ظننت وظن غيري أن الثورة التي أجتاحت البلاد قادرة على قلب الموازين وتغيير جذور المعادلة التي منذ أن عرفها اليمنيون وهي لم تتغير « فاسد مسئول» النتيجة يرقى الفاسد ويكرم وينال الدرجات العلى ويحظى بالامتيازات بحماية من المسئولين وتلميع من النافذين.بيد أن المعادلة لم تتغير ولم تؤت الثورة ثمارها ولم يحصد الشباب منها سوى التنكيل والقهر والزيادة المروعة في عدد القتلى من الآمنين الذين اكتظت بهم المقابر وظل الوضع كما هو عليه, أي نعم هم اقتلعوا رأس الفساد واستأصلوه لكنهم لم يجتثوه من الجذور ولم يقضوا على تلك الفيروسات التي لا تزال حتى اللحظة في أعماق الجسد اليمني المنهك, تنخر فيه ,و تمتص دمه , وتزيد من أوجاعه..فالمرافق الحكومية لا تزال تعج بالفاسدين وتكتظ بهم وأينما وجهت وجهك قابلت فاسداً أعظم وأشد وأدهى من الآخر,ولكل فاسد طريقته الخاصة في الإفساد يتميز بها عن غيره من الفاسدين حتى انه يتفرد عن غيره بهذه الميزة التي تجعل من المسئولين الكبار يتعاملون معه على أنه محترف ويجب احترامه والإحتذاء به في عالم النصب والفساد.والمصيبة الكبرى انه كلما أشتد فساد هذا المسئول أو ذاك وفاحت رائحة فساده في الإرجاء وعلم بها القاصي والداني , وبات هو يفاخر بها أمام الملأ ويتحدى الكل ويسرق وينهب نهارا جهارا وتعالت الأصوات من أجل تغييره وزجره وردعه واتخاذ الإجراءات القانونية ضده ليكون عبرة لغيره, وتطهير المرفق الحكومي أو المنطقة من فساده وشره يفاجأ الكل بنقله من منصبه إلى منصب أعلى وأرقى (عرفانا) لصنيعه وسنوات خدمته في مجال النصب والاحتيال والفساد ليصبح « فاسد مع مرتبة الشرف».وهذا هو الفساد بعينه الذي تشكو منه معظم المرافق الحكومية إن لم تكن كلها فبدلا من تطبيق مبدأ الثواب والعقاب في كافة المرافق الحكومية وعلى كل من يثبت تورطهم في عمليات فساد مالي وإداري , وإحقاق الحق يلجأ من بيدهم زمام الأمور إلى تكريم هؤلاء ومنحهم الامتيازات والمكانة المرموقة في العمل الإداري والخدمي والاحتفاظ بهم ولكن بشكل أوسع وأرقى وأفضل ليمارس فساده على نطاق أوسع ومع وجوه جديدة يفيدهم ويستفيد منهم ويضمن عدم الملاحقة القانونية بعد أن أصبح تحت حماية من بيدهم زمام الأمر وشؤون البلاد والعباد..والجميل في وطننا أن الفاسدين يطول عمرهم السيادي في المنصب الذي يشغلونه ولا يتزحزحون منه أبدا إلا بعد أن يتركونه «عظام من غير لحم» وبعد أن يستنزفوا خيره ويمتصوا دمه, وبعد أن ينعم أهلهم وذووهم والأقربون لهم وحتى جدهم السابع من خيرات هذا (المنصب) ويضمن صغيرهم وكبيرهم ومن لا يزال في أحشاء أمه وظيفة ومنصباً في أي مرفق حكومي, فالمصلحة بين الفاسدين تقتضي أن يكون تبادل منافع ومصالح, ولا خوف من رقابة أو جهات مسئولة ففي النهاية سيرقون ويرتفعون وينالون أعلى المناصب عرفانا بجميل فسادهم.
مع مرتبة الشرف !!
أخبار متعلقة