نبض القلم
يمتاز الدين الإسلامي عن غيره من الأديان بخاصية الاعتدال والوسطية، أي ليس فيه إفراط ولا تفريط، فالإفراط هو الزيادة في الدين أكثر مما هو مطلوب فيه، والتفريط هو النقص فيه والافراط والتفريط كلاهما مرفوضان في الدين الاسلامي بينما لوسطية هي السمة المحمودة، ولذلك قال الله تعالى في وصف المسلمين:” وجعلناكم أمة وسطاً” البقرة.لقد وصفت الأمة الإسلامية بالوسطية لأنه كان قد سبقها صنفان من الناس، أحدهما كان قد أفرط في المادية وغالى فيها مثل اليهود والمشركين، والآخر كان قد فرط في المادية وغالى في الروحانية وهجر الدنيا وترك ما فيها من لذات جسمية ومباهج الحياة كالنصارى.وما يميز الأمة الإسلامية أن الله تعالى جمع لها في دينها الحقين، حق الروح وحق البدن، فهي أمة مادية روحية، وكأن الآية الكريمة تقول للمسلمين: جعلناكم أمة وسطاً لأنكم تعرفون الحقين ، لتكونوا شهداء بالحق على الناس الماديين بما فرطوا في جنب الدين، وشهداء أيضاً على الناس الروحانيين بما أفرطوا فيه وكانوا من الغالين. أي المسلمين شهداء على المفرطين بتعطيل الدين ممن خلدوا إلى البهيمية وأحرموا نفوسهم من المزايا الروحية، والقائلين:” ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر”.وهم شهداء أيضاً على المفرطين بالدين وذلك بالغلو فيه ممن قالوا: إن هذا الوجود حبس للأرواح وعقوبة لها، فعلينا أن نتخلص منه بالتخلي عن جميع اللذات الإنسانية، وهضم النفس حقوقها، بحرمانها من جميع ما اعده الله لها في هذه الحياة.ولذلك فإن المسلم الملتزم هو الذي يعطي كل ذي حق حقه، يؤدي حقوق ربه، وحقوق روحه، وحقوق جسمه، وحقوق ذوي القربى وحقوق الناس أجمعين.وما أجمل قول الشاعر:لا تذهبن في الأمور فرطاً وكن من الناس جميعاً وسطاًوللدلالة على فضيلة الوسطية في الإسلام قول الله تعالى:“حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى” أي أن الوسطية مستحبة حتى في أمور العبادة.وفي الحديث الشريف ما يؤكد على فضيلة الوسطية وعدم التطرف في الأمر، فالرسول “صلى الله عليه وسلم” يقول:” خير الأمور أوسطها” فالسخاء وسط بين البخل والتبدير، والتواضع وسط بين المهانة والكبر، والشجاعة وسط بين الجبن والتهور، وهكذا في بقية الأمور المحمودة، ولذلك فإن المسلم الملتزم مأمور بالأخذ بالوسط في كل الأمور، والرسول الكريم “محمد صلى الله عليه وسلم” يقول:” ليس خيركم من ترك الدنيا للآخرة، ولا الآخرة للدنيا، ولكن خيركم من أخذ من هذه وهذه”..وقال أيضاً:” إن الله بعثني بالحنيفية السهلة ولم يبعثني بالرهبانية المبتدعة”.ولذلك فإن الإسلام يدعو إلى الوسطية، ويحذر من الانحراف تجاه اليمين وتجاه الشمال، أي انه ينهى عن السلوك المتطرف، ومن الأقوال المأثورة المنسوبة للإمام علي بن أبي طالب قوله:” خير هذه الأمة النمط الأوسط، يرجع إليهم الغالي، ويلحق بهم التالي”.وقال أحد الحكماء لابنه وهو يعظه:” يا بني الحسنة بين السيئتين” ويعني بذلك أنها تقع في الوسط بين الإفراط والتفريط، ومعروف أن النفس البشرية إذا انحرفت عن الخلق الوسط فإنها خاطئة فهي تتجه إلى أحد الخلقين الذميمين:فإذا انحرفت عن التواضع وقعت في الذلة أو الكبر.وإذا انحرفت عن الصبر وقعت في الجزع أو الغلظة.وإذا انحرفت عن العزة وقعت في العبودية أو الطغيان.وإذا انحرفت عن الرفق وقعت في العنف أو الضعة.ولما كان الإسلام قد تميز بالوسطية فإنه أصبح عامل جذب للبشر للدخول فيه، ولذلك شن الغرب حروباً صليبية عدة على العالم الاسلامي، خاصة بعدما رأوا الاسلام ينزع من المسيحية أممها وعواصمها. فقد قال أحد المبشرين:“إن القوة الكامنة في الإسلام هي التي وقفت سداً منيعاً في وجه انتشار المسيحية، وهي التي أخضعت البلاد التي كانت خاضعة للنصرانية”. وقال آخر:” لم يتفق قط أن شعباً مسيحياً دخل في الإسلام ثم عاد نصرانياً”.ولما فشلت جميع الحروب الصليبية في إيقاف الزحف الإسلامي على العالم، باعتباره الدين الوسط، عمدت قوى الاستعمار الأوروبي على تشويه الإسلام عبر وسائل الإعلام المختلفة من خلال إبراز بعض العناصر المتطرفة من المسلمين، ومعظم هؤلاء المتطرفين تم إعدادهم وتعليمهم في ظل الهيمنة الاستعمارية على الوطن العربي والأقطار الإسلامية، ونشأ بعضهم في مدارس الاستشراق، ومعاهد التأهيل الاستعمارية، فأعطوا صورة مشوهة للإسلام، باتباعهم أساليب مختلفة للتطرف، وعمدت وسائل الإعلام الخاضعة للنفوذ الغربي الى إبراز هؤلاء المتطرفين، وقامت بتلميعهم وإشهارهم، وذلك لإظهار الدين الإسلامي وكأنه عبارة عن محظورات وممنوعات، وصورت الجهاد بأنه إرهاب، والعفة هضم لحقوق المرأة، وهكذا.ولذلك لا غرابة أن يأخذ التطرف الإسلامي مدى واسعاً في أجهزة الإعلام المختلفة، بما فيها بعض أجهزة الإعلام العربية، لأن القائمين على كثير من أجهزة الإعلام هم من المتأثرين بثقافة الاستشراق، والخاضعين لنفوذ الاستعمار، إذ أن أجهزة الإعلام العربية والإسلامية لا تزال حتى الآن خاضعة بصورة أو بأخرى للنفوذ الغربي.وفي واقع كهذا ليس غريباً أن يعلو صوت التطرف الإسلامي، وتخفت أو تتلاشى الأصوات المعتدلة.