كتب/ محمد مكاوي:يواجه الأطفال من ذوي الإعاقة خطر العنف أربعة مرات أكثر من الأطفال دون إعاقة بحسب دراسة صادرة بدعم من منظمة الصحة العالمية.وليس هناك ما هو أقسى على الإنسان من أن يكون طفلاً وذا إعاقة ومع ذلك يتعرض لشتى ضروب العنف والاستغلال والإساءة وسوء المعاملة، فلا يجد لساناً يفسر به ما يقع، أو عيناً ترى ما سيقع، أو ذهناً يعرف أن ما يقع يندرج في أبشع صور الاستغلال.ويعتبر الأطفال ذوو الإعاقة الذهنية أكثر الأفراد عرضة للإهمال وأقلهم استعداداً للدفاع عن أنفسهم ضد كل أشكل الإساءة، فذوو التثلت الصبغي منهم أو الانطوائيون غير قادرين على فهم وتفسير ما قد يتعرضون له سواء كان نفسياً أو جنسياً، ومن سوء حظهم أنهم أكثر اعتمادية على الآخر، وأكثر ثقة وخضوعاً واستجابة، ما يجعلهم يعتقدون أن الإساءات التي تحدث لهم تندرج ضمن السلوكيات العادية.أشكال العنف والإساءة والإهمال الموجهة للطفل ذي الإعاقة:تتعدد أشكال العنف والإساءة والإهمال الموجه للطفل ذي الإعاقة الذهنية منها:1) العنف الجسدي: ويندرج ضمنه الضرب باليد كاللكم والصفع، أو الرفس والركل أو الحرق والكي بالنار وبالصعقات الكهربائية، أو الشد من الشعر أو اللسع أو العض أو في بعض الأحيان الرمي والهز وغيرها ما يؤدي الطفل ويزيد من مشكلاته.وقد يقوم بها شخص بوعي أو بغير وعي غريب عنه أو من أقربائه أو من والديه أو من المكلفين بخدماته، ويعتقد بعض هؤلاء أن ذلك يندرج ضمن أساليب تقويم سلوكيات الأطفال وتصحيحها.2) الإساءة النفسية والعاطفية: وتتجلى في احتقار الطفل وإشعاره بعدم قبوله والرضا عنه وبعدم قدرته على الفهم أو استخدام نعوت وألقاب أو لغة جارحة مرفوقة بالسب والشتم والاهانة في وجهه.3) إهمال الطفل ذي الإعاقة: يتخذ إهمال الطفل أبعاداً تمس جوانبه الجسدية كعدم توفير الرعاية والعناية الصحية الضرورية، وتركه وحيداً أو ربطه إلى مكان ما أو إهمال نظافته ومرضه أو تركه للجوع والعطش أو تعريضه للبرد والحرارة. والإهمال التربوي كعدم إلحاقه بالمدارس أو رفض تسجيله فيها أو وضعه في ركن من أركان الحجرة دون أدنى اهتمام.لا تمس أشكال العنف و سوء المعاملة والإهمال الأطفال ذوي الإعاقة الفقراء فقط، بل حتى المنحدرين من الأسر الغنية والمتدينة والملحدة، العربية والأمازيغية والعبرية وغيرها، إجمالاً فحيثما كان الطفل ذي الإعاقة الذهنية كان هناك صنف من سوء المعاملة.من فضاءات العنف- في المنزليعاني معظم الأطفال ذوي الإعاقة الذهنية المنحددن من أسر غنية من الإهمال التام، وفي أحسن الحالات يكلف بهم الخدم أو أحد أفراد العائلة غير الأسرة. وتتعمد بعضها إخفاء ابنها أو ابنتها من ذوي الإعاقة عن الآخرين لدرجة الإنكار، وإغلاق كل الأبواب عليه لكي لا يراه أحد.تضطر بعض الأمهات المطلقات بسبب طفل ذي إعاقة أن تكلف أمها بالابن عند الزواج الثاني أو تودعه دور الرعاية، وفي كلتا الحالتين يتعرض لشتى ضروب العنف من قبيل: الضرب والشتم والإنكار والتملص من المسؤولية أو إنفاق الإعانات الخاصة به على غيره أو التضييق عليه في الملبس والمأكل، أو التعامل معه باعتباره دون مشاعر ولا إحساس أو حتى مشاركتهم اللعب والفرح والمناسبات العائلية والأسرية، كما أنه يتم إغفال حقه في المشاركة في اتخاذ بعض القرارات البسيطة كلون الملابس أو نوع الطعام أو زيارات الأهل والأقارب وجل السلوكيات الاجتماعية التي من شأنها أن تحقق لذي الطفل ذي الإعاقة إحساساً بذاته وخلافه من أشكال السلوك الاجتماعي الطبيعي.يترتب عن هذه السلوكيات تعميق إحساس الطفل بالعزلة وتحد من إمكانيات الاندماج الاجتماعي وتؤخر نمو الاستقلالية لديه في تدبير شؤون حياته كما أنها تعمق من درجات إعاقته وتجعله أكثر اتكالية كما أنها تكون سبباً مباشراً في ظهور بعض الانحرافات السلوكية المرافقة.- في المؤسسات التربويةيبدأ الإهمال من المؤسسات المفروض فيها أن تقوم بواجب الخدمة وبالحماية وبالدفاع عن الحق تم تنحدر في السلم لتمس الشارع فالبيت فالأسرة. والتهميش في المدرسة ليس بالنسبة للذين يوجدون خارج أسوارها بل حتى لأولئك الذين يوجدون في الداخل ومن تجليات ذلك رفض استقباله من المسؤول الأول، رفض تسجيله في القسم العادي، رفض إدماجه في نفس الزمن المدرسي والفضاء والتعليمات فالأطفال ذوو الإعاقة يتعرضون في كثير من الأحيان للضرب أو الرجم أو البصق أثناء توجههم إلى المدرسة وخلال تواجدهم فيها وأثناء عودتهم منها. ويتعرضون أيضا لتسلط الأقران والكبار على نطاق واسع.لا تكتفي المدرسة فقط بالعنف الجسدي أو الإهمال والإساءة بل تمارس من خلال برامجها غير الملائمة وضعف تكوين أساتذتها عنفاً رمزياً يتمثل في إجبار الطفل على حضور دروس وأنشطة لا امتداد لها في حياته ولا علاقة لها باحتياجاته ما يجعل معظمها مجرد فضاء غير مؤهل لاحتضان الأطفال ذوي الإعاقة الذهنية.- في المراكز المختصةيتلقى الطفل ذو الإعاقة الذهنية في المراكز الخاصة كل أصناف العنف والإساءة والإهمال وذلك بسبب غياب تكوينات للمربين المختصين في مجال الاهتمام بذوي الإعاقات الذهنية. وضعف المراقبة وعدم انفتاح هذه المراكز على المؤسسات العمومية. ولقد أكدت العديد من الدراسات العزلة التي يعاني منها الأطفال في المراكز المختصة وغياب إمكانيات الاندماج الاجتماعي، وانتشار بعض التحرشات الجنسية لدى الإناث والذكور على حد السواء.أين الملاذ؟يقتضي حماية الأطفال ذوي الإعاقة من ضروب الإهمال والعنف وسوء المعاملة ما يلي:- على المستوى العائليالاهتمام بأسر الأطفال ذوي الإعاقة وتمكينهم من الأساليب التربوية التي تساعدهم على تقبل الأطفال ورعايتهم والعناية بهم وعدم الإساءة إليهم والذود على حقوقهم. كما يقتضي الأمر دعم تمدرس الأطفال ذوي الإعاقة ماديا ومعنوياً لتشجيع الأسر على إحضار أطفالها للمؤسسات التعليمية من خلال برامج (تيسير) مثلاً أو (راميد).- على مستوى المؤسسات التعليمية- توفير الموارد البشرية الضرورية لخدمة الأطفال ذوي الإعاقة الذهنية وتكوينها تكوينا يناسب صنف ودرجة الإعاقة وضمان حقوق الموارد البشرية بما يجعلها قارة في أداء مهامها.- تأهيل الأطر التربوية والإدارية للمؤسسات التعليمية بما يجعلها تعتبر الإعاقة الذهنية تندرج ضمن التنوع البشري ويشجع على تقبلها في فضاء المدرسة.- بناء برامج تربوية وتوجيهات بيداغوجية تيسر استحضار حاجيات الأطفال بما يجعل حضورهم حضوراً فاعلاً وليس صورياً وضمان حمايتهم من كل أشكال الإهمال والعنف والسب والشتم.- إشاعة روح التعاون والتضامن والتربية على الاختلاف في رحاب المؤسسات التعليمية وتأهيل فضاءاتها التربوية والاجتماعية وتيسير ولوج الأطفال لجميع مرافقها بيسر.- اعتماد خطوات مستعجلة ملموسة وإرادية وملزمة لإنصاف ذوي الإعاقة الذهنية بعيداً عن الخطابات الرنانة والشراكات غير المجدية.- دعم أسر الأطفال ذوي الإعاقة دعماً مادياً ومعنوياً مع تتبع استفادة الأطفال ذوي الإعاقة الذهنية من تلك الإعانات.- زيادة الوعي والفهم للإعاقة بالتكوين والتحسيس والإعلام.- نشر القصص الناجحة للأطفال ذوي الإعاقة على أنظار الأسر والمدرسين والأطفال الآخرين ذوي الإعاقات أنفسهم.- على مستوى المراكز المختصةيستدعي نجاح المراكز المختصة، الانفتاح على مختلف المتدخلين وتوفير الفرص كلما أمكن ذلك ليعيش الأطفال ذوو الإعاقة الذهنية مهما كانت درجات إعاقتهم داخل أوساط اجتماعية عادية ولو لفترات زمنية قصيرة. كما أن هذه المراكز مدعوة لتعبئة الأسر والأساتذة والمتعلمين في المؤسسات العادية حول ضرورة الاهتمام بقدرات الأطفال ذوي الإعاقة الذهنية باعتبارهم أطفالاً قبل أن يكونوا معاقين، ومن واجبها كذلك اقتسام الخبرة مع أساتذة الأقسام الدامجة أو العادية والمشاركة في بناء مشاريع التروية الفردية القمينة بحماية أطفالنا ذوي الإعاقات الذهنية من كل أشكال العنف والإهمال والإساءة.
الأطفال ذوو الإعاقة.. أنين بلا صوت
أخبار متعلقة