تجمعات عشوائية تزحف بصمت على جبال التواهي والمعلا وكريتر
تحقيق /إصلاح صالح وهلا عدنانعلى امتداد جبل عين بالتواهي المطل على ميناء عدن تنتشر بكثافة لافتة التجمعات السكنية وبشكل عشوائي مستفز جدا للنظر، ناهيك عن أن يمت للمدنية والتخطيط بصلة، ليس هذا أسوأ ما في الأمر فعلى طول الجبال الممتدة من التواهي مرورا بالمعلا وانتهاء بكريتر، أكثر ما يلفت الانتباه هو زحف العشوائيات المستمر على الجبال، في ظل صمت وتواطؤ الجهات ذات العلاقة ناهيك عن عدم إيجادها لحلول ناجعة تخفف من وطأة المعاناة وتحافظ على ماء وجه مدينة عدن، اذ ليس من الدقة ان نقول جمالها.تعد المباني العشوائية التي تنتشر على واجهة جبل عين من أسوأ التجمعات في مدينة عدن، ربما لموقعها الحساس الذي يطل على ميناء عدن ومدينة التواهي ومبانيها التاريخية، لكن ذلك لا يعني أن العشوائيات الأخرى في جبل ردفان والشيخ إسحاق بالمعلا وجبل شمسان والمناطق المجاورة له بكريتر أقل سوءا، فهذه التجمعات آخذة بالاتساع والزحف على جمال المدينة تحت مرأى الجهات ذات العلاقة في المحافظة والمجلس المحلي، التي على ما يبدو تغض الطرف دون حكمة متجاهلة سرطان العشوائيات الذي تدرك يقينا مخاطره الكارثية.[c1]أزمة سكن متفاقمة[/c]الأمر يتم على هذا النحو: مدينة تشهد أزمة سكن متفاقمة، فيما يطبق النافذون والسماسرة على سوق العقارات الضيق جدا، يلجا السواد الأعظم من بسطاء المواطنين إلى أكثر الخيارات فداحة وكارثية: تسلق الجبال لتسوية موطئ قدم في أعلى المنحدر، هناك حيث لا تمرق المواكب الرسمية ولا يكلف المسئولون المحليون أنفسهم عناء البحث عن إحصائيات- لم تتوفر حتى اللحظة- لمعرفة واقع هذه التجمعات العشوائية، اذ من المؤكد ان الأرقام المتصاعدة والمهولة لأعداد المساكن الجديدة فيما لو أطلعت عليها جهات الاختصاص أولا فأول فإنها ستتنبه حتما لخطورة الأمر واتخاذ معالجات جادة له.[c1]ضحايا لا مواطنون[/c]بالإضافة إلى عدم ذكر اسمه الكامل وعدم السماح لنا بتصويره تحدث الشاب أمين معنا بتحفظ شديد، قال: أنا بعد عناء طويل بنيت بتحويشة العمر هذه الغرفة وأشار بيده إلى غرفة في أعلى الجبل- منعنا من تصويرها- واستطرد أمين كما ترى الحبة البردين تطلع إلى الجبل بعد طلوع الروح وبسعر مضاعف وبعدين يا أخي كيف تشتينا اعمل عمري فوق الثلاثين وبدون زواج أو عمل رسمي. يواصل أمين سرد تفاصيل معاناته وأسرته:نعيش في بيت الوالد الآن أنا وأخواتي الثلاث لديها ثلاثة أطفال، وأخواني الثلاثة كلهم متزوجون في نفس البيت، تخيلوا الحالة أنا ادخل أنام فقط في البيت عفوا في سقف البيت المكان الوحيد اللي مش شاغر. وأضاف واحدة من أخواتي باعت الذهب حقها لمساعدتي ومع ذلك وبعد 5 سنوات مش قادر حتى أضيف حمام إلى جانب الغرفة، التي هي طبعا بدون ماء أو كهرباء. يضيف: وان شاء الله بأقدر أوصل الكهرباء والماء لما يكون عمري سبعين سنة إذا عشت. بهذه اللهجة المليئة بالمرارة نقلنا كلام الشاب أمين كنموذج واحد لآلاف الشباب في عدن ممن تقطعت بهم السبل لبناء منزل وتكوين أسرة أو حتى الحفاظ على السرير في منزل الأب بعد تعدد الأسر في المنزل الواحد.[c1]مشكلة دون حلول[/c]بالعودة الى دراسة بحثية حديثة تطرقت الى مشكلة السكن في محافظة عدن، فقد أرجعت تفاقم الازمة لعدد من الأسباب أهمها: قانون التأميم وتوقف القطاع الخاص عن بناء المساكن خلال الفترة 1969ــ 1990، وتحمل الدولة خلال نفس الفترة مسئولية توفير السكن للمواطنين. وفيما تفاءلت بسير المشكلة الى الحل ببطء نتيجة لارتفاع معدل النمو السنوي للمساكن الى5.8 بالمائة, أعلى من معدل النمو السنوي للسكان 4.49 بالمائة. الدراسة ذاتها لفتت إلى احد الإشكالات وهي العشوائيات وقدرت عددها بـ( 8512) وأن ما يقارب (7,333 ) مسكناً يزيد عمرها عن 100عام وهي عمليا مساكن آيلة للسقوط, وان ما يزيد على (7,688 ) مسكن, تزيد عمرها عن 50 عاماً أي أن العمر الافتراضي لـ ( 31,164) مسكناً قد انتهى عملياً ، وان الكثافة السكنية تصل أعلاها في حي (المعلا) بواقع ( 60 ) شخصاً / هكتار حيث يبلغ المعدل المتوسط للكثافة السكانية لجميع أحياء مدينة عدن (347) شخصاً للهكتار الواحد، مستخلصة ان حجم الفجوة( العجز) في المساكن في محافظة عدن, بلغ (31,164) مسكناً حسب الدراسة. [c1] عشوائية الخدمات[/c]يعاني قاطنو العشوائيات في جبال عدن من انعدام معظم الخدمات العامة والتي وإن وجدت فهي عشوائية وتتسبب غالبا في أكثر من كارثة، لكن الجهات المشرفة على خدمتي المياه والكهرباء لم تتيقظ للأمر وتوقف معاملات إدخال الخدمة للمنازل العشوائية الجديدة في التجمعات الجبلية، للكهرباء التي يتم ربطها بشكل عشوائي قد يتسبب بأكثر من كارثة، كما يعاني الأهالي من الرسوم الكبيرة جدا التي يتم فرضها مقابل ادخال الخدمة إلى المنازل وفيما لا توجد اشكاليات بالنسبة لخدمة الهاتف، فإن المجاري والصرف الصحي هي أسوأ المشكلات وتمثل كارثة بحد ذاتها خصوصا مع استحالة أوصعوبة مد شبكة لهذه المناطق ولجوء الأهالي إلى حفر البيارات وترك المجاري مكشوفة في أكثر من منطقة وهو ما يتسبب بأكثر من مشكلة صحية ويساعد على انتشار الأمراض والأوبئة في هذه المناطق.[c1]الحمير هي الحل[/c]الأمر ذاته بالنسبة للمياه ففي الوقت الذي تعاني فيه هذه المناطق من انقطاعات المياه المستمرة ولعدة أيام يبرر المعنيون في المؤسسة الأمر بعدم وجود مضخات حديثة قادرة على رفع المياه إلى هذه المناطق وهو ما يتطلب وجود خزانات مياه إضافية في المرتفعات وإلى أن يتم حل الإشكال يتوجب على الأهالي أن يستغيثوا ببوزات المياه والحمير إذا لزم الأمر لجلب المياه من المساجد القريبة من التجمعات السكانية في جبل ردفان بالمعلا. فيما يتعلق بالطرق حلت المشكلة جزئيا في جبل ردفان في المعلا وبعض المناطق في كريتر، حيث تم رصف الطرقات بالحجارة، لكن المشكلة تكمن في ضيق هذه الطرق وتوسع البناء على حسابها، وهو ما لم يترك إلا خياراً وحيداً يصعب السماح بتنفيذه هو الهدم.[c1]ثمة تواطؤ [/c]يصعب الجزم بأن الجهات المعنية بالمحافظة والمجلس المحلي سمحت للتجمعات العشوائية في أطراف المدينة بالتوسع بهذا الشكل السيئ تحت موافقتها، لكن القول بأنها تغض الطرف عن ذلك أكثر دقة.ويرى وجدي عبدالقادر أن ظاهرة البناء العشوائي في جبال عدن، هي نتيجة فقط بينما السبب هو تقصير الدولة وعدم صرف أراضي للمواطنين في المساحات القريبة والمحيطة بالمدينة، يقول العضو في لجنة الخدمات بمحلي صيرة: ظاهرة البناء العشوائي ولدت كرد فعل، الناس بحاجة إلى مساكن جديدة للتوسع، فيما الدولة لم تقم بواجبها وتصرف أراضي لهم، ممثلا: تصور أن الأراضي التي صرفت للجمعيات السكنية وموظفي الدولة بعيدة جدا عن المدينة ولم تحدد بدقة ولن تصل إليها الخدمات إلا بعد عشرات السنين.ويستنتج وجدي: «كون الجبال لصيقة وقريبة للمدينة والخدمات لجأ الناس إلى البناء فيها، مش معقول أن بعض الأسر مكونة من 5 أو 6 أفراد في بيت مكون من غرفتين ودارة والأسوأ أن الأبناء مقبلون على الزواج، والناس يشتوا يتوسعوا « .. قالها قاطعا.ويستطرد العضو المحلي إن : البناء العشوائي في جبل البادري والمنطقة المحيطة بالمجلس التشريعي والخساف وجبل شمسان ومعظم المناطق المحيطة بمدينة كريتر، بدأ منذ منتصف التسعينات ولم يتوقف حتى اللحظة ، وإذ يلفت إلى أن الغالبية تم تمليكهم خلال الانتخابات المتعاقبة يؤكد أن الخدمات وصلت إلى هذه المناطق وأنه تم اتخاذ إجراءات ضرورية لتوسعة الطرقات كي يتم تلافي الحرائق وأي مشكلات أخرى.وعن الإشكاليات التي تواجه المجلس المحلي يقول: نحن نقوم بالنزول وإيقاف أي بناء مستحدث وإزالته لكن أحيانا نوجه إشكاليات أن البعض يقومون بالبناء في أيام العطل وخلال الفترة المسائية، يشير إلى نقطة مهمة: لن تتجاوب معك القوات الأمنية في هذه الفترة، كما لا توجد أي مواد قانونية نستند إليها في حال قمنا بمداهمة وإزالة أي بناء من هذا النوع (العشوائي) تاركا الإجابة مفتوحة للجهات ذات العلاقة.