كلمات
لا يدرك الإخوان وهم يلهثون وراء ما يظنونه «التمكين» الأخير أن العقل الجمعي المصري يقتلهم ببطء وعلى مهل وفي روية تامة، لكن بثقة ودهاء وإصرار لا يلين. ولأن الإخوان لا يعطون للعلوم الإنسانية ما تستحقه من اهتمام وانشغال فإنهم يتعاملون بغفلة واضحة مع عملية القتل هذه، أو يستخفون بها، ويستسلمون حيالها إلى أوهامهم التقليدية في نعت من يقومون بها بأنهم «أعداء الله» أو «كارهو المشروع الإسلامي» ويضاهون، بطريقة تثير الاستغراب والضحك معا، بين حالتهم تلك وبين ما جرى للمسلمين الأوائل في مطلع الدعوة أو أول الرسالة من استهزاء على أيدي المشركين، لكن الرسول الكريم وأتباعه انتصروا في النهاية.إن من ينصت إلى النكات التي بدأ المصريون يطلقونها على الإخوان يفهم كيف شرع بسطاء الناس في نزع رداء «القداسة» المزعومة عنهم؟ وكيف يهبطون بهم من عليائهم ويحطون من المنزلة الأسمى والأرقى التي وضعوا الإخوان فيها بعد أن انطلت عليهم الدعاية الإخوانية عقودا من الزمن، وترجموا هذا الاحترام غير مرة في التصويت لصالحهم في الانتخابات المتتالية. والنكتة، بالقطع، هي طريقة للمقاومة بالحيلة سلكها المصريون مرات لا حصر لها، حين كرهوا السلطة وأرادوا الانتقام منها.بعض هذه النكات يخلط الصور والإيحاءات الجنسية بالمواقف السياسية، لو كان لدى الإخوان حصيلة علمية في حقل «الإنثربولوجيا الاجتماعية» لفهم مغزاها ومعناها لاقشعرت أبدانهم، وانهمرت الدموع من عيونهم بلا توقف، وخاب أملهم في مجتمع ظنوا أنه كان يصوّت لمشروعهم في الانتخابات المتعاقبة، أو أنه الفضاء الأوسع الذي يطلقون فيه دعوتهم التي اعتقد مؤسسهم أن نجاحها رهن بتكوين الفرد المسلم، فالأسرة المسلمة، فالمجتمع المسلم، فالحكم ثم أستاذية العالم. فهذا المجتمع كشف بفطرته، وفي زمن قياسي، ما أخفاه الإخوان عقودا طويلة، وأدرك أنهم مجرد «كائنات انتخابية» أو مجموعة تعيش في «جيتو» حيث الانغلاق والجمود والشعور بالاضطهاد والعيش في أعطاف نظرية المؤامرة وكراهية «الأغيار».فها هي نكتة تبين أن «صندوق الانتخاب» أهم عند الإخواني حتى من «الشرف»، وأخرى ترسم حدود العلاقة بين المرشد ومرسي بإيحاءات لم يكن ألد أعداء الإخوان ينتظرها في يوم من الأيام. وها هي الإيحاءات الرمزية القاسية في «إلقاء حزم البرسيم أمام منزل مرسي» أو رسم صور «الخراف» على الأرض أمام مقر مكتب الإرشاد. ومن السهل إدانة هذه الأفعال ورميها بالخروج عن اللياقة والأدب والأخلاق وحتى بالعنصرية أو الفسق والفجور، لكن الإدانة لا تغير من الأثر الذي تتركه هذه النكات وتلك الرموز في نفوس الناس أو تنهي قدرتها على إعادة رسم «صورة نمطية» للإخوان مختلفة تماما عن تلك التي تمتعوا بها على مدار ثمانين سنة.وأي محاولة من قبل السلطة لاستعمال وسائل الإكراه المادي في مواجهة «المخيال الشعبي» محكوم عليها بالفشل الذريع، بل ستؤدي إلى نتائج معاكسة تماما لما قصده من بيده الحكم، لا سيما أن السلطة هنا ستحارب شبحا يقتل عدوه بسكين بارد ويجلس ليستمتع بدمه وهو ينزف قطرة قطرة حتى يسقط مغشيا عليه.يكفي الإخوان هنا أن أذكر لهم هذه الواقعة التي كنت شاهدا عليها بين فتاة في المرحلة الإعدادية وأختها التي لا يزيد سنها على عشر سنوات، حين صرخت الكبرى في أختها:- إنت بتكدبى.فدمعت عينا الصغرى، وقالت في حرقة:- أنا مش إخوانجية عشان أكدب.بالقطع لو سمع عاقل من الإخوان هذا الحوار القصير الدال، لصرخ في جماعته:- نقطة ومن أول السطر.