم بما يسمي «انفصال تكتيكي» سعيا وراء فرص جديدة للتمويل والتجنيد في الوقت ذاته تفسح المجال للأطراف الأخري بالتركيز علي جماهير، ومناطق عمليات مختلفة ولكنها تستمر، إلى حد ما، في التعاون والعمل نحو أهداف مشتركة وأحيانا كثيرة تتمكن من إعادة تنظيم صفوفها وبدء عمليات هجومية جديدة.واتفق المراقبون علي أنه إذا تمكن تلك الجماعات من الاستمرار في التنقل والاختباء، فإنها ستكون حربا بدون نهاية مثلما هو الحال في أفغانستان.وبناء علي ذلك، فقد أصبح جلياً أن هذه الجماعات يمكن أن تنجح بسهولة في إعادة تنظيم صفوفها والعودة بقوة إلى مسرح القتال وتهديد المصالح الفرنسية ليس فقط في منطقة الساحل والصحراء، التي تمثل إرثا تاريخيا ومنطقة نفوذ فرنسى، ولكن أيضا في مناطق مختلفة من العالم.ويعتبر تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامى» تنظيما سلفيا مسلحا نشأ عن الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية، التي ولدت بدورها من رحم الجماعة الإسلامية المسلحة. وفي عام 2006 أعلنت الجماعة السلفية انضمامها إلى تنظيم القاعدة الذي كان يقوده أسامة بن لادن، قبل أن تسمي نفسها رسميا في العام التالي «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامى».ويعلن التنظيم أن هدفه الرئيسي يتمثل في تحرير المغرب الإسلامي من الوجود الغربي والموالين له وحماية المنطقة من الأطماع الخارجية والأنظمة المرتدة، وإقامة دولة كبري تحكم بالشريعة الإسلامية.ونشط التنظيم خلال السنوات الأخيرة في منطقة الساحل والصحراء، ونفذ العديد من عمليات خطف الأجانب في بعض هذه الدول وعمليات هجوم علي مواقع مهمة في عواصمها، ويخصص التنظيم أميرا لمنطقة الصحراء التابعة لتنظيم القاعدة، والتي تشمل الرقعة الجغرافية للصحراء الكبري الواقعة شمال مالى، وتعرف لدى التنظيم باسم «صحراء الإسلام الكبرى».وتساند القاعدة كافة المناطق التي يحدث فيها تدخلات عسكرية خارجية مثل الصومال، وينشط مقاتلوها في منطقة غرب أفريقيا التي تشكل إحدي بؤر التوتر الكبري في القارة، نظرا لغياب الأمن وعدم الاستقرار في كثير من بلدانها، حيث يتواجد التنظيم في مناطق الحدود جنوب الجزائر، عبر مالي والنيجر وحتى موريتانيا.وقد استطاع التنظيم إقامة روابط مع شباب المجاهدين في الصومال، وصولا إلى جماعة بوكو حرام النيجيرية التي يرجح أن تكون مرتبطة بجماعة طالبان النيجيرية، فكريا وأيديولوجيا، والتي تأسست في عام 2002.