إعداد / زكي الذبحاني :ليس بالضرورة بمجرد تلقي المرء لعدوى السل أن يصبح مريضاً وتظهر عليه أعراض المرض وعلاماته، فالجهاز المناعي كفيل بإيقاف جراثيم السل، لكنها في الوقت ذاته تكون محمية بجدار سميك ُيمكنها من البقاء حية بداخله لسنوات وسنوات. وبضعف مناعة حامل العدوى ومتى سنحت الفرصة، ينكسر الحصار فتنشط تلك الجراثيم، وبذا تزداد فرص الإصابة وظهور الأعراض وتبعاتها بشكلٍ أكبر. سنأتي هنا على ذكر تفاصيل كثيرة عن هذا المرض القاتل، وذلك تزامناً مع اليوم العالمي لمكافحة السل 24 مارس 2013م تحت شعار (لا يأس بعد اليوم.. الوقاية من السل وعلاجه في متناولنا جميعا)ً إذ لا يخفى حقيقة هذا المرض المروع ، فقد سقى البشرية جمعاء كؤوس الألم والمعاناة ومن ثم الوفاة ، ولا تزال المعاناة ماثلة حتى زماننا هذا. والسل - حقيقة - مرض تسببه بكتيريا عضوية الشكل تتمتع بقدرة كبيرة على مقاومة الجفاف ودفاعات الجسم، وهو أيضاً واسع الانتشار لدرجةٍ تجعل أياً منا عرضة لعدواه إن لم نأخذ حذرنا منه ، ويصنف ضمن قائمة الأمراض الوبائية القاتلة. إنه يقتل من البشر حول العالم أكثر مما يقتله مرض الملاريا والإيدز باجتماعهما، وفتكه بالنساء يفوق من حيث العدد كل أسباب وفيات الأمهات، ويقتل من الشباب والبالغين حتى اليوم أكثر مما يقتله أي مرضٍ معد آخر، وما أكثر ضحاياه من الأطفال. ولا يزال السل على المستوى المحلي يمثل إحدى أهم مشاكل الصحة؛ ففي تقرير للبرنامج الوطني لمكافحة السل يُقدر عدد حالات الإصابة بالسل استناداً إلى إحدى المسوحات القديمة بنحو (14 ألف) حالة، أما الحالات المسجلة التي تم اكتشافها حتى الآن فهي تصل إلى حوالي (9.000) حالة إصابة . وللعدوى بهذا المرض أشكال متعددة ، فقد يصيب أي عضوٍ آخر في الجسم خارج الرئتين، كالعمود الفقري، الأمعاء، العظام والمفاصل، الغدد الليمفاوية، الدماغ والسحايا ... الخ، بيد أنه غالباً ما يصيب الرئتين بنسبة تزيد على (80%) من حالات الإصابة (إيجابية اللطخة). والسل - بطبيعته - يصفه الأطباء ذوو الاختصاص بأنه مرض معد شأنه شأن الزكام أو نزلات البرد؛ ينتقل باستنشاق الرذاذ المتطاير في الهواء المنبعث من فم أو أنف المصاب بهذا المرض بفعل العطس أو السعال أو بفعل بصاقه أو لعابه عند عدم الالتزام بقواعد النظافة، كذلك بمشاركة المريض الشرب من إناء واحد أو استعمال بعض متعلقاته الشخصية، كالمناديل والمناشف وكافة الأشياء التي يقع عليها شيء من إفرازات أنف المصاب أو لعابه. فلو تُرك مصاب واحد بالسل بلا معالجة فسوف يتسبب سنوياً في نقل العدوى بين (10-15) شخصاً. وتبين المصادر الطبية أن أعراض السل الرئوي تظهر تدريجياً ، ولا يلاحظها المريض إلا بعد عدة أسابيع من تلقيه العدوى وربما بعد أشهر، حيث تتراوح مدة حضانته من (4 -14) أسبوعاً. وأهم ما يميز أعراض هذا المرض: *السعال المتواصل والمزمن، خاصةً فور الاستيقاظ من النوم .- ارتفاع درجة الحرارة (الحمى).- تعرق بغزارة أثناء الليل .-شحوب في الوجه والجلد .-فقدان الشهية للطعام .-ألم في الصدر أو في أعلى الظهر .-وهن وهزال، وفقدان مستمر للوزن .-صعوبة في التنفس .وثمة أمر يجب التنبه إليه وهو أن الإنسان الذي يسعل لفترة أسبوعين أو أكثر ويتنفس أكـثر من (50) مرة في الدقيقة ربما يعاني من التهاب رئوي أو من مرض السل الرئوي. كما أن أعراض داء السل إذا ألمت ولم يُلق لها بال، أو أن علاجه أهمل ولم يأبه المريض بنصائح الطبيب المعالج فمن الممكن أن تشتد أكثر وتسفر عنها مضاعفات خطيرة تزداد معها معاناة المريض وتشكل خطراً على سلامته، ولعل أبرزها: *سعال يصاحبه خروج الدم .*حدوث فجوات في الرئة مع نفث للدم، ما قد يستدعي استئصال الجزء التالف. إلى جانب ذلك يظل المصاب بالسل عرضة للوفاة في مراحل متقدمة من الإصابة عندما تسوء حالته كثيراً. وإضافة إلى ما تقدم تزداد الوفيات بشكلٍ كبير جراء هذا المرض بين الأطفال دون السنتين من العمر وبين المتقدمين في السن (فوق سن الخمسين).بالتالي، كلنا مطالبون بتجنب عدوى السل ما أمكن بالابتعاد عن مصادر نقل العدوى وكل ما يقود إليها، وعلى المرضى - كذلك- التحلي بروح المسؤولية بأن لا يعرضوا الآخرين للعدوى، وذلك باتباع جملة من التدابير والإرشادات الوقائية، أهمها : - تجنب السعال أو العطس في وجوه الآخرين، والحرص على وضع مناديل لتحول دون ذلك. - التخلص السليم من المناديل والأقمشة الملوثة بمفرزات الفم والأنف للمريض. - تجنب البصق على الأرضيات والأسطح أو على الأدوات وما شابه .. - الامتناع عن التدخين بأشكاله المختلفة كونه يزيد من تفاقم حدة المرض ؛ ومن شأن تداول تدخين المداعة والشيشة بين الناس تسهيل وتيسير نقل العدوى ونشرها بين المدخنين . وتذكر المصادر اتخاذ جملةً من الإجراءات الحاسمة تعمل على الحد من انتشار عدوى السل، من مثل تحسين الأوضاع والأحوال الصحية والاقتصادية والاجتماعية للناس، خاصةً ما ارتبط منها بظروف المسكن ، كالتهوية المناسبة والتغذية الملائمة..إلخ . إلى جانب الاكتشاف المبكر للحالات، لاسيما بين الفئات الأكثر عرضة للعدوى، مثل مخالطي المرضى، السجناء ونزلاء المصحات، وذاك من خلال إخضاعهم للفحوص اللازمة وفحص البصاق ؛ بالإضافة إلى إجراء صور إشعاعية للصدر . فيما لم تكن هناك أدوية متاحة لشفاء المصابين بدرنيات السل قبل (50) عاماً مضت، لكن الوضع بعدها تغير فصار العلاج متاحاً، بل ومضمون الفاعلية لتحقيق الشفاء بإذن الله، شريطة التماسه بشكلٍ مبكر وتدارك الحالة من البداية قبل أن يستفحل الأذى والخطر؛ بإحالة المرضى وحاملي العدوى وكل من يحمل أعراضاً شبيهة بأعراض السل المذكورة آنفاً إلى أقرب مركز من مراكز المكافحة من قبيل إجراء الفحوص اللازمة لتحري الأمر، وتقرير وضع الحالة وما يناسبها من علاج ورعاية. ويتوجه المختصون بنصائحهم إلى المريض بالسل بعدم إهمال العلاج الذي قُرر له وألا ينقطع عن تناوله، وإلا استعصت الأعراض واستعصى معها - أيضاً- علاج المرض لدرجة تُفقد معها الأدوية المتوفرة الجدوى في وقف المرض، وما قد يقود إلى مضاعفات خطيرة تكون مهلكة في النهاية. كما يجب الالتزام بخطة البرنامج الوطني لمعالجة السل (الدرن)، وهذا يستوجب تعاون الأطباء بإحالة المرضى المشخصين أو الذين تشتبه إصابتهم بالمرض إلى مراكز البرنامج، وألا يصفوا لهم أية أدوية لا تتفق مع سياسة البرنامج حتى لا تعجل بظهور حالات الدرن المقاوم للدواء .
المـــــــرض القاتـــــــــل
أخبار متعلقة