في حوار مع البرفيسور محمد فارع حول خارطة الطريق لحل مشكلة المياه والقات في بلادنا:
حاوره/ مشرف الصفحةالمشكلة في غاية الأهمية والخطورة بالنسبة للمزارعين في بلادنا وللمواطن ولأجيالنا القادمة وعلى الجهات المسئولة إيجاد الحلول والمعالجات بدلاً من عقد المؤتمرات والندوات وورش العمل المغلقة التي تستهلك معونات وهبات المنظمات الدولية ويستفيد منها منظموها فقط وبدون مردود على الصعيد الوطني. إن ما يتم القيام به لحل مشكلة المياه والحد من التوسع في زراعة القات لا يلامس حل المشكلة ولا يعطي الاطمئنان لتنمية مستدامة تبشر بمستقبل واعد.لليمن تاريخ طويل في إدارة الموارد المائية والحفاظ عليها. وما بناء سد مأرب التاريخي ثلاثة آلاف سنة، وصهاريج عدن التاريخية، وكذلك بناء السدود الصغيرة في المنحدرات الجبلية، إلا شاهد على ذلك، لقد اختفى الكثير من هذه السدود الصغيرة وأصبحت في ذمة التاريخ، وما تبقى منها لا يعمل، لقد عملت هذه السدود على حفظ الماء من أجل الري الزراعي والشرب والاستخدامات المنزلية المختلفة، وساعدت في تغذية الخزان الجوفي.جاء ذلك في الدراسة التي قدمها د. محمد فارع الدبعي البروفيسور المتخصص في الموارد المائية بجامعة صنعاء وقد كان له نصيب في الإجابة عن ما ورد فإلى التفاصيل:[c1]مشكلة وحلول[/c]في بداية حديثنا مع د. محمد فارع الدبعي حول خارطة الطريق لحل مشكلة المياه والقات في اليمن قال :مع بداية السبعينات من القرن الماضي بدأ التخطيط التنموي للموارد المائية في اليمن، وذلك عبر دراسات موجهة بصورة رئيسية نحو تنمية موارد المياه السطحية والجوفية في دلتا الوديان الساحلية والمرتفعات والسهول الداخلية المحاذية للصحراء. ومع بدء استنزاف المياه الجوفية في بداية التسعينات وزيادة عدد السكان غير المسبوق، بدأ العمل بإعداد دراسات التخطيط الاستراتيجي لإدارة الموارد المائية وتنميتها وربطها بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية. لقد كان ذلك طبيعياً وملحاً، فلقد وصل النقص في إمدادات المياه في بعض المناطق والقطاعات المهمة إلى مرحلة الحرج، كما تزايدت الخلافات بين المستخدمين نتيجة تنافسهم على الكميات المتضائلة من المياه، حتى بلغت هذه الخلافات حد انقسام بعض المجتمعات المحلية على نفسها بسبب حقوق المياه. وفي الوقت نفسه تتعرض إمدادات المياه للمناطق الحضرية لقيود جادة ناجمة عن الضخ المفرط من الخزانات الجوفية لأغراض الري، كما أن استمرار التسابق بين المزارعين لضخ آخر قطرة مياه جوفية في أحواض صنعاء، وعمران، وصعدة، وتعز، يجعـل كلفة الماء تتزايد باستمرار ويعرض هذه المدن الرئيسية وتحديداً العاصمة صنعاء لمستقبل بائس، وإذا لم تتمكن الدولة من السيطرة على مواردها المائية من خلال خطوات جادة وحقيقية وعاجلة فإن إمكانية نموها الاقتصادي والاجتماعي و….الخ، سوف يكون مجهول العواقب. إن اتساع الفجوة بين الطلب على المياه وبين ما هو متاح منها يشكل تهديداً للتنمية الاقتصادية الاجتماعية المستدامة في اليمن. فاليمن تواجه تحديات بيئية خطرة، وأصبحت ندرة المياه والتلوث مشكلة خطيرة.[c1]تقارير وأرقام مخيفة[/c]وعن ما يتعلق بالتقارير والأرقام التي تبين انتشار زراعة القات في بلادنا قال:إنه وفقاً للتقارير الرسمية فإن القات يحتل المرتبة الثانية بعد الغذاء في إنفاق الأسرة اليمنية الذي يتراوح ما بين 26 - 30 % من دخلها. وقدرت الخطة الخمسية الثالثة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية 2006 - 2010 حجم الإنفاق الشعبي على تعاطي القات بنحو 250 مليار ريال سنويا، ما يشكل عبئا على ميزانية الأسرة خصوصا ذات الدخل المحدود، بالإضافة إلى استنزاف شجرة القات أكثر من 30- 40 % من المياه المستخدمة في الزراعة، هذا المحصول الذي تزداد زراعته بنسبة تتراوح بين 9 - 10% سنويا على حساب المحاصيل الأخرى، فإن الأمر لا يتوقف عند إهدار الوقت والمال بل امتد إلى الصحة. إذ تعد المبيدات الحشرية والمواد الكيماوية الخطرة التي ترش على نبتة القات بالذات سبباً رئيساً لانتشار الأورام السرطانية الخبيثة، ووفقا لتقرير حديث لمنظمة الصحة العالمية فإن عدد من يصيبهم السرطان في اليمن يصل إلى نحو 20 ألف شخص سنوياً. ومعلوم أن أمراض خطيرة (كسرطان الرئة واللثة والفم والقولون، الفشل الكلوي وتليف الكبد) بدأت تظهر في اليمن خلال الأعوام الأخيرة نتيجة استخدام مزارعي «القات» للمبيدات والمواد الكيماوية السامة بهدف زيادة المحصول ورفع دخلهم منه، حيث تساعد هذه المستحضرات على نمو أغصان القات في أيام قليلة ويقوم المزارعون اليمنيون بقطفه وتحضيره للبيع بينما لا تزال العناصر السمية في أوراق القات فعالة، وتشير الدراسات إلى أن 70% من إجمالي المبيدات والمستحضرات الكيماوية المستخدمة للزراعة التي تدخل اليمن تستخدم في مزارع القات. وعلى الرغم من أضرار القات هذه، فإنه يعد نشاطا اقتصاديا مهماً لنسبة كبيرة من السكان تتراوح ما بين 20-30 %، وبفعل عائداته الكبيرة فقد ارتفعت نسبة العاملين في زراعته إلى أكثر من 24 بالمائة من إجمالي قوة العمل في قطاع الزراعة.[c1]من المسؤول؟[/c]وأضاف البرفيسور فارع خلال حديثه انه لا يمكنا لوم المزارعين، كما يقول أحدهم، فزراعة القات تدر عليهم مكاسب تتجاوز الـ 10 أضعاف مقارنة مع الأرباح التي يجنونها من زراعة البطاطس مثلا، كما أنه من غير المحتمل أن تلقي باللائمة على من يمضغون القات أيضا، ففي بلاد يعيش حوالي نصف سكانها على مبلغ دولارين للفرد الواحد يوميا، لا بد أنك ستبحث عن الترويح عن النفس والتحليق فوق الواقع أنى وجدت إلى ذلك سبيلا، حيث بعد ظهر كل يوم يمكن للزائر أن يرى عددا كبيراً من الرجال وهم يمضغون القات وقد انتفخت إحدى وجنتيهم بحجم كـرة الـتـنـس سواء كانوا جالسين أو سائرين أو يقودون سياراتهم ويبدو له للوهلة الأولى أنهم يحتاجون لطبيب أسـنـان.[c1]حلول ترشيد المياه في بلادنا[/c]وفي سياق حديثه قال إن هناك إمكانية متاحة لترشيد المياه في اليمن، ومكافحة الفقر، واستبدال القات، وزيادة الإنتاج، وذلك من خلال خارطة طريق لحل مشكلة المياه والقات في اليمن يمكن أن توجه وتنظم وتسخر وفقا للآتي:1. إعداد خطة وطنية تعززها إرادة سياسة وتشريعية وإجماع وطني بخطورة الوضع وأهمية معالجته.2. العمل من خلال خطة خمسية أو عشرية لنقل الوزارات غير السيادية إلى مدينة أو مدن أخرى لتقليل الضغط على العاصمة صنعاء فمواردها الطبيعية والبيئية لا تحتمل أكثر من 800,000 نسمة.3. تعزيز اللامركزية الإدارية الواسعة الصلاحيات فعلياً من خلال إجراءات عملية، للحد الطوعي من الهجرة إلى العاصمة صنعاء، وتشجيع الهجرة الاختيارية إلى عواصم المحافظات الأخرى من خلال توفير فرص للعمل وتشجيع الاستثمار فيها.4. إقامة المشاريع التي تستوعب كثافة عمالية وتحديداً في المناطق الساحلية، وإيجاد مصادر للرزق والحياة الكريمة للمواطنين في مواقع سكناهم.5. إيجاد بيئة استثمارية حقيقية تشجع على الاستثمار وتحد من هروب رؤوس الأموال، من خلال تنفيذ القوانين ومحاربة الفساد وتفعيل مستوى الأداء للقضاء والاختيار الجيد للكادر، سعياً نحو خلق فرص عمل تستوعب مخرجات الجامعات وتحد من البطالة.6. رفع كـفاءة محطات المعالجة لمياه المجاري في المحافظات بحيث تكون مخرجاتها صالحة للري بشكل آمن للعديد من المحاصيل الزراعية وتساهم في التقليل من استخدام المياه الجوفية.7. إيقاف كافة مشاريع المياه ذات الطابع الاستثماري في حوض صنعاء، ونقلها إلى أماكن أخرى خارجه، ويحبذ أن تكون في المناطق الساحلية حيث يمكن استخدام تكنولوجيا التحلية لذلك. حيث من غير المعقول أن نشتكي من أزمة مياه في العاصمة صنعاء، ومشاريع المياه المختلفة فيها تـغـذي الجمهورية بكاملها من هذا الحوض، بل ودول الجوار كذلك (جيبوتي، اريتريا).8. العمل على أن تكون عبوة قنينة الماء المعبأة نصف لتر فقط، حفاظاً على كثير من الماء المهدور.9. توطين تكنولوجيا تحلية المياه في المناطق الساحلية باعتبارها الحل الذي لا بديل عنه لمجابهة الحاجة المتزايدة لهذا المورد على الدوام.10. إيجاد البدائل لمُزارعي القات وتشجيعهم على ذلك من خلال زراعة محاصيل أقل شراهة للمياه ومفيدة للاقتصاد الوطني وغير مضرة بالإنسان والبيئة وفق خطة مدروسة يتم تنفيذها تدريجياً وعلى مراحل من خلال وزارة الزراعة ابتداءً من حوض صنعاء. لنأخذ تجربة الأردن الشقيق حيث دفعت الحكومة (120) دولاراً أمريكياً للمزارعين عن الهكتار الواحد للكف عن زراعة الخضار والمحاصيل السنوية في عام 1991م عملاً بأسلوب استيراد «مياه افتراضية» عبر شراء الأغذية والمنتجات من حيث هو الأكفأ. ومن خلال المفاوضات مع منتجي الحبوب يتم الاكتفاء الذاتي الغذائي مقابل تحقيق الأمن المائي. وإذا كان ذلك أسلوب الآخرين في التعامل مع المنتجات الغذائية الحيوية، ألا يجدر بنا وأليس من المعقول، أن نعمل بالمثل مع إنتاج شجرة القات؟.11. منع ري شجرة القات بالمياه الجوفية فالوضع لا يحتمل، واقتصار زراعتها في المناطق التي تروى بمياه الأمطار فقط كما كان ذلك قديماً.12. اجتماعات مجلس الوزراء والاجتماعات الموسعة في الوزارات ومرافق العمل والندوات والنشاطات في المراكز الثقافية يتم عقدها عصراً وبدون قات، توفيراً للوقت، وخدمة للمواطن من حيث تواجد المسؤولين الدائم في مكاتبهم، والحد من تناول هذه الشجرة الخبيثة من خلال تعويد الناس في فترة مضغها على الانشغال بما هو أهم.13. تفعيل قرار سابق لرئيس الجمهورية يقضي بمنع تعاطي القات في المعسكرات والمرافق الحكومية.14. منع استخدام المبيدات في زراعة القات لما تشكله من أضرار على صحة المواطنين وعلى البيئة بشكل عام.15. حصر أسواق القات خارج المدن ومنع بيعه في شوارعها وأزقتها حفاظاً على النظافة العامة وجمال هذه المدن، والمنظر العام للمواطن اليمني.16. منع تعاطي القات في الشوارع العامة وأثناء قيادة السيارة أو في المتاجر، والسماح بتعاطيه في المنازل والأماكن المغلقة فقط بعيداً عن أنظار الأطفال والأجانب.17. النظر في إمكانية الاستفادة من التجربة السابقة في الجنوب التي تسمح بتعاطي القات في عواصم المحافظات في يومي الخميس والجمعة والعطل الرسمية فقط، وكآلية للتخلص التدريجي منه.18. التوسع في عمل المسطحات الخضراء والحدائق العامة والمتنزهات والنوادي الرياضية والمراكز الثقافية وملاعب كرة القدم ليقضي الناس أوقات فراغهم فيما يفيدهم وينمي مهاراتهم وقدراتهم العلمية والعملية.19. التفكير جدياً في إمكانية استيراد القات من دول الجوار على مراحل، كأن نبدأ بطائرة واحدة للعاصمة صنعاء يومياً، الأمر الذي يقلص مساحة الأراضي المزروعة بالقات في حوض صنعاء ويوفر كمية كبيرة من المياه، وباتجاه استبداله بمزروعات أخرى مفيدة وأقل شراهة للمياه. ورفد الميزانية بمبالغ أكثر جراء الانضباط في تحصيل الضريبة المستحقة. ويمكن أن يكون ذلك من خلال شركة مساهمة يشارك فيها مزارعو القات والعاملون فيه كتشجيع لهم للتخلي عن زراعته، وإذا نجحت التجربة يمكن التوسع فيها، المهم يجب البدء بشيء ما للقضاء على هذه الشجرة واجتثاثها من بلادنا في المدى المنظور، ولا أدري لماذا كل شيء يمكن استيراده في بلادنا (كل شيء) ما عدا القات؟20. الحفاظ على المياه وترشيد استخدامها على مستوى الحقل من خلال إدخال التقنيات الحديثة.21. العمل على تطبيق قانون المياه على الجميع للحد من عمليات الحفر العشوائي للآبار. وكذا العمل على إيجاد بنية لرصد مناسيب المياه في الأحواض وتحديد الكميات المسموح باستخراجها.22. بناء منشآت مساعدة لنظم تغذية الخزان الجوفي للأحواض وتنميتها من سدود وحواجز.23. تهذيب الوديان وحمايتها والاستفادة من كميات مياه السيول التي تهدر وتفقد معظمها حاليا.24. تشجيع الزراعة المطرية وتطوير تقنيات تحسين استغلال مياه الأمطار، والتوسع في استخدام أسلوب حصاد مياه الأمطار على اكبر مساحة ممكنة لأنها تشكل رافدا لا يستهان به في تنمية موارد المياه وتخفف من استنزاف المياه الجوفية والسطحية.25. إدخال طرق الري الحديثة وتحسين الري التقليدي كتقنيات وتكنولوجيا تنمي المورد وترفع كفاءة استخدامه، وقد أثبتت التجارب التي قامت بها وزارة الزراعة والري بان إدخال طرق الري الحديثة تحقق كفاءة استخدام ما بين 30 - 50 %.لقد تنامت الاستخدامات المائية سنوياً من 2.2 مليار متر مكعب عام 1990 إلى حوالي 3.4 مليار متر مكعب عام 2000 ويتوقع أن يصل إلى 4.6 مليار متر مكعب عام 2025 وهو ما يفاقم العجز المائي. إن التحديات التي يواجهها قطاع المياه في اليمن كبيرة، وعملية المعالجة لها ليست هينة، وتتطلب توفر الإرادة والكثير من الجهد والتمويل اللازم لإصلاحه، وجميع المعالجات الآنية وغير الإستراتيجية لن تقود إلى نتيجة مرضية، وربما تقود إلى إهدار الوقت والجهد معاً. إنه ليصعب في الحقيقة التوفيق بين الاستنزاف الحاد للمياه الجوفية، وانتشار الإقبال على القات، والاستخدام العشوائي وغير المسؤول للمبيدات من جهة والحديث عن التحديث والنمو الاقتصادي والتنمية المستدامة من جهة أخرى، كما أن المعرفة بالمشكلة وما تمثله من خطورة على الحاضر والمستقبل وعدم معالجتها معالجة جدية، تعتبر مسئولية من الصعب التغاضي عنها ولا تسقط بالتقادم. إن حل مشكلة المياه والإزالة التدريجية لشجرة القات والحد من الاستخدام العشوائي للمبيدات «هي الأمن القومي» وإن أي تنمية اقتصادية أو اجتماعية لا تتم إلا بإعطاء الأولوية لذلك.في الأخير كم يحدوني الأمل أن أرى يوماً الجماهير اليمنية تخرج مدعومة بمنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان إلى الشارع وفي تظاهرة سلمية مطالبة الحكومة بحل مشكلة المياه والقات والمبيدات والتلوث في اليمن أسوة بشعوب الأرض التي لاتكل في مطالبة أنظمتها وحكوماتها في أن تضع حداً لتلوث البيئة. حينها سأشعر بأن الإنسان في وطني بدأ يهتم بمستقبله ومستقبل الأجيال من بعده وأنه يمكن عمل شيء في هذا الاتجاه.[c1]خطط وبدائل[/c]• التفكير جدياً في استيراد القات من دول الجوار على مراحل حفاظاً على الإنسان في اليمن.• لماذا (كل شيء) يمكن استيراده في بلادنا ما عدا القات؟؟• منع استخدام المبيدات في زراعة القات لما تشكله من أضرار على صحة المواطنين.• توطين تكنولوجيا تحلية المياه في المناطق الساحلية باعتبارها الحل الذي لا بديل عنه لمجابهة الحاجة المتزايدة لهذا المورد على الدوام.• العمل على أن تكون عبوة قنينة الماء المعبأة نصف لتر فقط، حفاظاً على كثير من الماء المهدور.• استيراد القات الخالي من المبيدات أصبح ضرورة للحد من الاستنزاف الحاد للمياه الجوفية والعبث بالمواطن اليمني صحياً ومادياً.