كتب/ صالح سويسي عندما كنا صغاراً كانت جداتنا تحدثنا عن الكرة البلورية السحرية التي من خلالها نرى من نريد وما نريد وكأنه أمامنا، وكنا نتعجب ونطلق آهات الاستغراب لهذه القوة العظيمة لتلك البلورة).هكذا تبدأ الحاجة فاطمة ذات الخمسة والسبعين عاماً كلامها، وتضيف: «بعد عشرات السنين وجدت نفسي أمام بلورة أيضاً، ولكن هذه المرة حقيقة وليست محض خيال، بت أتحدث مع ابني وزوجته وأبنائه ونرى بعضنا البعض من خلال شاشة الكومبيوتر وكأننا في المكان نفسه رغم أنه يقيم في ميشيغان الأميركية».الحاجة فاطمة ممرضة متقاعدة وتجيد اللغة الفرنسية، وفضلاً عن استعمالها المفرط لـ «سكايبي» والتحدث مع أحفادها في أميركا وأحفادها من ابنها الثاني الذي يقيم بعيداً عنها حوالي مائتي كيلومتر في تونس، توزع وقتها بين مواقع التواصل الاجتماعي (تويتر) و(فيسبوك) وتقول: «أقمت علاقات رائعة مع أشخاص كثيرين من دول عربية وأجنبية وخاصة من فرنسا، وأقضي وقتي في الحديث والنقاش معهم بأمور كثيرة وأحياناً نتحدث عن الطبخ أو الملابس».ولكن الحاجة فاطمة لا تخفي حزنها، لكون هذه الفضاءات الاجتماعية حلت محل اللقاءات العائلية الحميمة لدى كثير من العائلات «وأصبح أفراد الأسرة الواحدة غرباء في منزل واحد أحياناً» وتعطي في ذلك مثالاً قريباً منها وهو عائلة ابنتها الصغرى، وتقول: «ابنتي شهيرة وزوجها وولدها وبنتاها باتوا كالأغراب الذين يعيشون تحت سقف واحد ولكن حياتهم تقريباً افتراضية، فحين يريد الولد شيئاً من أبيه يرسل إليه رسالة عبر الهاتف مثلاً، ويرد الوالد في غالب الأحيان بالطريقة ذاتها، وقس على ذلك طرق التواصل بين باقي أفراد العائلة».عموماً أخذت المواقع الاجتماعية حيزاً مهماً من يوميات التونسيين وخصوصاً موقعي «تويتر» و «فيسبوك» بعد ما يسمى بـ«الربيع العربي».ومنهم من يقضي في تلك المواقع وغيرها أكثر من خمس عشرة ساعة يومياً، بل وينام أحياناً وأجهزة الكومبيوتر المحمول مفتوحة على هذا الموقع أو ذاك.هل هو الإدمان؟«ربما يكون إدماناً» تقول الأخت سكينة وتستدرك: «إنه فعلاً إدمان، هل تتصور أنني لا يمكن أن أبدأ يومي من دون أن أفتح (الفيسبوك) وأرى ما كتبه الأصدقاء وأنتشي بالتعليقات الغزلية، ورسائل الإعجاب لبعض الذين يعجبون بصوري أو ما أنشره، بل إن البعض يكيل لي المدائح حتى على صورة عادية أو كلام فارغ أنشره في لحظة قرف من الحياة». وتؤكد سكينة أنها زارت طبيباً نفسياً أكثر من مرة وهو أمر ربما يستغربه كثيرون، وتوضح: «اتصلت مرات عديدة بطبيب نفسي كي أتخلص من هذا الإدمان، فأنا حتى يوم وفاة أختي لم أتق صبراً وفتحت (فيسبوك) من هاتفي؟ أصبح الإنترنت شيئاً أساسياً في حياتي، والمشكلة أني لا أجد طريقة للنجاة من هذه الشبكة العكنبوتية التي بدأت تخنقني».ربما كان لهذه الشبكة فضائلها وإيجابياتها إذ أصبح ممكناً للطلاب مثلاً مراجعة الدروس من بعد من طريق «سكايبي» مثلاً، كما أنها توفر كمّاً هائلاً من المعلومات التي تساعد في الدراسة، وثمة مواقع تيسر المعلومة وتوفر المراجع والكتب الإلكترونية لمن يريد وبالمجان أيضاً، وفّرت المواقع الإلكترونية أيضاً مجالات خصبة للتعارف لم تكن متاحة سابقاً، فلا حاجة للورق أو القلم أو الظرف أو الطابع البريدي للتراسل والتواصل، كما يقول أمجد الذي يواصل: «لم أعد بحاجة لكتابة رسالة وتعطيرها ووضعها في ظرف ومن ثمّ طابع بريدي، وأنتظر أياماً حتى تصل لمن أحب، يكفي أن أبحث عن صورة جميلة من محرك البحث (جوجل) وأكتب بعض الكلمات التي يمكن أن أستعيرها من أي موقع وأضغط زر الإرسال لتكون رسالتي في ثوان معدودة عند من أريد».وبمقدار ما يسّرت شبكة الانترنت حياة الناس وجعلت كل شيء في المتناول، وفتحت مجالات أوسع أمام الشباب العربي كي يتمكن من اللغات ويبني علاقات جيدة مع الآخر ويوصل الصورة الحقيقية للتاريخ والحضارة، تبدو فضاء خصباً للتحايل والغش والنفاق المتبادل والسرقة من بعد وشتى صنوف الإجرام.
مواقع التواصل الاجتماعي تلك «اللعنة» التي نحبها
أخبار متعلقة