يمنيات بعمر الزهور يصنعن مصابيح بالطاقة الشمسية
آلاء أبو عيشة«وفاء محمد علي الريمي» طفلةٌ يمنية تدرس في الصف الثالث الثانوي بمدرسة (السيدة زينب) وسط العاصمة «صنعاء». وعلى الرغم من سنّها الصغيرة، و»تخصصها» في القسم «الأدبي»، إلا أنها تمكَّنَت من الحصول وفريقها على الجائزة الأولى في مسابقة «إنجاز العرب» عن ثلاثة منتجات «إنارة» صديقة للبيئة تعمل من خلال الطاقة الشمسية![c1]ميول «علمية».. وواقع «أدبي»[/c]كانت «وفاء الريمي» من ذوات المعدّلات «الجيدة جداً» على مستوى المراحل التعليمية المختلفة، لكنّها آثرت اختيار التخصص «الأدبي» على نظيره «العلمي» لسبب قد يكون مقنعاً:- الفصل الواحد عندنا يجمع أكثر من 80 طالبة في غرفة واحدة، بينما تتشارك ثلاث طالبات فأكثر في المقعد، وهذا سبب يجعل من الصعب على أيٍّ منا استيعاب المادة المطروحة (..) نحنا يا دوب نسمع الأستاذة وهي تشرح.أما «المشكلة الأكبر» التي دفعت «وفاء» إلى إلغاء فكرة الانخراط في القسم العلمي أصلاً فهي «أزمة الكهرباء» التي مرّت بها اليمن خلال العامين الماضيين، حيث كانت تنقطع عن بيوت العاصمة ما يقارب الـ (8) ساعات يومياً، لكن «وفاء» -ورغم ذلك- لم تنسَ أبداً أساسيات «الرياضيات» و»الكيمياء» و»الفيزياء».- بدا الأمر وكأنه يقدَّم إليَّ فوق طبقٍ من «نور»! في يومٍ من الأيام حضر الأستاذ الشمري إلى مدرستنا، وكان وقتذاك مدير «إنجاز اليمن»، وطلبَ من المديرة اختيار 10 طالبات مبدعات، على أن تقدِّم كلٌّ منهنّ فكرةً تصلح لمشروع «شركة» خلال أسبوعٍ فقط.طوال تلك «المُهلة» كانت «وفاء» مصرّة بعد اختيارها ضمن قائمة الفتيات «الأكثر تميزاً» على أن تكون «فكرتها» أكثر ملامسةً لمشكلات «الشعب اليمني»، فتساعدهم على قضاء «حاجةٍ ما» تؤرّق حياتهم.. لكنها لم تُحدّد ما هيتها، حتى ثلاثة أيام فقط ما قبل موعد التسليم.[c1]«أن تلعنَ الظلام..»[/c]ليلتها، كانت الكهرباء مقطوعةً عن منطقة سكن وفاء، وكانت شعلة الشمعة تتمايل مع نسمات الريح المتسللة عبر طرف النافذة.. إخوة «وفاء» الخمسة، كانوا يحاولون التأقلم مع وضع أن «لا كهرباء الليلة»، أما الوالد، فكان يقلّب محطات المذياع.[c1]يا الله ما هذا؟[/c]شهَقَ الجميع أسَفاً على الخبر الذي أورده المذيع للتو : حريقٌ نشبَ في أحد البيوت بسبب «شمعة» كان أشعلها أصحابه نظراً لانقطاع التيار.. وهناك حديث عن أضرار بشرية فادحة!بسرعة، انطلَقَت وفاء، ونفخَت على الشمعة، وقالت :»هنا.. أن تلعن الظلام خيرٌ ألف مرة من أن تضيء شمعة».«والله فكرة..لقد وجدتها أخيراَ»، قالتها «وفاء» بعد أن طرقعت إصبعيها الإبهام والوسطى، وتساءلت كمن يحدّث نفسه بصوتٍ عالٍ :»لماذا لا أقدم فكرةً تحدّ من حرائق البيوت، أو انفجارات الغاز في اليمن؟».ضحِكَ والدها، وشاركها الحديث :»الطاقة الشمسية مثلا؟»، أجابتها :»أيوة...فكرة بناءة وممتازة».[c1]محاسن «الصدف»[/c]في اليوم المنتظر، حضر الأستاذ الشمري، ليستلم الأفكار من الفتيات.. بدأ يراجع الأوراق، ووجد بعضها تخصّ كماليات الحياة كـ (ديكور متكامل للمطبخ، أو صابون يتم تحويله إلى شنطة نسائية، أو علاج لتساقط الشعر يتم تصنيعه من شجرة السدر).لكن، عندما بدأ يقلب ورقة «وفاء»، صرَخَ منبهرا :»أوووه، ما هذا؟ مظلة شمسية؟ مروحة شمسية؟.. وفانوس شمسي»!كانت فكرة المظلة الشمسية - لمن لم يتخيل تركيبتها- تعتمد على تصنيع مظلات مضيئة تعلوها شرائح شمسية، لتضيء وقت الليل بعيداً عن إهدار الطاقة الكهربية، وهي مظلات يمكن استخدامها في أكشاك شرطة المرور، والفنادق الكبيرة أيضاً.- تمت الموافقة على الأفكار الثلاثة، واختيار الفريق الذي سيساعدني في الإنجاز، لكن كانت هناك عقبة «أساسية».. إيجاد مهندس مختص بالطاقة الشمسية!لقد يسر الله الأمور أمام «وفاء»، فبالصدفة، وخلال تواجدها برفقة إحدى زميلاتها في محلٍّ لبيع المصابيح الكهربية، سألت صاحب المحل :أتعرف مهندساً مختصاً بالطاقة الشمسية؟ ليجيبها زبونٌ كان بالقرب منها يشتري :أنا مهندس.. لماذا تسألين؟.حكَت «وفاء» للمهندس غايتها من السؤال، وبدأ العمل فعلياً! لقد علّمهن أسس العمل بعد اللقاء الأول بيومين فقط! ومن دون مقابل!!كان مقتنعاً جداً بهذه الفكرة، وواثقاً من الفوز فيها على صعيد إنجاز اليمن على الأقل.[c1]شرفتموني يا بنات [/c]بدأت الاستعدادات لمسابقة (إنجاز اليمن) على مستوى المحافظات كلها، وعلى الرغم من أنها مسابقة محلية، إلا أنها كانت «مصيرية» بالنسبة لوفاء ، إذ ستكون النتيجة فيها هي «الفيصل» في اختيار الفريق الذي سيمثل «كل اليمن» في مسابقة (إنجاز العرب) الكبرى في قطر.- كان معرضنا بسيطاً جداً بالنسبة للمعارض الأخرى (..) بصراحة، كنا ننظر إليها بطرف عين لأنها كانت مبهرة، رغم أن معرضنا كان تقريباً صاحب الفكرة الأقوى، كان الناس كلما مرّوا بالقرب منا ابتسموا وقالوا :أنتم الفائزون.. أنتم الفائزون.وكان الفوز وقتذاك لا يعني أبداً الإعجاب بالفكرة وحسب! كان الفوز يعني أن الشركة ناجحة بدءًا من فكرة المنتج، مروراً بالتسويق والإدارة المالية والموارد البشرية كذلك.- «لقد فزنا»! صرخنا بصوتٍ واحد لحظة إعلان النتيجة، وأذكر جيداً صورة مديرة المدرسة الخمسينية، وهي تهرول ناحيتنا وتبكي قائلةً :شرفتموني يا بنات.[c1]«المعرض المبهر»[/c]2 - 11 - 2012م.. في قطر، حيث الحفل الرئيسي لإعلان نتائج مسابقة (إنجاز العرب) لعام 2012م، كان فريق «وفاء» يستعد لإطلاق معرضه الذي أضفت عليه الملبوسات التراثية الصبغة اليمنية الأصيلة.- هذه المرة، كان معرضنا من ناحية الشكل «مزخرفاً» ومبهراً لكل من رأى شكله ومضمونه، ولكننا بين اللحظة والأخرى يساورنا شكٌّ حول أمر الفوز، فالدول المشاركة معنا، قوية من ناحية التعليم -خصوصاً اللغة- والوضع الاقتصادي.. وكنا نعتقد أننا لن نستطيع أبداً مجاراة الفرق الأخرى.4 - 11ـــــ 2012م.. انطلقت فعاليات المعرض، وكانت كل الدول المشاركة حاضرة:- بعض الزوار، كانوا يحضرون إلى معرضنا، ويكلموننا بالإنجليزية، وكانت معنا مشرفة اسمها آمال المقبولي تترجم لنا ما يقولون.. كانت دائماً تنقل لنا إعجابهم بمنتجاتنا كونها توفر الكهرباء أولاً، وتستغل طاقة الطبيعة بعيداً عن أي مشكلات قد تسببها للبيئة ثانياً. حتى حانت اللحظة الحاسمة.. إعلان النتائج: اليمن تفوز بجائزة إكسون موبيل لأفضل شركة للعام 2012م، مناصفةً مع «الجزائر».- كلمتُ أمي بعد إعلان النتيجة.. بكت، وقالت لي يومذاك :كأن في شارعنا عرساً يا حبيبتي، لقد رفعتِ رأسَ والدك عالياً.- رغم الإنجاز الذي حققته، هناك بعض الناس يوجهون لوالدي اللوم لأنه سمح لي بالخروج عبر شاشات التلفاز للتحدث عن مشروعي.والد «وفاء» الذي وَثِقَ بقدرات ابنته، كان أول من شجّعها ودعمها للاستمرار في طريق العلم والابتكار، ملقياً وراء ظهره كل «نقد» يمكن أن يثبّط من معنوياتها أو يثنيها عن المضي قدماً في طريق مستقبلها».